تُقدم شركات الاتصال خِدمة اتصال هاتفي لمدة ساعة في وقت معين وإلى أجل معين بسعر معين.
هذه الساعة جائزة وحلال بَلال لِعدة أسباب منها:
السبب الأول: أن الزبون الذي يشترك في هذه الساعة هو مُستأجِر لهذه الخدمة وليس مشترٍ لها (وهذا ما أريد أن يدركه علماؤنا الكرام من أن شركات الاتصال لا تبيع الخدمة فهو ليس بيعا، ولكنه إيجار خدمة) ولذلك لو كان بيعا لجاز للزبون أن يبيع نفس الخدمة لقريبه أو زميله أو غير ذلك لكن الانتفاع بهذه الخدمة مقتصر عليه فقط، وفي المعاملات المالية المعاصرة فرق بين عقد البيع وعقد الايجار، فكل خدمات الاتصال هي خدمات إيجار للانتفاع بالمنفعة وليس بالعين، والإجارة هي انتفاع بالعين وليست ملكا للعين.
ثانيا: القول بأن الحرمة في هذه الساعة تتعلق بالوقت المحدد لها، وبالتالي لا يجوز تحديد وقت لها، وهذا لا يستقيم : لأن من شروط العقود المالية عندنا أن تكون معلومة علما يقينيا لا شُبهة فيه, معلومة من حيث الثمن والمثمن والأجل ، وضبط الأجل هنا هو ضبط للخدمة ومراعاة للقوانين التي تربط بين هذه الشركات وبين سلطة التنظيم الحكومية، وبين الشركة وبين الزبناء (العملاء)، وإلا لبقي الوقت مفتوحا وبالتالي يؤثر ذلك سلبا على ضبط حسابات الشركة وضبط أعمالها.
وقد نص قرار مجمع الفقه الاسلامي بشأن حُكم إجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة على بعض تلك الضوابط وخاصة المتعلقة منها بضبط التعاقد بين شركات الاتصال والزبناء وتحديد الزمن في منتجاتهم وتعاقداتهم بقوله:
" إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17 إلى 23 شعبان 1410هـ الموافق 14-20 آذار (مارس ) 1990م.... قرر:
" 2. إذا تم التعاقد بين طرفين في وقت واحد وهما في مكانين متباعدين، وينطبق هذا على الهاتف واللاسلكي، فإن التعاقد بينهما يعتبر تعاقداً بين حاضرين، وتطبق على هذه الحالة الأحكام الأصلية المقررة لدى الفقهاء المشار إليها في الديباجة.
3. إذا أصدر العارض بهذه الوسائل إيجاباً محدد المدة يكون ملزماً بالبقاء على إيجابه خلال تلك المدة، وليس له الرجوع عنه. "
ثالثا: الأصل في المعاملات المالية الاباحة، وهو عكس الأصل في العبادات وهو الحرمة، فالأصل في أي معاملة مالية أن لا نحرمها حتى يثبت لنا دليل التحريم وذلك لحاجة الناس الماسة إلى ذلك ولاتساع مصالحهم، خاصة في خدمات الاتصال، وشريعتنا مبنية على جلب المصالح كل المصالح ودرء المفاسد كل المفاسد وهذا مصلحة راجحة وواضحة .
وفي الاخير أنصح شركات الإتصال في بلادنا بالآتي :
اولا: الحرص على التعاقد مع مراقبين شرعيين ( لا يقل عددهم عن ثلاثة متخصصين في المعاملات المالية المعاصرة ) في كل شركة اتصال لضبط الأحكام الشرعية وإصدار الفتاوى في كل منتج جديد تصدره الشركة سواء كان ساعة اتصال، أو زيادة رصيد مكالمات، أو إعلانات وترويجات أخرى، خاصة وأن شركات الاتصال تتنافس بشكل محموم وآني للحصول على رضى الزبناء وعلى عدم خسارة الشركة.
ثانيا: على شركات الاتصال أن تحترم قانون ودستور البلد وأن لا تضع سيولتها وأموالها المجلوبة من جيوب الشعب المسلم إلا في بنوك وحسابات اسلامية خالصة ، وألا تستثمرها ولا تجمعها إلا بالطرق الشرعية .
بارك الله في الجميع، ووفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه، والله تعالى أعلم وأحكم.
د. محمد الأمين ولد عالي خبير في الاقتصاد الاسلامي