«القدس العربي» : هز الساحة السياسية الموريتانية تأكيد رسمي لاختيار الرئيس محمد ولد عبد العزيز لصديقه الخاص ورفيق دربه الجنرال محمد ولد الشيخ الغزواني وزير الدفاع الحالي، لرئاسة البلاد في انتخابات يونيو/حزيران المقبل.
فقد نقلت مجلة «جون أفريك» عن الجنرال غزواني نفسه خبر ترشحه للرئاسة، كما أكد سيدي محمد ولد محمد رئيس الحزب الحاكم والوزير الناطق باسم الحكومة في تغريدة له أمس خبر الترشيح، حيث كتب على حسابه في تويتر: «اختيار معالي الوزير محمد ولد الشيخ الغزواني ليكون مرشحنا كنظام في الانتخابات الرئاسية المقبلة، يشكل أفضل خيار لاستمرارية هذا المشروع الوطني الرائد، مشروع الأمن والديمقراطية والتنمية الذي أسسه وقاده فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز».
وشغل هذا التأكيد الساسة الموريتانيين بجميع مشاربهم، حيث سارع أنصار الرئيس المنصرف لتبني المرشح الجديد واعتبروه استمراراً لعهد الرئيس ولد عبد العزيز، بينما أصاب هذا التأكيد المعارضة بارتباك كبير لأن اختيار الجنرال غزواني ذي السمعة الطيبة يقلل بشكل كبير فرص نجاح مرشحها الذي لم تتفق حتى الآن على توحيده.
وفي هذه الأثناء انشغلالكتاب والمدونون بتحليل المستقبل السياسي لموريتانيا التي ستشهد لأول مرة تناوباً على السلطة بين رئيسين منتخبين عبر صناديق الاقتراع، حيث ظل التناوب يجري عبر الانقلابات العسكرية.
وفي هذا الإطار استكنه الدكتور محمد مختار الشنقيطي، أستاذ الأخلاق السياسية وتاريخ الأديان بجامعة حمَد بن خليفة في قطر، مستقبل موريتانيا، مؤكداً في مقال تحليلي «أن موريتانيا بدأت تنتقل من الاستبداد العسكري إلى «الديمقراطية العسكرية» التي نستعملها هنا، بمعنى المرحلة الانتقالية من الحكم العسكري إلى الحكم المدني التي يقودها عسكريون يملكون حاسَّة سياسية، فكل المؤشرات تدل على أن الرئيس العسكري الحالي محمد عبد العزيز سيخرج من الرئاسة رغم حرصه على البقاء فيها، وأن رئيس موريتانيا القادم سيكون صديق دربه الجنرال محمد الغزواني، ويستطيع غزْواني أن يجعل رئاسته بداية جدِّية للانتقال إلى الدولة الدستورية ذات السلطة المدنية، إذا تحرَّر من ظل عزيز، وحَرِص على الإجماع السياسي، وأدرك حتمية الإصلاح وضرورة التغيير».
وأكد الدكتور الشنقيطي «أن عوامل عدة قضت على طموح عزيز إلى تغيير الدستور لتمديد ولايته، رغم حرصه وحرص أقاربه ومقربيه على التمديد، ومن هذه العوامل إدراك عزيز أن إصراره على تغيير الدستور سيُدخل موريتانيا في حقبة من عدم الاستقرار، أما العامل الثاني، يضيف الشنقيطي، فهو الهاجس الأمني المسيطر على صانع القرار الغربي مما قد تَفيض به منطقة الساحل الإفريقي والصحراء الكبرى على أوروبا من هجرات وعمليات إرهابية وتهريب، وهو ما جعل القوى الدولية ذات التأثير في المعادلة الداخلية الموريتانية غير راغبة في تمديد ولاية عزيز، خوفاً من آثارها الأمنية على الضفة الشمالية من البحر المتوسط».
«أما العامل الثالث، يقول الدكتور الشنقيطي، فهو حرص شركات الطاقة الغربية الكبرى على الاستقرار السياسي في موريتانيا».
وتابع الشنقيطي تحليله قائلاً: «يطمح عزيز الآن أن يتحول إلى «زعيم»، بعد أن ينتهي دوره كرئيس، وأن يظل يدير المشهد السياسي من وراء ستار، كما حاول علي عبد الله صالح من قبل، بعد إرغامه على التخلي عن رئاسة اليمن لصالح نائبه هادي، تطبيقاً للاتفاقية الخليجية. لكن عزيزاً -في تقديري- لن ينجح في المحافظة على أي تأثير سياسي بعد رحيله، هذا لا يعني أن صديق دربه الغزواني سيغدر به، أو سيحاسبه على تجاوزاته المالية والسياسية العديدة».
وأكد الشنقيطي «أن الرئيس الموريتاني المرتقَب محمد الغزواني رجل مركَّب الشخصية، بعيدُ الغوْر، متشابكُ العلاقات، فهو ينتمي إلى المنطقة الشرقية من موريتانيا، ذات الوزن الثقيل من حيث عدد السكان والتمثيل الكبير في الجيش، وهذا ما سيضمن له عصبية اجتماعية كثيفة يستند إليها سياسياً، لكنه حليفٌ وثيق لعدد من قادة الجيش وذوي المصالح الاقتصادية في المنطقتين الشمالية والجنوبية، وهو واسعُ العلاقات خارج موريتانيا، وقد جمع في علاقاته الخارجية كل التناقضات: فهو صديق للسلطة الجزائرية والمغربية والإماراتية والسعودية والفرنسية والأمريكية، أما في الداخل فلا يكاد يوجد أعداء -بمعنى الكلمة- لغزواني رغم تورطه مع عزيز في الانقلاب ضد أول رئيس مدني منتخب في تاريخ موريتانيا عام 2008».
«ولا يبدو لدى المعارضة المدنية الموريتانية اليوم، يقول الشنقيطي، قيادة كارزمية قادرة على هزيمة غزواني في الانتخابات، لكن ذلك لا يعني أن جهدها في الانتخابات الرئاسية القادمة غير ضروري أو غير مثمر».
وأكد الدكتور الشنقيطي «أن الانتقال من الاستبداد العسكري إلى «الديمقراطية العسكرية» يظل مكسباً متواضعاً، بمعايير الطموح الذي يطمح إليه الموريتانيون، من عدل وحرية ودولة مدنية وعدالة اجتماعية، لكنه بمنطق السياسة العملية التي هي فنُّ تحقيق الممكن وبناء الساحات المشتركة، خطوة مهمة نحو ذلك الهدف الأسمى، فهل يكون الرئيس المرتقب غزواني جسراً للعبور من «الديمقراطية العسكرية» ذات الأفق المحدود والسقف الواطئ إلى الديمقراطية المدنية الكاملة ذات الأفق المفتوح والسقف المرفوع؟ أم أنه ستستهويه السلطة والثروة وتَصْرفه عن أداء الأمانة كما استهوتْ وصرفتْ إخوةً له في السلاح من قبل؟! ذلك سؤال سيظل، حسب الدكتور الشنقيطي، يكبر في الأيام والشهور المقبلة من التطور السياسي الموريتاني الجديد الذي أظلَّنا زمانه».
وفي السياق نفسه، وجه المدون والقيادي المعارض محمد الأمين ولد الفاظل، أمس، رسالة «من معارض إلى مرشح النظام لرئاسيات 2019»، خاطب فيها الجنرال غزواني قائلاً: «إن من ناصركم حقاً، وإن من دعمكم حقاً، وإن من ساهم في وصولكم إلى الرئاسة، إن قُدِّر لكم الوصول إليها من خلال الانتخابات المقبلة، هم أولئك الذين دافعوا عن مبدأ التناوب السلمي على السلطة، وسواء دعموكم بعد ذلك في حملتكم الانتخابية أو دعموا منافساً لكم، أما أولئك الذين طالبوا بإسقاط مبدأ التناوب السلمي على السلطة، فهم الذين حاولوا حرمانكم من الوصول إلى الرئاسة، حتى وإن دعموكم تزلفاً ونفاقاً في حملتكم الانتخابية، وعليكم أن تتذكروا ذلك دائماً، حتى وإن أجبرتكم إكراهات المنافسة على قبول دعمهم خلال الانتخابات الرئاسية القادمة».
وأضاف: «عليكم أن تعملوا من الآن على تهيئة الظروف لانتخابات تتمتع بالحد الأدنى من الشفافية، ولن يكون ذلك إلا بإعادة تشكيل اللجنة المستقلة للانتخابات وبالاستجابة لبقية مطالب المعارضة المتعلقة بالعملية الانتخابية، إنه بإمكانكم أن تفوزوا في ظل انتخابات تجرى في ظروف مقبولة، ولذا فمن مصلحتكم أن تعملوا من أجل أن تنظم الانتخابات الرئاسية القادمة في ظروف توافقية، إنه ليس من مصلحتكم أن يعلن عن فوزكم في انتخابات غير توافقية ولا تتمتع بالحد الأدنى من المصداقية، إنه ليس من مصلحتكم أن تصلوا إلى الرئاسة من خلال انتخابات مشكوك في مصداقيتها؛ فعليكم ألا تضيعوا تلك الفرصة، وبخاصة أن عائدات الثروة الغازية ستعينكم، إن أحسنتم تسيير تلك العائدات في تحسين الظروف المعيشية للمواطن الموريتاني».