تواجه المعارضة الموريتانية حاليا ضغوطا شديدة من طرف مؤيديها ومناضلي أحزابها ومن طرف المدونين الحالمين بالتغيير، وذلك بعد تلكؤها في الإعلان عن مرشحها الموحد للانتخابات الرئاسية المقبلة.
وتمارس هذه الضغوط المصحوبة بانتقادات شديدة، في وقت أعلنت فيه أحزاب الأغلبية الحاكمة مباركتها لترشيح الرئيس محمد ولد عبد العزيز لصديقه ورفيق دربه الجنرال محمد غزواني للرئاسة الذي أصبح ممسكا بمفاتيح القصر حسب المؤشرات القائمة.
وضمن موجة الإحباط الحالية، أعلن المحامي أحمد سالم بوحبيني نقيب المحامين السابق وأحد الوجوه التي أشيع أن المعارضة ستقدمه مرشحا موحدا لها، عن انسحابه من منتدى المعارضة موجها انتقادات شديدة للمنتدى المعارض.
وأكد النقيب بوحبيني في رسالة وجهها للمنتدى وتوصلت “القدس العربي” إلى نسخة منها أنه “قرر الانسحاب من تجمع المعارضة لأن قادته يرفضون إجراء تحسينات على أسلوب المعارضة، كما أنهم عاجزون، حسب قوله، عن فهم متطلبات المرحلة”.
انسحب أحد سدنتها والمدونون يقترحون مقاطعتها للانتخابات
وقال: “قررت عدم المشاركة في أي نشاط سياسي لا يتماشى مع قناعاتي”، مضيفا “مجمل القول إنني عارضت النظام وقارعته لأن لدي مقاربة طموحة للعدالة ودولة القانون والحرية وفصل السلطات وحقوق الإنسان، وسأبقى على نفس النهج، وأواصل النضال من أجله، لأنني ما زلت وسأبقى متمسكا بنفس القناعات ومؤمنا بنفس الأسلوب”.
وأضاف “أؤكد هنا أنني أحترم قادة المعارضة، فردا فردا، لكنني على العموم لست راضيا عن أداء المعارضة في كل تفاصيله، ولست مقتنعا بأسلوبها، كما أنني لا أومن بفهم زعاماتها الجامد للديمقراطية والتناوب، وبالتالي فإنني أنسحب، بكل بساطة، من مسار منتداها لأنه لا يمكنني المضي في أي توجه لا أثق فيه، خاصة إذا كان عبثيا وغير جاد، وبما أن قادة المعارضة رفضوا الاستماع لآرائي أو أخذها في الحسبان، وبما أنهم يرفضون إجراء تحسينات على أسلوب المعارضة وفهمها للمرحلة، فقد قررت عدم المشاركة في أي نشاط سياسي لا يتماشى مع قناعاتي”.
واقترح المدون البارز والقيادي المعارض محمد الأمين الفاضل على المعارضة “أن تتقدم برسائل موقعة من طرف الأحزاب المعارضة والنقابات والمنظمات وكل الشخصيات الوطنية الطامحة إلى التغيير، إلى المجلس الدستوري وإلى الرئاسة وإلى مرشح النظام، وأن تطالب فيها بتوفير الحد الأدنى من أجل شفافية الانتخابات القادمة (إعادة تشكيل اللجنة المستقلة للانتخابات؛ فتح الإعلام العمومي أمام المعارضة؛ حياد الإدارة …)، وأن تضع لذلك مهلة تنتهي مع آخر يوم من شهر فبراير، فإن رد النظام بشكل إيجابي على تلك الرسائل شاركت المعارضة في الانتخابات، وإن لم يرد عليها بشكل إيجابي قبل نهاية شهر فبراير، ففي هذه الحالة فإنه على المعارضة أن تعلن عن مقاطعتها للانتخابات، وعن رفضها لتشريع انتخاب ولد غزواني، ولن تخسر في هذه الحالة شيئا، فالانتخابات الرئاسية تتعلق بمقعد واحد، لا بمئات المقاعد كما هو الحال في الانتخابات التشريعية والبلدية”.
“إن الخاسر الأكبر في حالة مقاطعة المعارضة للانتخابات الرئاسية القادمة، يضيف المدون، سيكون هو مرشح السلطة الذي سيبدأ فترة حكمه بأزمة سياسية تنضاف إلى الأزمات المتعددة الأوجه التي سيرثها من سلفه، ولذلك فعلى مرشح النظام أن يبذل جهدا أكبر من أجل تنظيم انتخابات رئاسية تتمتع بالحد الأدنى من المصداقية”.
وأضاف “إن مقاطعة الانتخابات الرئاسية ستبقى هي الخيار الأفضل للمعارضة إن ظلت السلطة ترفض إعادة تشكيل لجنة الانتخابات وتقف بالتالي ضد تحسين ظروف المنافسة، أما إذا ما قبلت السلطة أن تعيد تشكيل لجنة الانتخابات وأن تحسن من ظروف العملية الانتخابية، فإنه في هذه الحالة على المعارضة أن تشارك بشكل جدي في الانتخابات القادمة، وأن تعمل ما في وسعها من أجل تحقيق نتائج معتبرة، وفي حالة عدم الفوز فإن عليها أن تعترف بشكل صريح بنتائج الانتخابات، وأن تبارك للفائز، وأن تكون على استعداد تام لأن تغير من قواعد اللعبة، وأن تتحالف مع الرئيس القادم إن هو قرر أن يفتح صفحة جديدة تتغير فيها التخندقات من أجل مصلحة موريتانيا ومن أجل تصحيح المسار الديمقراطي المتعثر”.
وحذر الكاتب من “أن يترك مرشح النظام في حالة فوزه بمقعد الرئاسة لنفس الطبقة من النفعيين والانتهازيين التي التفت على ولد عبد العزيز وعلى من سبقه من الرؤساء، ولذلك فإن إعادة التموقع بالنسبة للمعارضة ستكون ضرورة وطنية إن تمكن المرشح ولد غزواني من الفوز في انتخابات تتمتع بالحد الأدنى من المصداقية”.
“خلاصة القول، يضيف الفاضل، هو أنه على المعارضة أن تقاطع الانتخابات القادمة إن لم يتم توفير الحد الأدنى من شروط الشفافية، أما إذا ما توفير الحد الأدنى من شروط الشفافية، فعلى المعارضة في هذه الحالة أن تشارك في الانتخابات، وأن تكون على استعداد كامل للاعتراف بالنتائج في حالة فوز مرشح النظام، من أجل مصلحة موريتانيا التي هي بحاجة ماسة في المرحلة القادمة إلى أن يتعاون كل الخيرين في المعارضة والموالاة وأن يقفوا صفا واحدا في وجه النفعيين والمطبلين والمتزلفين الذين يسعون إلى الانفراد بالرئيس القادم، كما انفردوا بأخوة له من قبل”.
وأكد الكاتب “أن أهم درس يمكن استخلاصه من نتائج الانتخابات التشريعية والبلدية والجهوية الماضية هو أن التأخر في التحضير للانتخابات يأتي دائما بنتائج كارثية، هذا الدرس لم تستفد منه المعارضة، فها هي تتأخر كثيرا في التحضير للانتخابات الرئاسية، فالمعارضة حتى الآن لم تستطع أن تحدد من هو مرشحها التوافقي أو الرئيسي الذي ستدفع به إلى حلبة المنافسة”.
وقال: “لم تأخذ المعارضة العبرة لا من انتخابات سبتمبر الماضية، ولا من انتخابات 2009 الرئاسية، وها هي اليوم تكرر نفس أخطاء الماضي، تلك حقيقة كان يجب أن تُقال، وما دامت قد قيلت، فلا بأس من تجاوزها، والتفكير فيما يجب على المعارضة أن تفعله ابتداءً من الآن”.
وكان الباحث الكبير الدكتور ديدي ولد السالك المركز المغاربي للدراسات الاستراتيجية قد أكد في دراسة تحليلية أخيرة له عن الانتخابات الرئاسية المقبلة “أن تجربة العقدين الماضين في موريتانيا، أثبتت بعد انطلاق مسار الانتقال الديمقراطي، بأن أغلبية النخبة الموريتانية لا تؤمن بقيم الديمقراطية، مما حال دون ترسيخ الممارسة الحزبية، باعتبار أن الأحزاب هي العمود الفقري للعمل السياسي، وأنها الحاضنة الطبيعية للتدرب على الممارسة الديمقراطية واكتساب قيمها”.
وأضاف: “عدم تشبث أغلبية النخب الموريتانية بقيم الديمقراطية، يتجلى اليوم بشكل أكثر وضوحا، بمطالبة بعض تلك النخبة بانتهاك الدستور وتعديله لصالح بقاء النظام الحالي، الذي تنتهي مأموريته بمقتضى الدستور في منتصف 2019، وهو ما يعني القضاء على أهم مكسب حققه الشعب الموريتاني خلال مسيرة الدولة الوطنية، أي ضمان التناوب السلمي على السلطة عبر تحصينه دستوريا”.
نواكشوط- “القدس العربي”: عبد الله مولود