الجميع في موريتانيا هذه الأيام منشغل بالتحضير للانتخابات الرئاسية التي باتت تسيطر على المشهد مع اقتراب موعد تقديم الترشحات المقرر خلال إبريل /نيسان المقبل: فالمعارضة غاصة في أوحال توحيد مرشحها، والموالاة بأحزابها وزعاماتها التقليدية منجرفة نحو الجنرال محمد الغزواني الذي رشحه الرئيس ولد عبد العزيز ليخلفه في كرسي الرئاسة.
أما الصحافة وشبكات التواصل فانشغالها الأساس هو تسليط الضوء على ما تسميه «عسكرة التناوب على السلطة» الجارية حالياً بشكل سافر والمتجسدة في استخلاف الجنرال عزيز لرفيق سلاحه الجنرال محمد الغزواني.
وسيغادر الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز السلطة في انتخابات رئاسية ستجري فعالياتها ما بين شهري يونيو ويوليو القادمين، حسب ترتيبات الدستور، ليتولى السلطة بعده الجنرال غزواني الذي يتردد اسمه منذ أكثر من سنة مرشحاً مجمعاً عليه من طرف أنصار الرئيس عزيز.
وبارك إسلاميو حزب التجمع الذين يشكلون القوة السياسية الكبرى داخل المعارضة في بيان أخير للمكتب التنفيذي للحزب «قرار المعارضة بخصوص توحيد المرشح وتنسيق الجهود لكسب رهان الاستحقاق الرئاسي المقبل، وعدم تضييع الفرصة الذهبية التي يتيحها لقوى التغيير الديمقراطي.
وطالب الإسلاميون «بتوفير شروط وضمانات الشفافية في الانتخابات الرئاسية القادمة، من خلال إعادة تشكيل الهيئات المشرفة عليها ومراجعة اللائحة الانتخابية، وإتاحة فرصة مراقبتها للمراقبين الدوليين والمحليين، وإبعاد رموز الدولة ومواردها عن عملية التنافس الانتخابي، و دمج ناخبي القوات المسلحة وقوات الأمن مع الناخبين المدنيين في نفس مكاتب التصويت».
وضمن تحليلات كبار المدونين المتعلقة بالاستحقاقات المقبلة، أكد المدون محمد الأمين الفاضل «أن المعارضة الموريتانية تأخرت كثيراً في التحضير الفعلي للانتخابات الرئاسية القادمة، فهي لم تتمكن حتى الآن من تسمية مرشحها، هذا فضلاً عن كونها لم تنظم خلال الفترة الأخيرة أي نشاط جماهيري ضاغط للمطالبة بإعادة تشكيل اللجنة المستقلة للانتخابات، والتي لم يكن تمثيل المعارضة فيها مقنعاً».
«الراجح، يضيف المدون، أن المعارضة إن شاركت في الانتخابات الرئاسية المقبلة من قبل أن تتم إعادة تشكيل اللجنة المستقلة للانتخابات، ومن قبل توفير الحد الأدنى من الشفافية وحياد الإدارة، وفي ظل تأخرها الكبير في التحضير للانتخابات الرئاسية، الراجح أن مرشحها لن يحصد أكثر من 10٪ من الأصوات».
وقال: «إذا ما ظلت الأمور تسير على مستوى التحضير بهذا البطء، وإذا ما بقيت لجنة الانتخابات على حالها، فإن المعارضة ستجد نفسها بعد الانتخابات الرئاسية القادمة قد ارتبكت حماقتين كبيرتين؛ أولاهما تشريع فوز مرشح النظام في انتخابات غير شفافة، فلن يكون بمقدورها التشكيك في شرعية الرئيس القادم بعد مشاركتها في تلك الانتخابات، والثانية إظهِار عدم شعبيتها، عكساً لما هو واقع، لأن مرشحها التوافقي أو الرئيسي لن يحصل في ظل غياب الشفافية إلا على نسبة قليلة جداً من أصوات الناخبين».
وشدد الفاضل التأكيد على «أن توفير الحد الأدنى من الشفافية سيكون في مصلحة الطرفين (النظام والمعارضة)، وهو سيكون في نهاية المطاف في مصلحة المرشح الفائز، وذلك لأنه سيمنح له شرعية لا يمكن الطعن فيها، وإذا ما تمكن مرشح النظام من الفوز في انتخابات تتمتع بالحد الأدنى من المصداقية، فسيكون من واجب المعارضة، أخلاقياً وسياسياً، أن تبارك له الفوز، وسيكون من واجبها وطنياً أن تعيد النظر في تموقعها، وأن تمد له يد العون إذا ما قرر هو أن يبدأ صفحة جديدة وأن ينفتح على الجميع بما يخدم المصلحة العليا للوطن».
وفي سياق متصل، تحدثت صحيفة «لكلام»، أبرز الصحف الفرنكوفونية الموريتانية، عن «إقبال موريتانيا على عملية تناوب معسكرة على السلطة في الانتخابات المقبلة»، مؤكدة في تحليل سياسي نشرته أمس «أن عسكرياً سيخلف عسكرياً آخر ليتواصل بذلك تعاقب حملة النياشين على السلطة المستمر منذ 1978 مع رداءة الحصائل التي حققتها الأنظمة العسكرية التي تعاقبت على حكم البلاد»، حسب تعبيرها.
وعرضت الصحيفة تفصيلات عن الأنظمة العسكرية التي حكمت موريتانيا منذ انتقالها إلى النظام الديمقراطي عام 1991، مشيرة إلى «أن صناديق الاقتراع لم يحصل أن حسمت تناوباً شفافاً على السلطة، كما لم تفلح في إعادة العسكريين إلى ثكناتهم لإفساح المجال أمام نظام مدني قادر على حكم البلاد».
واتهمت الصحيفة «الأوساط الانتهازية المدنية في موريتانيا، بالمساهمة في استمرار سيطرة ضباط الجيش على السلطة طيلة العقود الأربعة الماضية»، مشيرة إلى «أن انتخاب الرئيس المدني سيدي ولد الشيخ عبد الله عام 2007، كان حدثاً غريباً سرعان ما تم طمسه لتعود موريتانيا للعسكرة ولتجهض التجربة الديمقراطية بعد ذلك».
وأكدت «لكلام» في تحليلها «أن الدليل على استمرار هيمنة الجيش على السلطة هو حصول الجنرال غزواني، بدون أي جهد منه، على حظوظ كبيرة جداً لتولي الرئاسة بصورة ميسورة مستفيداً، حسب قولها، من العسكريين وكتائبهم المدنية من أحزاب وحزيبات ورجال أعمال وانتهازيين، ومستفيداً كذلك من تواطؤ الهيئات الإدارية المكلفة بتسيير العلمية الانتخابية».
عبد الله مولود نواكشوط – «القدس العربي»