صباحا وانا امر قبالة محكمة دار النعيم لفت انتباهي تجمهر كبير لرجال الأمن، كان الوقت باكرا ، وكانت المارة تتجمع بكثافة تستجلي سبب هذا التجمع الأمني غير المعهود ، كفاني احد العابرين مؤونة السؤال عن سبب هذا التجمهر ، فرد عليه احد رجال الشرطة قائلا: لا يعدو الأمر محاكمة عادية لبعض سجناء الحق العام مابين مغتصب وقاطع طريق.
رجعت إلى البيت قبل منتصف النهار ، وحاولت ان استرق إغفاءة قبل صلاة الجمعة، لكن طيف الشهيدة زينب وصويحباتها من ضحايا الاغتصاب اقتحم علي خلوتي ، فحاصرنني باكيات لا يردن مني أكثر من أن انقل لهم هذه الرسالة إلى ذلك القاضي الذي سيجلس لتلك المحاكمة ومن خلاله إلى كل قاض أسندت إليه مقاضاة مثل هؤلاء الكلاب .
خطت زينب رسالتها بحبر الدموع على صفحة قلبي الذي نزف إشفاقا عليها ومازال ينزف حتى اليوم .
تقول الرسالة :
سيدي القاضي امامك الآن وحوش في أجساد بشر ، مالهم مهنة غير اقتحام بيوت الآمنين لتدنيس طهر بناتهم وهتك أستار الصون عنهن دون ادنى حق ، هؤلاء سيدي القاضي يقتلون ، لكن ليت جرائمهم تقف عند القتل وحده فالقتل هين إذا سلم للفتاة عرضها وشرف أبيها ، لكن أن يجمع لها وحش بشري بين العار والقتل فذلك سيدي القاضي ما لا يمكن تحمله .
تخيل يا سيادة القاضي _ حفظك الله وامنك _ أن إحدى بناتك المصونات خرجت من بيتك طالبة استزادة من علم أو استفادة من عمل ، وفي الطريق انقض عليها وحش عفن فسلبها شرفها في دقائق معدوادات، ثم تم القبض عليه وقدم للمحاكمة فجاء الحكم مخففا لا يتجاوز السجن عاما أو عامين ، اتعتقد سيدي القاضي أن هذه المدة الوجيزة كافية لشفاء جرحها الحسي احرى بجرح الكرامة الذي لن خيندمل ما سار فلك في السماء .
سيدي القاضي نحن الآن عبرنا جسر الحياة بآلامنا الثقيلة وجروحنا الغائرة لكنك بقيت هناك نائبا عنا وعليك أن لا تخذل تلك النيابة، وتذكر جيدا وأنت تصدر احكامك هذه اننا وهم وأنت سنلتقي عند قاضي الأرض والسموات وأعدك اننا هناك لن نرحم ولن نسامح .
املت زينب علي هذه الكلمات ، ثم استدارت مبتعدة وهي تنشد :
ُأمِّي سَيُـــــــــحزنها خُلُــــوُّ مكـــــــانِي *** لا تقْلــــــــــــقِي فأنَا هُنا بأمَانِ
أنَا في الجنانِ...شُفِيتُ، جُرْحِي لمْ يَعُدْ *** يُؤذِي ولنْ يصلَ الذئابُ مــكانِي
لكنَّنِي أخْشَى عليـكِ حَبيـــــــــــــبتِي *** غدرَ الذِّئابِ وغفْلةَ السُّـــــلطَانِ
أخْشَى علَى أُخْتِـــــــي وكلِّ صَواحِبِي *** وبناتِ جيرانِي يــــدَ العــــــدوانِ
أمِّي لديْكِ دفَاتــــــرِي وملابِــــــــــسِي *** وَلديْكِ ذكرَى لهفتِي وحَنـــانِي
ولديكِ بعضٌ من رطَانـــــــــــةِ أحـــرفِي *** أيَّامَ كُنتِ تُرَوِّضِينَ لِسَانِــــــــي
أُوصِيكِ بالأشْيـــــــــــــــــاءِ هـــذِي ِإنَّهَا *** منِّي فكَمْ تحْتَاجُ للْأحْـــــــــضانِ
أَمَّا أَبِي فَكَفـــاهُ مَــــــــــــــــــجْدًا أَنَّنِي *** قدْ مِتُّ فِي سَعْيِـي إلَى الْقرآَنِ
ما مِتُّ فِـــــي لــــغْوٍ ولَا رفَــــــــثٍ ولاَ *** فسْــــقٍ ولا غــــدْرٍ ولا عِصــيَانِ
كانتْ خًطايَ تُعَـدُّ فِي حَسنَاتِــــــــــــهِ *** حتَّى سمَوْتُ بهَا إلَـــى الرحمنِ
أمِّــي أبِّــي قُولا بكُل جَسَــــــــــــــارَةٍ *** للْحَاكِمِ المشْــــلُولِ إذْ ينـــعَانِي
إنِّي هُنَا ودمي سيبقَـــــــــــى ساخِنًا *** حتِّى أخاصـــمَهُ لــــــدَى الدَّيَّانِ
وَحَذَارِ منْ صفْحٍ عــــــلَى زَلَّاتِـــــــــــهِ *** فالثَّـــأرُ ثَأْرِي والجريــــــحُ كيانِي
من صفحة محمد أحيد ولد سيدي محمد