عاد الجدل السياسي المتعلق بالتسجيلات الصوتية المسربة للرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز – أيام كان قائد للحرس الرئاسي – وهو يفاوض من قدم نفسه كضابط عراقي لديه مبالغ مالية يود استثمارها في موريتانيا، واستخلاصها من عصابة كانت تحتجزها،
وعاد الجدل إثر إعلان نتائج التحقيق الذي أعدته الخبيرة الفرنسية كلوديت فييل، وهي دكتورة في المعلوماتية وخبيرة معتمدة لدى محكمة النقض ومحكمة الاستئناف الإدارية بمارسيليا، وقد أثبت التقرير صحة نسبة الصوت للرئيس ولد عبد العزيز، وبنسبة وصلت 93%.
إعلان نتائج التحقيق دفعت الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز لإعادة الاعتراف بصحة التسجيلات، بعد اعتراف أولي بها، خلال لقاء الشعب في مدينة النعمة شهر أغسطس 2013، متهما أطرافا عديدة فرنسية وموريتانيا بالتمسك بها، ومحاولة إعادة تحريكها من حين لآخر من أجل تشويه سمعته.
ورغم أن ولد عبد العزيز أجاب بشكل صريح على سؤال صحة نسبة التسجيلات التي عرفت لدى الإعلام الموريتاني باسم "غانا كيت" إلا أن أسئلة أخرى ظلت معلقة دون أجوبة، ومن بينها:
قناة اتصال الضابط العراقي بقائد كتيبة الحرس الرئاسي الموريتاني؟
علاقة الوزير – والمستشارة الرئاسية سابقا – كمب با بالملف؟
تقسيط الاعتراف بصحة التسجيلات، مع الإصرار على وصفها في الوقت نفسه "بالمفبركة".
أسباب التعاطي الإيجابي وتقديم النصائح للضباط – الذي وصفه بالمحتال – وعدم تبليغ السلطات الأمنية عن الحادث.
الإثبات العلمي
الخبيرة الفرنسية الدكتورة كلوديت فييل أثبتت في تقريرها المكون من 22 صفحة أن نتائج عملها على "تسجيلات أكرا" يسمح لها "بإصدار الرأي بأن صوت المحاور "أ" في المحادثتين الهاتفيتين (ouldvalfin 4 وaziz coumba 2) وصوت السيد الرئيس عزيز في تسجيلات الكلمات العامة محل الدراسة يظهران ما يكفي من نقاط الشبه"، مردفة أنها يسعها القول "إن الاحتمال القوي هو أنهما متطابقان"، مشددة على أن "التطابق الذي نخلص إليه هو في مستوى 5.6 من أصل ستة مستويات، وهو ما يعني احتمالا أقوى من 93%".
وأضافت الخبيرة الفرنسية – والتي أعدت التقرير بناء على طلب من وليام بوردون رئيس منظمة "شيربا" – "يمكننا الخلوص إلى وجود شبه بالغ القوة بين أصوات المحاور "أ" في المحادثين الهاتفيتين (ouldvalfin 4 وaziz coumba 2) وبين صوت السيد الرئيس عزيز".
وأكدت الخبيرة الفرنسية أنها توصلت إلى هذه الخلاصات نتيجة عمليات متعددة، هي:
التحليل السمعي المقارن.
الدراسة المقارنة للعناصر اللغوية الدالّة (الخصوصيات اللغوية، خصوصيات الأشكال اللغوية "تشنجات الكلام").
تحليل وتفسير الصورة الطيفية.
مقارنة توزع الذرى الطيفية.
المقارنة عبر التوزع الطيفي المتوسط.
تحليل التردد الأساسي.
تحليل متوسط توزع الذرى الطيفية.
وقالت كلوديت فييل إنه أخذت في الحسبان أثناء عملها "رداءة التسجيلات، والعينة المحدودة من العناصر المقارنة"، مردفة أن اتخذت "احتياطات إضافية حيث قامت بتحليلات إضافية على تلك المطلوبة، من تحليل الصوائت الأقوى في المقاطع، وتم عرض مقارنة المقاطع الصوتية حسب النسبة المئوية للتشابه. مشيرة إلى أنهم احتفظوا "بهامش في صياغة خلاصاتهم من خلال استبعاد مستوى التعرّف".
وفي القسم السادس من التقرير، والذي حمل عنوان: "تجميع وإصدار رأي"، أكدت الخبيرة الفرنسية أن "مهمة إعداد هذه الخبرة كانت حرجة نظرا للعناصر التالية:
مقاطع المكالمات الهاتفية التي قدم لهم:
كانت رديئة من حيث النوعية.
تتضمن إشارات صوتية يقع ترددها ما بين 200 هرتز و4000 هرتز نظرا لنقلها عبر الهاتف.
تمثل محادثات خاصة وسرية.
وأشارت إلى أنها لم تتمكن من الاحتفظ إلا بتسجيلين اثنين هما: "ouldvalfin4" و"aziz coumba 2" وذلك بعد استبعاد “aziz coumba 3” نظرا للقصر الشديد لمدته، واستبعاد “coumba ba” لأننا لم نجد تسجيلات بالانكليزية تمكن مقارنته بها".
وذكرت الخبيرة الفرنسية بأنه لم تجد "عناصر يمكن أن تقود إلى الافتراض أن أحد هذه التسجيلات جرى الحصول عليه من خلال المونتاج"، مردفة أنه "من غير الوارد أن يكون الصوت قد جرى تنكيره طوعا أو تعديله اصطناعيا".
وأضافت الخبيرة أن "التسجيلات الرسمية للرئيس التي أرسلت إليهم أو جمعوها من مصادر مفتوحة على الإنترنت كانت:
كانت على شكل فيديو أي أنها إذن من امتداد مختلف.
تعود إلى فترة زمنية بعيدة.
تمت في إطار تظاهرات رسمية من قبل رئيس أثناء ممارسة مهامه.
وأكد أن لاحظت أن "نهايات المقاطع كانت عادة أكثر طبيعية، وقد فضلناها في دراستنا".
وأكد الخبير أنه: "توجد حتى اليوم حدود علمية وتكنولوجية تخص تقنيات وطرق الدراسة"، كما أن هناك "تحفظات لجزء من المجتمع العلمي حول هذا الموضوع، و توجد أيضا إمكانية للتفسير الاتهامي لخلاصاتنا".
وأشارت إلى أنها أخذت في الحسبان "الوضع الحالي لهذا الفن، كما أن وجدت إمكانية لإنجاز تحليلات مقارنة كانت كافية لتمكنهم من استنباط هذه الخلاصات".
ووفقا لمعايير المنظمة الدولية لتحديد الهوية – تقول الخبيرة الفرنسية – فإنه:
لدينا عدد كاف من الكلمات والأشكال اللغوية للمقارنة.
لا يبدو أن أصوات المتحاورين قد خضعت لتعديلات اصطناعية.
يبدو الاحتمال ضعيفا بأن تكون الأصوات قد جرى تنكيرها إراديا
لدينا وسائل فنية موثوقة: استيديو تسجيل ومختلف الوسائل الملائمة.
وسجل التقرير تفاصيل العمليات الفنية لإثبات نسبة الصوت لولد عبد العزيز، كما تضمن الأشكال الفنية، والصور اللازمة لتوضيح كل عمليات من عمليات الإثبات.
بداية القصة
يوم 28 مارس 2013 نشر موقع صحيفة السراج الإلكتروني تسجيلا للرئيس محمد ولد عبد العزيز وهو يفاوض من قدم نفسه بأنه رجل أعمال عراقي، وتقدم الحديث بينها ليصدر ولد عبد العزيز أوامر لمحاوره بإخراج مليونين من أحد الصناديق، وإعطائها لهم [دون تحديد منهم]، والتأكيد لهم أن لا حل إلا ذاك.
كما تداول الإعلام الموريتاني تسجيلات للوزير والمكلفة بمهمة في الرئاسة كمب با حول الموضوع ذاته، فضلا عن رصدها في إحدى رحلاتها الرسمية وهي تعود بصناديق ضخمة، قادمة من إحدى الدول الإفريقية، وقد تسببت ضخامتها – حسب الإعلاميين – في تأخير إقلاع الطائرة الرئاسية عن موعده.
تقسيط الاعتراف
بعد نشر التسجيلات بأكثر من أربعة أشهر نالت اعترافا جزئيا من الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، وذلك أثناء برنامج "لقاء الشعب" في مدينة النعمة أقصى الشرق الموريتاني.
فقد اعترف ولد عبد العزيز بأن الصوت الموجود في التسجيلات صوته، لكنه وصفها في الوقت ذاته بـ"المفبركة"، والساعية للإساءة له من خلال إخراجها عن سياقها.
وبعد عامين – ومع خروج نتائج تحقيق الخبيرة الفرنسية – عاد ولد عبد العزيز مجددا ليعزز اعترافه بمزيد من التفاصيل، متحدثا عن تعرضه لعملية احتيال – وصفها بأنه شائعة في موريتانيا وفي غيرها – من خلال محاولة من قدم نفسه بأنه ضابط عراقي يرغب في مساعدته للوصول إلى موريتانيا، وتدريس أبنائه الصغار في بلد مسلم.
واتهم ولد عبد العزيز رجل الأعمال محمد ولد بو عماتو – دون أن يسمه – بالوقوف وراء التحقيق، كما اتهم الصحفي الفرنسي نيكولا بو بتشويشه دون سبب وجيه.
ولم يتوقف ولد عبد العزيز في تعليق على الموضوع مساء 05 – 05 – 2015 مع الطريقة التي ربط بها رجل الأعمال العراقي المفترض الاتصال به، ولا طبيعة العلاقة التي ربطتهما، خصوصا وأن ولد عبد العزيز حينها كان يقود كتيبة الحرس الرئاسي البعيدة عن المجال المباشر للاستثمارات.
كما لم يفصح ولد عبد العزيز عن نهايات القصة، وما إذا كانت توقفت عند موضوع الاتصال أم تعدته، وإن أكد في حديثه – نصا - أنه "لم يستفد شيئا منها، وإذا كان استفاده فذاك أمر لا يعني المعارضة".
كمبا والمهام المتعددة
وزيرة الشباب والرياضة الحالية والمكلفة بمهمة في الرئاسة سابقا كمب با ارتبط اسمها بتسجيلات أكرا من خلال ورود صوت منسوب لها في أحد التسجيلات، كما ارتبط اسمها بصناديق حملتها من إحدى الدول الإفريقية إلى انواكشوط أثناء مرافقتها لولد عبد العزيز بعد توليه الرئاسة.
وأحالت التسجيلات إلى دور بارز لكمب با في العملية التي وصفها الرئيس "بالاحتيالية"،
سؤال علاقة ولد عبد العزيز وكمب با – والتي ستتعزز لاحقا بعد توليه الحكم – ظلت عالقة دون جواب، خصوصا وأنه خلال الفترة التي تمت فيها التسجيلات كان يقود كتيبة عسكرية تتولى تأمين القصر الرئاسي، وهي الكتيبة التي عرفت تطورا كبيرا في قيادته بعد المحاولة الانقلابية التي قادها صالح ولد حننا في العام 2003.
أدلة قاطعة
النائب البرلماني السابق ورئيس لجنة التحقيق التي شكلتها المعارضة لتقصي حقيقة التسجيلات محمد المصطفى ولد بدر الدين قال في تصريحات لصحيفة الأخبار إنفو إن يعتبر أن "الاعترافات التي أدلى بها ولد عبد العزيز حول تسجيلات أكرا مهمة في حد ذاتها، لأنها تؤكد محادثة الرئيس مع المدعو علاوي"، مردفا أن "هذه الاعترافات ناقصة لكون المحتوى الذي أعطاه لها بعيد عن المحتوى الموجود في التسجيلات التي حصلنا عليها". يقول بدر الدين.
وأضاف ولد بدر الدين: "أما الملاحظة الثانية فهي أن لجنة تقصي الحقائق - التي نفى وجودها - هي التي تعاملت مع منظمة "شاربا" التي تعاملت بدورها مع الدكتورة كلوديت فييل الخبيرة في علم الأصوات والمعتمدة لدى عدة محاكم فرنسية، ولدى إحدى منظمات الأمم المتحدة".
وأكد ولد بدر الدين أن لجنة تقصي الحقائق هي "التي زودت الخبيرة بالمواد الضرورية للقيام بمهمتها، والمواد هي:
الشريط الصوتي للرئيس.
ونسخ وفيُّ لهذا الشريط باللغة التي أنجز بها.
وترجمة وفية لهذا الشريط باللغة العربية الفصحى، وباللغة الفرنسية.
هذا بالإضافة إلى طائفة من الأشرطة الصوتية للسيد الرئيس في مناسبات ومواقف مختلفة، وبعد معالجة دقيقة لكل هذه المواد استطاعت الخبيرة أن تتوصل إلى أن هذا الصوت هو صوت الرئيس محمد ولد عبد العزيز بنسبة: 93% وهذا ما ضمنته تقريرها الذي لم يعد يرقى إليه الشك". حسب القيادي في حزب اتحاد قوى التقدم.
وكان النائب البرلماني السابق ورئيس لجنة التحقيق التي شكلتها المعارضة لتقصي حقيقة التسجيلات محمد المصطفى ولد بدر الدين قد قال في تصريحات للأخبار إن لجنته توصلت إلى أدلة قطعية تثبت صحة نسبة تسجيلات أكرا لولد عبد العزيز، وذلك يومان قبل اعتراف ولد عبد العزيز بها في مؤتمره الصحفي.
وطالب ولد بدر الدين الرئيس الموريتاني بكشف حقيقة التسجيلات للرأي العام بعد أن تأكدت نسبتها إليه، معتبرا أن من حق الرأي العام أن يعرف ما الذي كان يدور في تلك الفترة، وتفاصيل الملف الذي كان يجري نقاشه حينها، وتم الحديث خلاله عن صناديق ومبالغ مالية، وعصابات.
نهاية المزايدات
أما النائب البرلماني عن حزب الاتحاد من أجل الجمهورية وعضو الفريق البرلماني للحكم الرشيد زيني ولد أحمد الهادي فاعتبر في تصريحات لصحيفة "الأخبار إنفو" أن الرئيس كان صريحا في مؤتمره الصحفي الأخير بشكل لم يدع مجالا للمزايدات السياسية، حيث أوضح للرأي العام أن القضية المثارة تتعلق بمحاولة احتيال قام بها شخص أجنبي.
وأضاف ولد أحمد الهادي أننا الآن نعيش في ظل عولمة جارفة حولت الكون الفسيح إلى قرية واحدة، وبالتالي صار من السهل أن يتعرض أي شخص وفي أي لحظة لمحاولة احتيال وبأساليب ماكرة، غير أن هذه المحاولة لم تتسبب في إلحاق الضرر بسمعة البلاد ولا بأمنها أو اقتصادها وهو ما يجعل من تركيز بعض المعارضين عليها من حين لآخر أمرا غير مفهوم.
وبخصوص ما حمله التقرير الذي توصل به الفريق البرلماني المكلف من طرف المعارضة بالتحقيق في صحة التسجيلات اعتبر ولد أحمد الهادي أنه تقرير لا يحمل أي قيمة خبرية ما دامت الجهة التي تولت التحقيق فيه غير معروفة لدى الرأي العام في موريتانيا أولا، وغير مشهود لها بالكفاءة والنزاهة والحياد ثانيا، وهو ما يجعل أي شيء صادر عنها لا يضفي مصداقية على الموضوع.
واستغرب ولد أحمد الهادي توظيف بعض السياسيين الوطنيين لما وصفها بــ"افتراءات" كتبها صحفيون أجانب عن موريتانيا رغم أنهم لا يعرفون موقعها على الخريطة ثم حاول البعض استغلالها داخليا لأغراض سياسية لا تخدم الوطن ولا المواطن ضاربا المثال بقضية الإرهاب التي حاولت أطراف معروفة إلصاقها بقرية معط مولانه، واتهام الدولة بتنفيذ حد قطع اليد على مئات ممن أدينوا بالسرقة بهدف تقديم صورة قاتمة للعالم عن ممارسات نظام الحكم في البلاد وتشويه سكان قرية بأكملها، داعيا السياسيين إلى مراعاة الولاء للوطن ومصلحته بدل الانغماس في دعايات تصدر من أطراف مشبوهة ولا تكن للوطن أي ود.
الاخبار انفو