أعربت الحكومة الموريتانية، أمس الجمعة، عن بالغ استيائها للرسالة التي وجهها تحالف المعارضة الديمقراطية الموريتانية إلى سفراء الدول الغربية المعتمدين في نواكشوط وطالب فيها الدول الغربية بالتدخل «لرفع المتابعة القضائية المفروضة على رجل الأعمال المعارض محمد ولد بوعماتو حتى يتمكن من القدوم إلى موريتانيا لاستكمال إجراءات ترشحه للانتخابات الرئاسية المرتقبة».
وأكد سيدنا عالي ولد محمد خونا، وزير الوظيفة العمومية الناطق باسم الحكومة الموريتانية وكالة، «أن الحكومة تهتم أكثر بشفاعة المواطنين الموريتانيين مهما كانت طبيعة اختلافها السياسي معهم، أكثر من اهتمامها بشفاعة الأجانب مهما بلغ حسن العلاقات معهم».
وقال: «ماذا يضر المعارضة الموريتانية لو اتصلت بإخوتها في الحكومة وناقشت معهم القضية دون اللجوء إلى طلب الشفاعة من الأجانب».
السفارات لا تستطيع التدخل
وأكد الوزير «أن موريتانيا دولة مستقلة لا تتدخل في شؤون الغير ولا تقبل من الغير التدخل في شؤونها وهي تحافظ على علاقاتها مع باقي الدول في إطار المصالح المشتركة دون تدخل أي طرف في القضايا الداخلية للطرف الآخر».
وقال: «السفارات الأجنبية في نواكشوط أدرى بما يمكن طرحه من قضايا، فهي تعلم حق العلم أنه ليس بإمكانها طرح موضوع رسالة المعارضة على الحكومة مطلقاً».
ويأتي تعبير الحكومة عن هذا الاستياء بعد أن توصل سفراء الاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والولايات المتحدة، يوم الخميس، برسالة معممة وقعها قادة حزب اتحاد التقدم، وتكتل القوى الديموقراطية، والتجمع الوطني للإصلاح (الإسلاميون)، وحزب اللقاء الديمقراطية، وحزب المستقبل، والحزب الموريتاني للتغيير والوحدة، وحركة التغيير الديمقراطي، وقطب الشخصيات المستقلة في المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة.
والتمس قادة المعارضة الموريتانية لدى السفراء المذكورين «التدخل للسماح لرجل الأعمال المعارض محمد ولد بوعماتو بالدخول آمناً من الاعتقال، إلى موريتانيا لاستكمال إجراءات ترشحه للرئاسة».
وأضافت: «إن وجودنا لمرشح موحد سيمكننا من الدفاع بصورة أفضل عن القيم الديمقراطية ومن تعبئة الرأي العام الوطني حول رهانات الانتخابات الرئاسية المقبلة، في وقت يستعد فيه مرشح الأغلبية الحاكمة للترشح معتمداً على وسائل الدولة في حملته السياسية».
«الملاحقة القضائية تمنع بوعماتو من القدوم
«ومن بين أبرز المرشحين، تضيف المعارضة، رجل الأعمال المحسن والمنفق محمد ولد بوعماتو الذي يلزمه الحضور أمام اللجنة المكلفة باختيار المرشح الموحد للمعارضة، لكن المتابعات القضائية المفروضة عليه تمنعه من القدوم إلى موريتانيا بسبب الخشية من تعرضه للاعتقال من طرف السلطات الموريتانية». وتابعت المعارضة في رسالتها للسفراء الغربيين: «كما تعلمون فإن المتابعات القضائية المفروضة على محمد بوعماتو متابعات سياسية كلها بل إنها إجراءات انتقامية تقررت ضده بسبب تأييده للمعارضة ولحقوق الإنسان ولدولة القانون».
انتقادات دولية
«لقد انتقدت هيئات دولية عدة، تضيف الرسالة، بينها الشرطة الدولية «انتربول» ومجموعة العمل المضادة للاعتقال التعسفي التابعة لمفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان هذه المتابعات وامتنعت «الأنتربول» من تنفيذ مذكرة الاعتقال الدولية الصادرة ضد بوعماتو لكونها «مذكرة سياسية».
«إننا نأمل لديكم، تضيف الرسالة الموجهة للسفراء، القيام بجميع ما يمكن حتى لا تمنع المتابعات القضائية الصادرة، ضد السيد بوعماتو من المثول أمام لجنة اختيار المرشح الموحد التابعة للمعارضة».
وذهبت صحيفة «تقدمي» الآنية المعارضة، في تعليق لها على هذه القضية، إلى «أن ولد بوعماتو ليس جاداً البتة في الترشح للرئاسيات المقبلة، ولا يهمه من هذا الترشح الشائعة غير ربط ملفه الجنائي بمعارضته السياسية، للاحتياط لأي إجراء آخر قد تقدم عليه موريتانيا لاستجلابه».
وأضافت: «ليس بوعماتو مرشحاً جاداً، وإنما مجرد مناور، غير أنها مناورة لا تخدم المعارضة ولا مشروع التغيير، فقد ميّعته وفتت في أعضاد الحالمين به، حيث أظهر المعارضة متخبطة ومناورة وغير جادة في تحقيق مطلب التغيير».
وتابعت الصحيفة: «في إطار مناورة لربط ملف ولد بوعماتو، الذي يريده النظام ملفاً جنائياً، بمعارضة الرجل ومواقفه السياسية تم الدفع باسم ولد بوعماتو ليضاف للائحة مرشحي المعارضة، غير أن شروط “إعلان المبادئ” الذي اتفقت عليه المعارضة بخصوص التشريحات أقصاه من اللائحة».
وفي وقت يسعى فيه نظام ولد عبد العزيز مرة ثانية لاستجلاب ولد بوعماتو الذي يخشون من تمويله لمرشح المعارضة الموّحد، حيث يعتقدون أن توقيفه في هذه الظروف سيقطع الحبل السريري لجنين التغيير الذي يتمخض، فالأزمة الفعلية التي تعانيها المعارضة هي نقص الموارد، لهذا تم بنصيحة مستشارين لرجل الأعمال إفشاء ونشر خبر عن “نية ولد بوعماتو الترشح لرئاسيات 2019″، وذلك عبر قنوات لها علاقة ببوعماتو، مثل صحيفة “موند آفريك”، التي تحدثت غير قاطعة عن “ترشيح محتمل”، رغم أنه من المفروض أن تكون معلوماتها عن أحد ملاّكها قطعية لا تردد فيها. وأكدت «تقدمي» أن «ترشح ولد بوعماتو تعترضه عراقيل واقعية كثيرة، منها استبعاد حضوره الشخصي لموريتانيا لدفع ملف الترشح، كما يمليه القانون الموريتاني، حيث لن يتردد نظام يصدر في حقه مذكرات التوقيف الدولية من اعتقاله فورَ وصوله المطار، وكذلك استبعاد منحه شهادة تبريز وهو المطلوب للعدالة الموريتانية، مع صعوبة تسويقه في مجتمع موريتاني تتنافس فيه العشائر، بعد رئيسين متتاليين من أبناء عمومته، ثم إنه من المتعذر التفكير في أن ولد عبد العزيز سيتفرج على ألدّ أعدائه وأوغرهم صدراً عليه وهو يصل للسلطة». فهل يعقل ألا يدرك ولد بوعماتو هذه تلك الحقائق؟
يذكر أن محمد ولد بوعماتو رجل أعمال موريتاني، وطيد العلاقة بالأنظمة الموريتانية المتعاقبة، وحظي بامتيازات خاصة خلال نظام الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع، وكان أحد أهم داعمي الانقلاب على الرئيس الموريتاني المنتخب سيدي ولد الشيخ عبد الله، غير أن علاقاته مع ولد عبد العزيز شهدت توتراً كبيراً في السنوات الأولى من حكمه.
وانتقل بعد أن ساءت علاقته بالرئيس ولد عبد العزيز للإقامة في مراكش، وبدأ يعارض النظام في موريتانيا معارضة بدأت محتشمة، ثم تسارعت وتيرتها عاماً بعد عام، إلى أن حدثت نازلة رفض مجلس الشيوخ الموريتاني للتعديلات الدستورية المقترحة من طرف نظام ولد عبد العزيز، حيث صرّح محمد ولد غده، السيناتور المقرب من ولد بوعماتو، خلال جلسة مع المدونين «أن ولد بوعماتو كان موجوداً بقوة خلف رفض الشيوخ للتعديلات الدستورية».
ومن هنا بدأ نظام الرئيس ولد عبد العزيز يبحث عن خيوط لتوريط ولد بوعماتو، وهو ما حصل بعد تسريب رسائل صوتية للسيناتور المعارض محمد ولد غده المقرب من بوعماتو، فقد اتخذت منها الدولة دليلاً على الاتهام الذي وجهته لولد بوعماتو بـ “رشوة الشيوخ”، ومن هنا استصدر القضاء الموريتاني مذكرة توقيف دولية في حق ولد بوعماتو وبعض المقربين منه، كما تم الضغط على حكومة الرباط لإبعاده عن المغرب.
وقد انتصر ولد بوعماتو على نظام ولد عبد العزيز في إحدى جولاته حين أبطلت «الأنتربول» مفعول مذكرة التوقيف الدولية في حقه، مؤكدة عدم مصداقيتها، بسبب خلفيتها السياسية، لكن ولد عبد العزيز حقق هو الآخر انتصاراً كبيراً في هذه المعركة عندما قررت الحكومة المغربية منع خصمه بوعماتو من الإقامة في الأراضي المغربية.
عبد الله مولود- نواكشوط ـ «القدس العربي»