دخلت واجهات موقع التواصل الاجتماعي الأكثر انتشارا في فيسبوك في حملة رئاسية مبكرة قبل قرابة ثلاثة أشهر من الموعد المحدد لافتتاح الحملة بشكل رسمي، وظهرت صفحات ممولة على واجهات الموقع لدى المتصفحين من موريتانيا تسعى لضمان الولاء للمرشحين الذي برزت أسمائهم في السباق الرئاسي.
ومن أبرز الأسماء التي ظهرت صفحات داعمة لها على فيسبوك المرشح محمد ولد الغزواني، ومولاي ولد محمد الأغظف، وسيدي محمد ولد ببكر، ونور الدين محمدو، ومحمد الأمين ولد المرتجى، والفنان التشكيلي خالد ولد مولاي إدريس.
صفحات فيسبوك تظهر مزايا المرشحين الذي دخول السباق الرئاسي عمليا، أو يتم تداول أسمائهم باعتبار مرشحين لدخول السباق الرئاسي نحو القصر الرئاسي، في تجربة تناوب سلمي على عبر صناديق الاقتراع تنتظرها البلاد لأول مرة في تاريخها.
وركزت الصفحات المتكاثرة في فيسبوك على نشر صور المرشحين ولقاءاتهم، إضافة للحديث عن ما يرونها إنجازات تبرر اختيارهم لقيادة البلاد، وكان فيسبوك أول المستفيدين من هذه المجموعات حيث حصل على مئات الدولارات عبر تمويلها وتوجيهها للجمهور الموريتاني.
وكان المجموعات الداعمة للمرشح محمد ولد الغزواني هي الأكثر في فضاء فيسبوك، حيث وصل عددها العشرات، وتراوحت بين حمل عناوين عامة، أو الحديث عن دعم مبادرات أو مجموعات محددة لترشيحه، وكذا وصفه بأنه مرشح الإجماع الوطني، واستمرار النهج، وتلاه المرشح سيدي محمد ولد ببكر والتي تراوحت المجموعات الداعمة له عبر حمل عناوين بأنه مرشح المرحلة، أو الأمل، وكذا الحديث عن دعم الشباب له.
كما ظهرت مجموعات داعمة لترشيح الوزير الأول السابق مولاي ولد محمد الأغظف، فيما لم تتجاوز نشاطات بقية المتسابقين صفحاتهم الشخصية، أو صفحات هيئات سياسية مرتبطة بهم.
كما عرفت صفحات المدونين الموريتانيين تنظيم العديد من الاستطلاعات حول حظوظ المرشحين، وكانت محل تفاعل كبير.
مساحات إعلانية
الإعلامي والباحث عبيد ولد إميجين رأى أن "المعركة الدائرة حاليا بين الموالاة والمعارضات لا ترتبط بالخيارات والبرامج بقدر ما تخاض على كسب هذه وسائل التواصل الاجتماعي وتغذيتها من قبل مدوني الطرفين المتصارعين".
وأردف ولد إميجين في تصريح للأخبار أنه "تأكيدا لهذا المسعى، سارع المرشحون المحتملون إلى احتلال مساحات إعلانية وترويجية"، معتبرا أن ذلك "يظهر ان المعركة تخاض من أجل كسب ولاء قادة رأي افتراضيين في المقام الأول وليس الجماهير التي لا تزال ولاءاتها مقيدة بالمجتمع التقليدي".
وأشار ولد إميجين إلى أنه "منذ الثورة البرتقالية في أوكرانيا 2009 والربيع العربي 2011، اكتشفت الشعوب أهمية مواقع التواصل الاجتماعي في مجال التعبئة والتحشيد، وهو الوعي الذي بات يزعج الأنظمة، لكنه أيضا موضع اهتمام متزايد من قبل القادة السياسيين وخاصة في موريتانيا".
الإعلامي عبيد إميجين
أثر لا ينكر
الباحث في الفلسفة وعلم الاجتماع الدكتور سيدينا سيداتي أكد أن لمواقع التواصل الاجتماعي في موريتانيا "أثر لا ينكر"، مردفا أنها "أتاحت فرصا وإمكانات قابلة للتوظيف في كل الاتجاهات السلبية والإيجابية".
الباحث في الفلسفة وعلم الاجتماع الدكتور سيدينا سيداتي
ورأى الدكتور سيدينا سيداتي في حديث مع الأخبار أن وسائل التواصل الاجتماعي كست "كسرت عمودية التلقي"، مذكرا بأن "المجتمع الموريتاني مجتمع تراتبي عمودي إلى حد كبير على كافة المستويات: المعرفية والسياسية والاجتماعية. الطالب يتلقى عن شيخه وأستاذه بتسليم كبير، والساسة عن الرئيس، والقبيلة عن زعيمها، ولابن عن أبيه إلى غير ذلك، فجاءت مواقع التواصل الاجتماعي لتكسر عمودية التلقي".
وأضاف أن من هذه تأثيرات مواقع التواصل الاجتماعي "فوضى التحليل، فمواقع التواصل الاجتماعي فتحت الباب واسعا لأنواع التحليل السياسي والاقتصادي والاجتماعي وكذلك أصناف المحللين، الأمر الذي ترك أثرا كبير على المصداقية وعلى ثقة المتلقي الجمعي، كما أدى لإرباك الفضاء العمومي بالشائعات التي ليس لها أساس معرفي ولا سند واقعي".
أما التأثير الثالث لمواقع التواصل – يضيف الباحث في الفلسفة وعلم الاجتماع – فهو "الوعي الواهم، أو ما يمكن أن نسميه "عدم الوعي المركب" على غرار الجهل المركب، وهو ناتج عن تداول المعلومات المغلوطة والناقصة، فنبني وعيا زائفا وتصورات وهمية ونسوقها للمجتمع على أنهاه حقائق فيما ينتشر في المجتمع "عدم الوعي المركب".
فيما رأى الباحث سيدينا سيداتي أن الأثر الرابع الذي تتركه مواقع التواصل الاجتماعي هو خلق "شخصيات عامة عاجزة لا تملك المؤهلات الضرورية، فأصبحت تتحدث في كل شيء وتقيم كل الظواهر والحوادث، ويطلب منها الحديث وتدعى حتى للندوات العلمية دون أي زاد من العلم أو التجربة سوى الكتابة على منصات التواصل الاجتماعي، الأمر الذي سيكون له آثارا ضارة على المجتمع".
وعن تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على سلوك الناخب الموريتاني بشكل خاص، قال سيدينا سيداتي إن العام 2008 كان بداية إقبال الموريتانيين على الفيسبوك، ومنذ لك الوقت عددهم يتزايد بشكل كبير.. معتبرا أنه لم يظهر دور منصات التواصل الاجتماعي بشكل واضح في النقاش العمومي إلا ابتداء من 2011، فوظفت في الترويج السياسي والدعاية الحزبية، خاصة في الانتخابات الأخيرة.
عقبات التأثير
وأكد سيدينا سيداتي أنه لا يتصور أن يكون لمواقع التواصل الاجتماعي كبير على سلوك الناخبين، مرجعا ذلك إلى "انتشار الأمية بين المواطنين وضعف الوعي لدى الناخبين بصفة خاصة، ومحدودية التعاطي مع مواقع التواصل الاجتماعي وعدم انشار الانترنت، وتأثير الزعامات السياسي والتقليدية على توجهات الناخبين".
وختم سيدينا سيداتي حديثه للأخبار بقوله: "ومع ذلك فإن المنصات الاجتماعية سيكون لها أثر في توجهات الناخبين الشباب، وخاصة في المدن الكبيرة ونواكشوط على وجه التحديد، لأن أغلب الذين يتعاملون مع منصات التواصل الاجتماعي من فئة الشباب، كما أنها كسرت هيمنة الاعلام الحكومي والتقليدي على الدعاية الانتخابية، وأتاحت فرصة التفاعل مع المرشحين والتعليق على البرامج الانتخابية".