نظم نشطاء حقوق الإنسان في كل من موريتانيا والسنغال، أمس، أمام سفارات مالي في نواكشوط وداكار، وقفات احتجاج وتضامن واسعة النطاق مع مجموعة «الفلان» المالية ذات الأصول العربية التي تعرضت مؤخراً لمجزرة فظيعة قضت على العشرات من سكان قرية «أوغوسابو» المسالمة.
وأصدرت أحزاب معارضة موريتانية وسنغالية بيانات تنديد بهذه المذبحة داعية لمحاسبة مقترفيها، ومؤكدة في نفس الوقت، على ضرورة توفير الحماية الكاملة لمجموعة «الفلان».
وحول المدونون صورهم الشخصية إلى صور تضامنية مع هذه المجموعة، كما نشروا شعارات تضامنية من قبيل «أوقفوا إبادة الفلان»، و»أنا فلاني».
وحمل موقع «مالي أكتو» المالي المستقل، حكومة باماكو «المسؤولية الكاملة عن مجزرة أوغوسابو»، مؤكداً «أن إقالة قادة عسكريين ليس كافياً في معالجة آثار هذه الفاجعة لأنه مجرد إطفاء للحريق بالبصاق».
وأضاف: «لا بد من أن تبذل الحكومة المالية أقصى الجهد لاعتقال المسؤولين عن ارتكاب المذبحة وتعريضهم لأقسى العقوبات المنصوصة في القوانين الوطنية والدولية، فلو وقعت هذه الجريمة في مكان آخر لكان العالم منشغلاً بها».
وتابع الموقع تعليقه على الحادثة: «ألا ترون أن عدد موتى مجزرة اكريستشيورش في نيوزيلندا لا يتجاوز ثلث العدد الذي قتل في مالي، فهل من المعقول أن يتخفى العالم وراء «مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول» ليهمل بقلوب جامدة هذه المأساة الإنسانية الكبرى؟».
«فما دام العالم متفقاً، يضيف الموقع الإخباري، على فشل السياسات الأمنية في جمهورية مالي، فإن عليه أن يتدخل، لأن قضايا كريست تشيرتش وشارلي إيبدو ومجازر بوكوحرام، كلها قضايا إنسانية تجب معاملتها بالمستوى نفسه، فهي كلها قضايا داخلية تخص الدول التي وقعت فيها، لكن التعامل معها كان مختلفاً اختلافاً يدعو للخجل».
ولفتت هذه الفاجعة الأنظار إلى مجموعة الفلان، وبدأ العالم يبحث عن تاريخ هذه المجموعة وعن واقعها وكأنها تعيش في كوكب آخر.
ويبلغ تعداد أفراد مجموعة الفلان أربعين مليون نسمة موزعين بين عشر دول ساحلية إفريقية، فعددهم يبلغ 17 مليون نسمة في نيجريا، و4.6 مليون في غينيا، و3.5 مليون في مالي، و3 مليون في الكمرون، و3.5 مليون في السنغال، وللمجموعة وجودها الأقل من ذلك في موريتانيا والتشاد والنيجر ووسط إفريقيا.
ومنذ قرون طويلة دأبت مجموعة الفلان المتخصصة في تنمية الأبقار على انتجاع المراعي في منطقة تمتد من شواطئ السنغال إلى تخوم دارفور في السودان.
ولا يهتم رعاة الفلان بحدود الدول في تتبعهم لقطعان الأبقار التي يقدسون رعايتها ويعتمدون عليها في حياتهم، وهو ما يفسر النزاعات المشتعلة بينهم بشكل مستمر مع سكان القرى المتحضرة ومع المزارعين.
ومن ضمن هذه النزاعات، أحداث 1989 الدامية بين موريتانيا والسنغال التي أشعلها نزاع بين رعاة ومزارعين في منطقة كيدماغه الواقعة بالجنوب الشرقي الموريتاني.
وفي الإطار تندرج أسباب مجزرة أوغوسابو التي قتل فيها، السبت الماضي، أكثر من 150 من مجموعة الفلان المالية.
وتؤكد مجلة «عالم إفريقيا» في تعليق لها على المذبحة المذكورة «أن مجموعة الفلان كثيراً ما اتخذت كبش فداء، كما أن مناطقها الأساسية مثل مآسينا في مالي وفوتا تورو في السنغال وفوتا جالون في غينيا وسوكوتو في النيجر، مهملة من طرف الحكومات المركزية، فهي الأقل بين المناطق السكانية استفادة من البرامج التنموية المنفذة في هذه الدول. ولا توجد أية معلومات عن مجموعة الفلان لدى هيئات الأمم المتحدة التي تجهل الحقائق في المناطق العابرة للحدود». « كل هذا، تضيف المجلة، جعل شبان مجموعة الفلان يثورون على أوضاعهم ويضطرون للهجرة إلى مواقع أخرى غير أوطانهم الأصلية».
ومما يميز مجموعة الفلان تمسك أفرادها الشديد بالإسلام المعتدل المؤطر من مشايخ الطرق الصوفية والبعيد من الإسلام القائم على المذهب الوهابي القادم من الأراضي السعودية الذي تتبناه الحركات الجهادية المسلحة المنتشرة في منطقة الساحل الإفريقي.
وتؤكد التقارير التي تناولت مذبحة أوغوسابو «أن من أسباب هذه الحادثة البشعة عدم التفريق بين الفلانيين وإرهابيي الحركات المسلحة مثل تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي وحركة «موجاوو».
وتشير هذه التقارير في شرحها لأسباب الحادثة إلى «أن جيش مالي الذي تعود على محاربة الجهاديين المسلحين كثيراً ما وجد في مجموعة الفلان أهدافاً سهلة جعلت الفلان ضحايا لضعف الجيش المالي ولتخلف النظام الحاكم في باماكو». وترى مجلة «عالم إفريقيا» أن الوقت قد حان لإيلاء اهتمام أكبر لقضية الفلان الضائعة بين ركام الأزمات التي تنخر جسم دول الساحل الإفريقي، والتي يغطيها التركيز على محاربة الحركات الجهادية المسلحة».
وتؤكد المجلة «أن بعثة الأمم المتحدة في مالي لا يمكن أن تواصل تغاضيها عما وقع في قرية أوغوسابو المالية، حيث قتل أكثر من 160 شخصاً وجرح المئات، فإذا تواصل هذا الإهمال الدولي لواقع هذه المجموعة، فإن قضية الفلان ستتحول مع الزمن إلى معضلة كبرى معقدة لا تحمد عقباها».
القدس العربي