مع أن لدى مدوني موريتانيا ما يشغلهم من هموم وشؤون، فقد انشغلوا عن شأنهم المحلي ليتابعوا ثورة الشعب السوداني التي اقتلعت أخطبوط «الإنقاذ» بفروعه السياسية والعسكرية.
ويعود هذا الانشغال لأسباب عديدة، منها الروابط القوية القائمة بين الشعبين الموريتاني والسوداني منذ أقدم العصور، كما أن من ضمن هذه الأسباب التشابه بين النظامين اللذين يحكمان السودان وموريتانيا، وحلم الموريتانيين بالوصول لما وصل له الشعب السوداني من فرض للإرادة.
وتابع نشطاء التدوين في موريتانيا الحالمون بالتغيير، أمس، رصدهم لما جرى في السودان من انقلاب على البشير وانقلاب على عوضه عوض بن عوف، ومن توجه نحو تفاهم وطني لإرساء الاستقرار.
وكان حزب «الصواب» الذي يقوده بعثيو موريتانيا أبرز المهتمين المتابعين لثورة الشعب السوداني، حيث خصص افتتاحية صفحة للثورة السودانية. وتحت عنوان «هزيمة الغطرسة»، أكد حزب الصواب «أن المتابع لشأن القطر السوداني الشقيق يدرك منذ سنوات وجود قوة شعبية ديمقراطية وتقدمية تتنامى بشرياً وتنظيمياً وتراكم رمزية مؤثرة في البلاد، وتقوم في تحد صامت على تحالف القوى والشرائح والفئات الاجتماعية ذات المصلحة العاجلة في التغيير، وفِي مقدمتها الطبقة العاملة التي أخذت نواة قيادة الثورة من خلال خلفية الاسم الذي أطلقته على نفسها، وهو اتحاد
«لم تكن غالبية قوى دعم حكم الفرد والدكتاتورية في منطقتنا العربية، يضيف الحزب، تضع مسألة استقرار حكم البشير موضع شك، ولَم يجادل أغلب التحليلات المتواطئة في الأولويات التي كان يتمتع بها هذا الحاكم في النظام الرسمي العربي المتضامن في غيه، والمستمر في تدميره للأوطان واستباحتها، حتى بعد أن بدأت لحظات الخطر تتواتر وتضع سلطته القمعية أمام الامتحان الأصعب وهو إطلاق الذخيرة الحية على جموع المتظاهرين وزيادة الأفعال التي تفجر سخط السودانيين ونقمتهم عليه».
وأضاف حزب الصواب: «الآن وبعد أن أزاح الشعب السوداني كابوس الدكتاتورية ورفض خدع وحيل المحيطين بها وفلولها، تحتاج ثورته للتحصين بأفعال سياسية وتاريخية كبرى ليحصد ثمار انتفاضته المباركة، وتلك الأفعال يحتاج تحققها إلى قيادات لها نصيب من الكفاءة والأهلية والواقعية والتبصر، والإنصات، والحذر، تحظى بالتقدير والثقة المستحقة وغير المزيفة التي أجهضت أحلاماً وثورات عديدة وحطمت آمال شعوب كثيرة في بلادنا العربية، ولا نأمل أن يكون الشعب السوداني مثلها، وهو الذي يرنو إلى ثورته أشقاء كثر يَرَوْن فيها المثال والنموذج ومنهجاً للاحتذاء، بعد ثورات الظلام والهشيم والدماء والحرب الأهلية وتشريع الاحتلال ونهب الخيرات وقتل الإنسان بدل تحريره».
وكتب الإعلامي والسياسي البارز، حسن مولاي اعل، الأمير الأسبق لجماعة الإخوان المسلمين في موريتانيا، مدوناً عن ثورة السودان، بقوله: «عصابة اللصوص في السودان تطيح برأسها لتسرق انتفاضة الشعب، وتلتف على أهدافها.. لكن هيهات.. فالثورة مستمرة حتى تجتث العصابة».
ودون الإعلامي البارز، هيبة الشيخ سيداتي، كاتباً: «هناك أمل وألم، أما الأمل فيتمثل في تساقط الطغاة أمام ضغط الشعوب، وأما الألم فهو أن الأمور في بلدان الثورات تؤول دائماً إلى المؤسسات التي صنعت الاستبداد وكرست الطغيان».
ودون الباحث، سيدي أعمر شيخنا، هو الآخر قائلاً: «ما يجري في السودان والجزائر سيترك تأثيراً مفزعاً على التسلطية المحلية وأنصارها ممن يبنون مواقفهم على أوهام القوة وأساطير البقاء».
وخصص الدكتور عبد السلام حرمة تدوينات عدة لثورة السودان كان آخرها تأكيده «بأن الشعب السوداني يقترب من تحقيق حلم ثورته الشعبية التي حصنها بتضحياته ومطاولته للاستبداد وحكم الفرد بعيداً عن كل تدخل خارجي وبعيداً عن كل استخدام للسلاح والعنف، رغم دمائه المراقة وعشرات الشهداء الذين سقطوا في مواكب العز والتعلق بالحرية والعيش الكريم ورفض الخنوع والهوان، فهنيئاً له، ونرجو أن تكون ثورته بداية طريق شعوبنا العربية إلى الحرية بعيداً عن الظلم والتخلف والأنظمة المنخورة الحارسة لهما المسندة بقمعية الأيديولوجيا الفردية وفلسفة الحزب الحاكم وطغيان العائلات المستبدة والعميلة التي لوثت حياة أمتنا وأحاطتها بالظلام وأبقتنا في مواجهة الخراب من بداية القرن الماضي إلى الآن» .
وفي عمق القضية السودانية، كتب الإعلامي أحمدو الوديعة، القيادي في حزب التجمع (المحسوب على الإخوان)، مؤكداً «أن الثورة في تونس قامت ضد بن علي (علماني متطرف)، وامتدت سريعاً لمبارك (ليبيرالي متصهين)، ووصلت فوارة وبلا هوادة للقذافي، وبشار، وعبد الله صالح (قوميون طائفيون، عشائريون متعصبون)».
«وبعد سنوات من العراك الثوري بين الثورة والثورة المضادة، يضيف الوديعة: «ها هي نسختها الثانية تندلع ضد البشير (إسلامي متدين) وبوتفليقة (وطني مقاوم)، والحبل على الجرار».
وأضاف: «المشترك بين من قامت ضدهم الثورات هو الاستبداد والفساد والفشل في فتح أبواب تداول سلمي للسلطة أمام شعوبهم، والمشترك بين الشعوب الثائرة في تونس وليبيا ومصر وسوريا والسودان وليبيا والجزائر هو أشواق الحرية والكرامة، والتطلع للحياة الكريمة؛ تلك هي الحقيقة الماثلة للعيان الجديرة بالتأمل من مناصري الأفكار والمدارس؛ فلم تجد العلمانية عن بن علي ولا القومية عن القذافي وبشار، ولا الإسلامية عن البشير ولا الوطنية والمقاومة عن بوتفليقة، ثم إن المنتفضين هنا وهناك وهنالك ليست الأفكار والمدارس والأيديولوجيا هي محركهم الرئيس، بل هي الحرية والحرية والحرية وبس، وكفى بالحرية محركاً وباعثاً لمن يريد أن يكون له فعل وتأثير ومشروع إصلاح وتغيير أياً تكن محمولاته ومشمولاته ومنطلقاته ووجهاته وتوجهاته».