تندفع الساحة السياسية الموريتانية نحو الانتخابات الرئاسية المقررة بعد شهرين من الآن، بينما لم تتفق الحكومة الحالية الداعمة لأحد المترشحين، مع المعارضة ومرشحيها، على آلية تجعل هذه الانتخابات شفافة ومقبولة النتائج لدى الجميع.
فلم ينبثق الحوار بين المعارضة والحكومة الذي تواصل في الأسابيع الماضية حول تشكيل لجنة الإشراف على الانتخابات، عن أي اتفاق وبقيت اللجنة على حالها مؤلفة من أطراف داعمة للمرشح محمد ولد الغزواني الذي يدعمه الرئيس الحالي وأنصاره وحكومته.
وتواصل المعارضة مشاوراتها الداخلية لتحديد موقفها من لجنة الإشراف، بينما يواصل تنظيم «من أجل موريتانيا» الذي تقف وراءه معارضة الخارج، تدريب عدد من نشطاء شباب المعارضة على الطرق الفنية لمراقبة الانتخابات.
وانتقد هذه التنظيم، على لسانه منسقه الوطني محمد الأمين الفاضل، «إهمال المعارضة للتحضير لضمان رقابة الانتخابات وفرض شفافيتها».
وتتميز الانتخابات القادمة بترشحات ذات طابع شرائحي، حيث يتوزع المترشحون الذين أكدوا تقدمهم للرئاسة حتى الآن، بين المجموعات العرقية الموريتانية: فقد ترشح حتى الآن خمسة من العرب هم: ولد الغزواني، وولد ببكر، وولد مولود، وولد داهي، وولد الوافي، وترشح بيرام ولد الداه وهو حقوقي منحدر من مجموعة الحراطين (إفريقية مستعربة)، كما رشحت الأحزاب التي يرأسها أفارقة زنوج وهي التحالف من أجل العدالة والديمقراطي، والحركة من أجل إعادة التأسيس، والقوى التقدمية للتغيير، النائب السابق كان حاميدو بابا.
وحظيت هذه الخطوة بدعم ومباركة حركات وهيئات شبابية مدافعة عن الأقليات العرقية أشهرها حركة «لا تلمس جنسيتي».
وحول أسباب هذا التوجه الشرائحي في الانتخابات، أكد القيادي الإسلامي الحسن ولد محمد، عمدة مقاطعة عرفات جنوب العاصمة، في تصريح لـ «القدس العربي» أمس، «أن الترشيح العرقي يمكن توظيفه توظيفاً إيجابياً، لكنه للأسف، قابل للتوظيف السلبي أيضاً».
وأضاف: «المرشحون إن قدموا أنفسهم صراحة كمرشحين لشرائح، وهو ما لم أعلم بوقوعه، فإن ذلك لا يجوز، أما إذا تقدموا كمواطنين فإن ذلك سيكون له انعكاس طبيعي نظراً لتنوع المجتمع».
وأكد الإعلامي البارز الحسن ولد مولاي علي، مدير إذاعة «التنوير»، في تصريح آخر لـ «القدس العربي»، أمس، «أن نذر الاصطفاف الشرائحي طاغية في هذه الانتخابات أكثر من أي مناسبة سابقة»، مضيفاً أن «القلق من هذه الظاهرة يجد مبرره في جروح التاريخ الحاضرة بقوة في الضمير العام، سواء تعلق الأمر بجروح ما اصطلح على تسميته بالغرم الإنساني في التسعينيات، أو تعلق بماضي الاستعباد الذي طال الشرائح الهشة قروناً، وترك ضحايا بمئات الآلاف يواجهون الفقر والجهل والمرض».
وقال: «صحيح ألا أحد من الأجيال الحاضرة مسؤول بشكل مباشر عن ظاهرة الاستعباد، ولكن الجهد المبذول رسمياً وشعبياً، يظل ناقصاً؛ ولتلافي الآثار الخطيرة لهذا الوضع المنذر بالأسوأ، فإن السلطة الحاكمة، ومن ورائها المجتمع كله، بكل تمايزاته، مدعوون إلى المبادرة باتخاذ التدابير الكفيلة بسل فتيله المنذر بالاشتعال».
وأكد الجنرال محمد الغزواني، مرشح الأغلبية الحاكمة حالياً، في مقابلة مع وكالة «مورينيوز» الإخبارية، أمس، أنه «يرفض تقسيم الشعب الموريتاني إلى أعراق وفئات»، مضيفاً أنه «أكد في خطاب ترشحه أنه سيعمل على تعزيز دولة المواطنة والقانون، مع إنصاف كل من يشعر بغبن أو تهميش حتى أجعله يفخر بانتمائه لهذا البلد».
وحول دور القوات المسلحة في الانتخابات المقبلة، قال: «ليس للقوات المسلحة مرشح، وإقحام اسمها في السباق الانتخابي إساءة إليها، ولا يخدم البلد، فالقوات المسلحة لنا كلنا، ودورها حماية الحوزة الترابية، وأمن البلد».
ونفى الجنرال غزواني أي مسؤولية له عن قرار الحكومة الرافض لإعادة تشكيل اللجنة المشرفة على الانتخابات، وقال: «لم أُشَكِّلْ مطلقاً أي عائق أمام إعادة تشكيل اللجنة، بل إنه على العكس من ذلك، أرى ضرورة القيام بكل ما يخدم الشفافية التي أنا داعم لها وداع إليها، فهي تضمن لي إذا فزت أن يكون فوزي نظيفاً، وإذا فاز غيري أن أكون قادراً على أن أهنئه على فوز نظيف هو الآخر».
هذا واستدعى مرسوم رئاسي صدر أمس الأربعاء في نواكشوط، الناخبين الموريتانيين للإدلاء بأصواتهم لاختيار رئيس جديد للبلاد يوم 22 يونيو/حزيران المقبل ضمن شوط أول، على أن يعودوا يوم السادس تموز / يوليو المقبل إلى صناديق الاقتراع للتصويت، إذا استلزم الأمر شوطاً آخر في هذه الانتخابات.
ومع أن المعارضة الموريتانية تطالب بتصويت أفراد القوات المسلحة وقوات الأمن مع غيرهم من الناخبين المدنيين، فقد نص المرسوم على أنهم سيدلون بأصواتهم يوم الجمعة 21 حزيران / يونيو 2019 خلال الشوط الأول، وفي حالة شوط ثان فإنهم سيدلون بأصواتهم يوم الجمعة الخامس تموز / يوليو 2019.
وحدد المرسوم يوم الأربعاء الثامن مايو/أيار المقبل موعداً أخيراً لتقديم ملفات الترشح للانتخابات الرئاسية، حيث سينشر المجلس الدستوري القائمة المؤقتة للمترشحين يوم الخميس التاسع مايو المقبل، ليفسح المجال للاعتراضات يومي الجمعة والسبت 10 و11 أيار/ مايو المواليين، قبل أن يصدر مداولة نهائية بقائمة الناخبين.
وستتولى الحكومة، على أساس مداولة المجلس الدستوري، نشر القائمة النهائية للمترشحين في أجل أقصاه يوم 22 أيار / مايو 2019.
وستفتتح الحملة السياسية والدعائية الممهدة لهذه الانتخابات يوم الجمعة السابع يونيو/حزيران المقبل عند منتصف الليل، حسب ما نص عليه المرسوم، على أن تختتم يوم الخميس 20 حزيران / يونيو 2019 عند منتصف الليل.
القدس العربي