تلقى حزب تواصل في الفترة الأخيرة ثلاث صفعات قوية، إحداها جاءت من جهة معادية، والثانية جاءت من جهة لا يمكن وصفها بالمعادية تماما ولا بالصديقة تماما، أما الثالثة فقد جاءت من جهة خارج دائرة التوقع، ولذلك فيمكن تصنيفها بلغة أهل المعارك والحروب بأنها صفعة جاءت من كف صديق، بل أكثر من صديق، أي أنها نيران صديقة.
الصفعة الأولى جاءت من السلطة الحاكمة وهي صفعة طبيعية جدا، فليس من الغريب إطلاقا في بلاد كبلدنا أن توجه السلطة الحاكمة صفعة موجعة لحزب معارض. إن من أهم نقاط القوة التي يمتلكها حزب تواصل، أو على الأصح التي ينفرد بها عن كل الأحزاب الأخرى، هي أنه تحسب عليه جمعيات ومنظمات فاعلة تؤدي خدمات جليلة للمواطنين، وخاصة الفقراء منهم. هذه الجمعيات والمنظمات قد تعرضت في الفترة الأخيرة ل"مجزرة" كبيرة أدت في النهاية إلى إغلاق العديد منها كجمعية المستقبل، ومركز تكوين العلماء، وجامعة عبد الله بن ياسين، وجمعية الخير، وجمعية الإصلاح، وجمعية يدا بيد...
إنه من الطبيعي جدا أن يُقدم النظام على إغلاق جمعيات تحسب على حزب معارض دون تقديم أي مبرر مقنع لعملية الإغلاق تلك، وإذا كان هناك من شيئ غير طبيعي في هذه المجزرة البشعة ضد الجمعيات المحسوبة على حزب تواصل، فسيتعلق بمستوى بشاعة المجزرة وتوقيتها، فأن تغلق كل هذه الجمعيات دفعة واحدة، أو في فترات متقاربة جدا، فإن مثل ذلك سيخرج هذا الفعل من دائرة "الظلم الطبيعي" الذي تعودت الأنظمة الحاكمة أن تمارسه ضد الأحزاب المعارضة إلى دائرة "الظلم غير الطبيعي".
أما الصفعة الثانية فقد جاءت من بعض الكتاب والمدونين المستقلين أو المحسوبين على المعارضة، وهي صفعة متفهمة جدا. لقد كان من الطبيعي جدا أن تكون هناك ردود فعل قوية على موقف حزب تواصل المتمثل في دعم مرشح من خارج الفسطاط المعارض ويحسب على الأنظمة السابقة. أن ينتقد مدون مستقل أو معارض قرار تواصل بدعم مرشح محسوب على الأنظمة السابقة، فإن ذلك سيبقى من الأمور المتفهمة جدا، ما لم يتجاوز مستوى النقد حدا معينا، أي ما دام لم يصل إلى درجة التخوين، وقد وصل إلى ذلك في بعض الحالات. إن قرار دعم هذا المرشح أو ذاك هو مجرد قرار انتخابي وسياسي يدخل ضمن دائرة الاجتهاد السياسي، ولذلك فإنه يحق لأي كان أن ينتقد قرار هذا الحزب أو ذاك عند دعمه لهذا المرشح أو ذاك، ما لم يصل مستوى النقد إلى درجة التخوين، لأنه من غير المنصف أن نتهم حزب تواصل بخيانة المعارضة والتمالؤ ضد مصالحها، وهو في نفس الوقت يتعرض لظلم كبير من طرف النظام، راحت ضحيته جمعيات عديدة محسوبة على هذا الحزب. فبأي منطق يمكننا أن نتفهم بأن تواصل الذي يتعرض في هذا الوقت ودون غيره من أحزاب المعارضة لهجمة شرسة من طرف النظام، ينسق في الوقت نفسه مع النظام للإضرار بمصالح المعارضة!؟
بهذا السؤال نكون قد أنهينا الحديث عن الصفعتين الأولى والثانية، وبذلك نكون قد وصلنا إلى الصفعة الثالثة، وهنا سيكون من الضروري جدا شد الأحزمة، فإذا كانت الصفعة الأولى يمكن وصفها بأنها صفعة طبيعية، والثانية يمكن وصفها بأنها صفعة متفهمة، إلا أن الصفعة الثالثة لا يمكن وصفها لا بالطبيعية ولا بالمتفهمة.
إن الصفعة الثالثة تتعلق بمنشورات وتغريدات الرئيس السابق لحزب تواصل، ومن أجل قياس مستوى قوة هذه الصفعة ودرجة إيلامها ، فإنه علينا أن نتوقف مع النقاط الثلاث الآتية:
1 ـ إذا ما بدأنا بالمنشور الأخير للرئيس السابق لحزب تواصل وهو المنشور الذي كان قد أثار جدلا واسعا في مواقع التواصل الاجتماعي، الشيئ الذي جعل الرئيس يكتب توضيحا عن هذا المنشور، وقد زاد ذلك التوضيح من التباس المنشور الأصلي، إذا ما بدأنا بهذا المنشور الأخير فسنجد بأن الرئيس السابق لحزب تواصل قد اختار في هذا الوقت بالذات ونحن على أبواب حملة انتخابية في غاية الأهمية أن يوجه رصاصات صديقة لأهم شعار انتخابي تمتلكه المعارضة الموريتانية، وهو الشعار الذي يقول بضرورة التخلص من الأنظمة العسكرية من خلال التصويت لمرشح مدني.
لا يتوقف غموض هذا المنشور في كونه يصيب أهم شعار انتخابي للمعارضة في مقتل، بل إن غموضه يمتد ليصل إلى أن هناك ترتيبا غريبا في الأولويات عند الرئيس السابق لتواصل، ولم يكن ذلك معهودا ولا مألوفا، فبأي منطق يتجاهل الرئيس السابق لأكبر حزب معارض قضايا في منتهى الأهمية بالنسبة للموريتانيين عامة والمعارضين خاصة، وينشغل ويشغل معه الناس بنقاش يمكن أن نصنفه بأنه نقاش ترفي في مثل هذا الوقت وذلك على الرغم من أهمية موضوعه، فلماذا تجاهل الرئيس السابق لحزب تواصل نزاهة الانتخابات وعدم إعادة تشكيل لجنة الانتخابات؟ ولماذا تجاهل استقبال وتوديع رئيس المجلس الدستوري لأحد المترشحين وكأنه قد أصبح عضوا في طاقم حملته؟ ولماذا تجاهل الحروب البينية بين بعض مدوني المعارضة ولماذا لم يبذل جهدا لإخماد تلك الحروب؟ ثم لماذا تجاهل الرئيس السابق للحزب معاناة التعليم والصحة (تلويح الأطباء بالإضراب؛ وقفات الأساتذة والمعلمين...)؟ لماذا تجاهل الرئيس السابق لحزب تواصل كل هذه القضايا وغيرها وانشغل بتبيان أنه لا فرق جوهري بين مرشح عسكري أو مدني!؟
2 ـ إن المتتبع الفطن لما نشره الرئيس السابق لحزب تواصل من منشورات وتغريدات في الأسابيع والأشهر الأخيرة، سيلاحظ بأن القاسم المشترك أو الخيط الناظم لأغلب تلك المنشورات والتغريدات ـ إن لم أقل كلَّ تلك المنشورات والتغريدات ـ يتمثل في أنها ستزيد من شكوك بعض التواصليين حول سلامة موقف حزبهم من الانتخابات الرئاسية، وقد يتسبب ذلك في الكثير من الإرباك والارتباك داخل الحزب، ولا خلاف على أن الكثير من التواصليين يولي اهتماما كبيرا لما يكتبه الرئيس السابق للحزب، كما أنها ـ أي المنشورات والتغريدات ـ ستعطي حججا قوية لخصوم تواصل، فأي حجج أهم عند الخصم السياسي في المواسم الانتخابية من تلك الحجج التي يمنحها ـ وبسخاء ـ رئيس سابق لحزب تواصل؟
إن الرئيس السابق لحزب تواصل ليس مجرد كاتب أو مدون عادي، ومن المؤكد بأنه لا يكتب ليتسلى، وإنما يكتب لإيصال أفكار ما، أو للتعبير عن رأي ما وإقناع الآخرين بوجاهة ذلك الرأي.
وإذا ما توقفنا مع ما كتبه الرئيس السابق لحزب تواصل في الأسابيع والأشهر الأخيرة، فسنجد أن كل تلك الكتابات قد سعت في المجمل ـ عن قصد أو عن غير قصد ـ إلى تحقيق أمرين اثنين، أولهما إرباك وتشكيك التواصليين في سلامة موقف حزبهم من الانتخابات الرئاسية القادمة. أما الثاني فهو أن هذه الكتابات قد منحت حججا قوية لخصوم تواصل السياسيين، وساقت لهم رزقا كريما كانوا بأمس الحاجة إليه لتمويل حروبهم ضد الحزب بما يلزم من مؤونة، عفوا بما يلزم من حجج.
فلماذا انشغل الرئيس السابق لحزب تواصل في هذا الموسم الانتخابي الهام بتشكيك مناضلي الحزب في قرار حزبهم وبتزويد خصوم الحزب بحجج سياسية قوية تصل إلى مستوى "وشهد رئيس سابق من أهل تواصل"؟
حقا، لا أملك إجابة مقنعة على هذا السؤال الأخير، ولكني في المقابل أستطيع أن أقول بأن حزب تواصل قد خرج من بعد تلقي هذه الصفعات القوية بخسائر ليست بالكبيرة جدا إذا ما قورنت بقوة تلك الصفعات، وربما يخرج الحزب بأرباح سياسية وانتخابية هامة إن تمكن المترشح الذي دعمه الحزب من الفوز أو من تحقيق نتائج معتبرة في الانتخابات الرئاسية القادمة.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل