أكد مختار ملل، وزير العدل الموريتاني، أن الشاب محمد الشيخ ولد امخيطير، الذي سب الرسول -عليه السلام- في مقال منشور عام 2014 والذي تواصلت محاكمته حكما واستئنافا منذ ذلك التاريخ، يوجد الآن رهن التوقيف الإداري طبقا للقانون في انتظار مثوله أمام العدالة من جديد.
وجاء هذا الرد ليوضح مصير الشاب الذي تطالب الأوساط الشعبية والدينية الموريتانية بإعدامه حدا بالكفر، بينما تطالب الهيئات الحقوقية الدولية بإطلاق سراحه معتبرة «”أن سجنه أو قتله حدا، مس بحرية التعبير”.
وأكد الوزير في جواب على مساءلة برلمانية مثيرة أمس أن “ولد امخيطير لم يعد موجودا في السجن المدني لأن القانون أوجب الإفراج عنه فورا بمجرد إدانته بعقوبة منتهية أصلا”.
وخصصت الجمعية الوطنية جلسة علنية تواصل بثها أمس، للاستماع لردود وزير العدل على السؤال الشفهي الموجه إليه من النائب محمد بوي ولد الشيخ المأمون حول مصير المدعو محمد الشيخ امخيطير.
وذكّر النائب في مداخلته بمكانة وقدسية مقام سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- مشيرا إلى ما سماه «الجرح الغائر والأذى النفسي والضرر المادي والمعنوي الذي لحق بالمسلمين، جراء الإساءة البالغة التي تعرض لها مقام الجانب النبوي الشريف من طرف هذا الشخص».
وتساءل النائب عن مصير من وصفه بـ”هذا المسيء”، مستوضحا عن أسباب إغفال قطاع العدل وتجاوزه إجراءات من قبيل الطعن بالمعارضة، ولماذا لم تستأنف النيابة الحكم الصادر بإطلاق سراح الشاب المسيء.
وأشار وزير العدل الموريتاني في رده على السؤال الذي استحوذ على اهتمام الرأي العام لتعلقه بهذه القضية المثيرة إلى “أن النيابة العامة وجهت فورا لكاتب المقال، بعد اطلاعها عليه، تهمة الاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهاك حرمات الله تعالى طبقا للمادة 306 من القانون الجنائي، وتم إيداعه السجن المدني بنواذيبو”، مشيرا إلى “أن المحكمة الجنائية أصدرت يوم 24 ديسمبر سنة 2014، حكما أدانت بموجبه المتهم بارتكاب جريمتي الاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم والزندقة طبقا لمقتضيات نفس المادة وعقوبته بالإعدام حدا”.
وذكر الوزير “بأنه وبعد قيام المتهم باستئناف الحكم، أصدرت محكمة الاستئناف بنواذيبو حكما أدانت بموجبه المتهم المذكور بالردة وحكمت عليه بالقتل كفرا وأحالت الملف فيما يتعلق بالنظر في التوبة إلى المحكمة العليا التي أصدرت قرارا قررت بموجبه نقض حكم محكمة الاستئناف وإحالة الملف إلى تشكيلة مغايرة”، مشيرا إلى “أن هذه التشكيلة المغايرة أصدرت قرارا أدانت بموجبه المتهم بارتكاب جريمة الاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم ودرأت الحد عنه لثبوت توبته أمامها وعاقبته بالحبس النافذ سنتين وتغريمه”.
وقال وزير العدل “إن النيابة العامة قامت بالطعن بالنقض في هذا القرار ساعة صدوره، وهو الطعن الممكن في مثل هذا النوع من الأحكام وليس الاستئناف ولا المعارضة كما ورد في سؤال النائ” حسب قوله، مشيرا إلى أن “الملف الآن يوجد أمام المحكمة العليا في تشكيلة غرفها المجمعة، بناء على الطعن المقدم من طرف النيابة العامة”.
وقال: “هذا السؤال يتيح فرصة إنارة الرأي العام الوطني حول وقائع وإجراءات هذه القضية التي شغلتنا جميعا، والجهود والبرامج التي تنفذها الحكومة من أجل الذود عن قضايا المسلمين وبصفة خاصة عن الجناب النبوي الشريف الرفيع الذي يتعرض بين الحين والآخر لإساءات تستهدفنا جميعا”.
وقال إن “الرأي العام الوطني والدولي منشغل بهذه القضية ويتعاطى معها نظرا لتداخل حاجة المجتمع للأمن والرفاهية والسلم الاجتماعي وتحصين أفراده من الانحراف والتطرف والغلو، وقبل هذا وذاك لتعلقه بسيد البشرية رسولنا المكرم محمد صلى الله عليه وسلم”.
وذكر بأن النظام الحاكم حاليا في موريتانيا “هو من اقترح تعديل المادة 306 من القانون الجنائي للتصدي لموجة الالحاد ولردع من تسول له نفسه الخبيثة الاستهزاء أو سب الباري جل جلاله أو رسوله أو ملائكته أو كتبه أو أحد أنبيائه”، مشيرا إلى “أن هذا النص الذي صادقت عليه الجمعية الوطنية قضى بقتل من يرتكب الإساءات المذكورة ولا يستتاب وإن تاب لا يسقط عنه حد القتل”.
وأثارت قضية ولد امخيطير منذ ظهورها عام 2014، جدلا فقهيا كبيرا حول قبول توبة ساب الرسول ودرء الحد عنه بذلك.
وكان المفكر الإسلامي المجدد محمد المختار الشنقيطي قد أدلى بدلوه في هذا الجدل عبر مقال بعنوان “التطاول على مقام النبوَّة..بين كسب الألباب وقطع الرقاب” ورد عليه الفقيه الموريتاني البارز محمد بن بتار بمقال آخر عنوانه “ملاحظات على تغريدات الشنقيطي في شأن المرتد”.
وذهب إلى أن “البلسم الشافي هو المنهاج النبوي في التعامل مع المرتدين والطاعنين في مقام النبوة، وهو منهاج يعتمد الإقناع لا الإكراه، ويتوخى الحكمة وينظر إلى المآلات، لكنه منهاج يكاد يتلاشى من حياة المسلمين اليوم بسبب طغيان ثقافة الإكراه في مجتمعاتنا على حساب ثقافة الإقناع”.
وأكد الشنقيطي على أن “أسوأ رسالة يوجهها المسلمون إلى العالم اليوم من منظور السياسة الشرعية – هي قتل المرتد أو المتطاول على مقام النبوة، لما في ذلك من الإيحاء بأن الناس متمسكون بالإسلام خوفا من قطع رقابهم، لا اقتناعا بأنه دين الحق”.
وتوصل الفقيه الشيخ ولد بتار لخلاصة مفادها “أن المرتد إذا كانت ردته بالإساءة إلى نبي مجمع على نبوته يقتل فورا سواء كان رجلا أو امرأة إجماعا ولا تقبل توبته عند الإمام مالك رضي الله عنه، وإذا كانت ردته بغير ذلك يسجن ويستتاب فإن تاب أفرج عنه وإن لم يتب فإن كان رجلا قتل إجماعا وإن كان أمرأة قتلت عند الجمهور”.
وحذر ابن بتار المفكرين من تقطيع النصوص قائلا: “وليعلم المفكرون أن تقطيع النصوص الشرعية حسب الهوى وتجريدها من سياقاتها التي تدل على المقصود منها لم يكن ولن يكون مقبولا أبدا”.
ومرت قضية الشاب محمد الشيخ ولد امخيطير بعدة محطات قضائية منذ أن أعلن أمام المحكمة الابتدائية في أول جلسات محاكمته عام 2014، توبته وبراءته، موضحا “أنه لم يكن ينوي انتقاد النبي عليه السلام بل الدفاع عن الطبقة المهمشة التي ينتمي إليها (طبقة الحدادين)”.
واعتقل محمد الشيخ ولد امخيطير يوم 2 كانون الثاني/يناير 2014 بسبب مقال نشره على الإنترنت اعتبر مسيئا للنبي محمد عليه السلام، حيث صدر حكم بإعدامه في كانون الأول/ديسمبر من العام نفسه.
وتطبق الجمهورية الإسلامية الموريتانية أحكام الشريعة الإسلامية ولم تلغ حكم الإعدام. لكن أحكام الإعدام والجلد لم تطبق فيها منذ ثلاثة عقود.
القدس العربي