عا رئيس الوزراء الجزائري السابق، علي بن فليس، الجيش إلى "أداء دور محوري لنجاح فترة الانتقال الديمقراطي"، التي يطالب بها كبديل للسلطة الحالية بقيادة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة. وتثير مثل هذه الدعوات حساسية شديدة لدى قادة المؤسسة العسكرية الذين يرفضون إقحامهم في السياسة، مع أنهم في الممارسة من صانعي القرار السياسي.
وقال بن فليس، السبت، في لقاء مع كوادر حزبه قيد التأسيس، "طلائع الحريات" بمدينة قسنطينة (500 كلم شرق العاصمة)، إن "عهد الانتقال الديمقراطي وإطلاق دستور جديد، مشروعان ينبغي أن يتضمنا تدابير محددة وصريحة، تتعلق بضمانات من شأنها أن توفر للانتقال الديمقراطي حسن السيرورة وسلامة المجرى. وستعهد هذه الضمانات إلى الجيش الوطني الشعبي، إضافة إلى مهامه الدستورية. وسيطلب منه تقاسم العبء الوطني في إنجاح التحول الديمقراطي بمرافقة ومتابعة ومراقبة تطوراته، حتى ساعة وصوله إلى بر الأمان".
ورافع المسؤول الجزائري لصالح "حكومة وحدة وطنية تساير مجريات وتطورات المرحلة الانتقالية، وتتولى إيجاد الحلول للإشكاليات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الكبرى". وانتقد بشدة نظام بوتفليقة قائلاً إنه "لا يمكن أخذ نظام شمولي على محمل الجد، وهو يزعم أنه ماض في طريق التجديد والإصلاح، ومصمم على إنشاء وبناء كيان ديمقراطي. ولا يمكن تصديق حماة شخصنة السلطة وحراس معبدها، لما يدعون أنهم يعبدون الطريق ويوفرون الشروط الضرورية والأجواء الملائمة لبعث منظومة ديمقراطية أصيلة، أيعقل أن يخدم نظام سياسي نقيضه؟".
وأضاف بن فليس، تحت هتافات عدد كبير من إطارات الحزب، الذي سيعقد مؤتمره التأسيسي الشهر المقبل أنه "لا يمكن في أي حال من الأحوال الاقتناع بأن نظاماً سياسياً كهذا، مقدم على توسيع فضاء الحريات واحترام كل الحقوق اللصيقة بالمواطنة ورفع القيود عن المعارضة الوطنية وتذليل العقبات أمامها. كفانا استهزاء واستغباء واستهتاراً بعقول الناس. فلا يستقيم الظل والأصل أعوج".
وتثير تصريحات بن فليس بخصوص الجيش، من جديد، علاقة المؤسسة العسكرية بشؤون الحكم المدني والسياسة. ففي النصوص، خاصة الدستور، تتمثل مهام الجيش في الدفاع عن سيادة البلد وتأمين حدودها من المخاطر. لكن في الممارسة يجري تسيير الشأن العام للبلاد "مناصفة" بين المؤسستين الوحيدتين في البلاد هما رئاسة الجمهورية والمؤسسة العسكرية. وحتى وقت قريب كان لجهاز المخابرات العسكرية (التسمية الرسمية هي دائرة الاستعلام والأمن)، دور هام في القرارات السياسية الهامة، بما فيها اختيار رؤساء البلاد. غير أن الوضع أصبح مختلفاً منذ خريف 2013 عندما جرد بوتفليقة، من موقعه، وزير الدفاع القائد الأعلى للقوات المسلحة من كل الصلاحيات تقريباً، أهمها التحقيق في قضايا الفساد.
وكان رئيس الحكومة السابق، مولود حمروش، قد طرح هذا الموضوع عشية انتخابات الرئاسة التي جرت في أبريل 2014، عندما دعا الجيش إلى "وساطة بين المعارضة والرئاسة". وذهب حمروش أبعد من ذلك عندما قال إن الرئيس بوتفليقة وقائد أركان الجيش الفريق قايد صالح، والفريق محمد مدين مسؤول جهاز المخابرات العسكرية، مطالبون بـ "توفير مخرج للبلاد من حالة الانسداد التي تتخبط فيها". وذكر أن الثلاثة "لا مناص من التوجه إليهم، لأنهم وحدهم من يملكون مفاتيح علاج الأزمة، وهم يتحملون المسؤولية أمام التاريخ إذا تعرضت البلاد لأي مكروه". وقال حمروش، وبشكل صريح، إن بوتفليقة "يستمد شرعيته من الجيش".
ومن عادة المؤسسة العسكرية أن تردَ بقوة على مثل هذه الدعوات. ويكون الرد عادة عبر لسان حالها "الجيش"، التي ذكرت في إحدى افتتاحيتها بشأن هذا الجدل أن "الجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير الوطني، شارك غداة الاستقلال (1962) في بناء مؤسسات الدولة وتسييرها. أما اليوم، وبعد ربع قرن من اعتماد التعددية الحزبية وانسحاب الجيش من الساحة السياسية نهائياً، فإنه تفرغ لبناء جيش عصري محترف، يؤدي مهامه الدستورية، مع الحرص الكامل على النأي بنفسه عن كافة الحساسيات والحسابات السياسية".
وأفادت، وبلهجة حادة، أنه "بالرغم من المحاولات اليائسة لبعض الأطراف، التي تعبر عن طموحات شخصية نابعة من أفكار بعيدة كل البعد عن تاريخ وجغرافية وواقع الجزائر، وتسوق لأفكار وأمنيات تحولت مع الوقت إلى أوهام، والتي تسعى لتجسيدها وتنفيذها بالوكالة، يبقى الجيش ثابتاً ومتماسكاً، واعياً بالتهديدات والمخاطر، متمسكاً بمهامه في ظل القوانين والنظم".
العربية نت