16 مارس2019 خرج الشيخ الثمانيني محمد فال سيد النافع من مقاطعة "انبيكت لحواش" ظهرا على بعير له في سكينة ووقار، يهش على غنمه ويتلو كتاب ربه، وتلك عادته، ولكل امرئ من دهره ماتعودا...
لقد دأب على ذلك في تلك الربوع، التي لم يفارقها إلا في رحلة لطلب العلم دامت حوالي عشر سنين ثم عاد إليها تحدوه الذكريات.
وكأني به يتمثل قول محمدي ولد أحمد فال:
ألا يا بحير الصّفو واللّهـو والأنسِ
عليكِ سلامُ الله يا وجنةَ الشّمس
عليك سلام الله يا مرتعَ الصِّبـا
ويا مجمع الأحبابِ والأهل والجنس
مر الشيخ في طريقه اليومي المعهود بجانب الحامية العسكرية التابعة للقوة المشتركة لدول الساحل "G5"، جنوب المدينة وهو آمن في سربه لا تبدو عليه أي علامات اشتباه،
بادر إليه جنود من هذه القوة وأنزلوه عن جمله وأجثوه على ركبتيه، وعاملوه بطريقة وحشية مذلة لا تليق بمن كان في سنه وعلى هيئته،
فتشوه تفتيشا دقيقا فلم يجدوا معه إلا كتبا كانت هي رفيقه في السفر و جليسه في الحضر لا يمل مطالعتها وإمعان النظر فيها،
ورغم مسالمته واستسلامه واستجابته لأوامرهم، لم يرحموا شيبته!! بل أطلقوا عليه النار من مسافة الصفر أسفل رقبته لتخرج الرصاصة المشؤومة من نحره ويسقط جثة هامدة.
فعلوها وكأنهم يمثلون مشهدا ادراميا من فصول حكاية التتار مع شيوخ بغداد وكاتبها، أو يمارسون هواية مثل التي مارستها محاكم التفتيش في حق شيوخ الأندلس ودورها العملية، أو ربما كانوا يتعلمون فيه الرماية ويتصنعون الشجاعة المفقودة لست أدري ؟؟!!!!.
هكذا غدرو به شلت أيديهم ولسان حاله معهم..
أسد على وفي الحروب نعامة...!!
بدأت فصول الحكاية من هنا وبدأت معها مأساة أسرة مكونة من خمسة قصر، ثلاث منهم بنات حل بهن ما حل ببنات كليب ولا زلن يبكين ويندبن أباهن كما بكت الخنساء صخرا، تجرعن مرارة فقد الحبيب وعشن معاناة اليتم وفقدن الشعور بالأمان في كنف الأب، وأرملة لا تزال تعاني من آثار صدمة نفسية من هول ما رأت حينما فجأها جنود مدججون بالسلاح يحملون زوجها مضرجا بدمائه إلى المسجد لتغسيله، وبالغ وحيد لم يستطع في البداية لملمة شتات نفسه من هول ما جرى لوالده، والذي هاتفه قبل سفره هذا ووعده بالقدوم إليه في انواكشوط لعلاج إحدى عينبه من نقص في الرؤية.
ليفاجأ بعد أيام بمتصل نحس عرف نفسه على أنه عسكري من تلك الثكنة التي كان يفترض أنها مصدر أمن واطمئنان لوالده
ويخبره الخبر باقتضاب، ودون توديع وقيل أن يستفسر عن ما جرى قطع عنه الاتصال، ليعيد هو بدوره الاتصال وإذا بالرقم المجهول!! "لايمكن الاتصال به حاليا"!!.
تبدل الأمن خوفا، من كنا نأتمنهم على أرواحنا يزهقونها بلا رحمة!!، وقديما قيل" إنه لا يخونك الأمين ولكن قد يؤتمن الخائن"،
من بين جنودنا البواسل التابعين لتلك القوة متعطش للدماء صاحب سوابق مدان من القضاء بالقتل تم اكتتابه وتمكينه من كل الوسائل ليمارس هوايته المفضلة "قتل الابرياء بلارحمة" ذاك أقدم فصول الحكاية؛
وعلى عجل ودون استئذانه تم الاسراع بدفن الوالده "الضحية"، دون معاينة وكيل الجمهورية للجثة!! وذهاب إلى مسرح الجريمة قبل أن تطمس معالمها بفعل عوادى الزمن إن لم يكن بغيرها !!، حيث لم يؤذن له يذلك
تصرف غريب جعل ذوي الضحية يشعرون بالضيم بعدما حرموا من أبسط الحقوق في حضن "الوطن الحبيب"،
ولسان حالهم:
وظلم ذوي القربي أشد مضاضة على المرئ من وقع الحسام المهند
و "للحق رب يحميه"
انتشر خبر مقتل الشيخ والغدر به انتشار النار في الهشيم، لم يستطع ذو الضحية وكذا الرأي العام تصديق ماجرى، وتواترت الرويات بتفاصيل الحادثة الأليمة من مصادر من داخل الحامية العسكرية، واقتنعنا!! علي مضض وكان الاستغراب سيد الموقف!!!، وروينا بدورنا ماجرى للاعلام وأوضحنا مطالبنا العاجلة والتي تمثلت في :
- نشدان الحقيقة كاملة
- انجاز العدالة وإنفاذها
- تقديم اعتذار رسمي من قوة g5
- اتخاذ إجراءات ملموسة للحيلولة دون تكرار المأساة
وتتكشف حقائق جديدة
بدأنا اتصالاتنا بالمسؤولين، وزير العدل، المدعي العام وسعينا لتحقيق أكثر المطالب إلحاحا ألا وهو الإذن لوكيل الجمهورية بالذهاب إلى عين المكان ومعاينة مسرح الجريمة،
بعد ان اعتذر المدعى العام بأنه لا يمكن الإذن لوكيل الجمهورية بالذهاب إلى حامية عسكرية إلا بعد إشعارها، مؤكدا أنه طلب ذلك من الجهة المسؤولة عنها فلم ترد جوابا!!،
سعينا للحصول على الاشعار المطلوب فتم الاتصال بسعادة "وزير الدفاع" المعين قبل يومين من الحادثة فاعتذر بأنه لم يستلم مهامه بعد، ثم لاذ بالصمت بعد استلامه لمهامه كما فعل "سلفه"، والذي أعتذرهو أيضا بأنه لم يعد مسؤولا عن القطاع!!.
واصلنا تحركاتنا في القضية، وأعلنا عن وقفة احتجاجية أمام رئاسة الجمهورية للمطالبة بإنجاز العدالة والقبض على الجناة وإنصاف الضحايا، ولكننا ألغيناها قبل وقتها بيسير نزولا عند رغبة بعض أصحاب المساعي الطيبة وتجنبا لإحراج السلطات الرسمية
وبعد أيام ..صدرت بيانات اعتذار وتعزية ومواساة للأسرة من قيادة الأركان وقوة "g5" تابعناها بارتياح، و تابعنا أيضا تصريح متحدث عسكري لوسائل الإعلام عبر فيه عن استعداد قيادة الأركان الدائم لتسوية القضية وديا
ورغم رفضنا القاطع في البداية للتحقيق الذي باشرته الضبطية القضائة العسكرية التابعة لg5 إلا أننا بعد اطلاعنا عليه اعتبرناه مقبولا رغم ملاحظاتنا عليه، والتي من اهمها اتهامه لشخص "وحيد"، ومحاولته إبعاد "مشتبه بهم" آخرين محتملين،
وقد كنا بالفعل "ولا زلنا" يحدونا أمل كبير في تسوية القضية بشكل ودي وقانوني ومتفق عليه.
وصل الملف إلى وكيل الجمهورة وأفرج عن صور صادمه للغاية للضحية في مكان الحادثة،
وبدأ فصل جديد من فصول الحكاية، انتشرت خلاله
شائعات في الأوساط الشعبية في المنطقة تتحدث عن رفضنا لعروض محددة للصلح!!، وكيف نرفض الصلح؟ "والصلح خير"، نفينا"ولا زلنا" بشكل قاطع صحة هذه الشائعات.
ولتأكيد موقفنا وتوضيح مطالبنا للجهات المعنية والرأي العام أعددنا مذكرة توضيحية بينا من خلالها ماجري لوالدنا، وأوضحنا الأسس الشرعية والقانونة لتحقيق العدالة في قضيتنا، وقد قدمنا رؤيتنا للصلح وموقفنا منه ومطالبنا "إذا جنح إليه".
أوصلنا المذكرة إلي الجهات المعنية (وزارة الدفاع، قيادة الأركان، الامانة العامة لقوة( g5)
منذ أزيد من خمسة عشر يوما، ولم نتوصل حتى الآن بأي رد من أي طرف من الاطراف المعنية!.
ويستمر التجاهل
إنها بالفعل حكاية مأساه
شهران مضيا على الجريمة البشعة ولا تزال سلطات بلادي تتجاهل دم مواطنها الغدور ومأساة أسرته
غاب أي حديث عن القضية في المؤتمرات الصحفية الأسبوعية للحكومة وغيرها من الخرجات الاعلامية
وغاب نواب "الشعب" في جمعيتنا الوطنية الموقرة أو تجاهلوا القضية ولم يكلف أي منهم نفسه عناء مساءلة وزير العدل أو وزير الدفاع أو أي مسؤول!! عن القضية،
ونسوا أو تناسوا إنسانيتهم ودورهم المنوط بهم في الدفاع عن أحد أبناء "اوطن" المظلومين والمغدور بهم وتوصيل أصوات ذويه المبحوحة!!.
شهران مضيا ومنظمات حقوق الإنسان "الوطنية" هي الأخرى تتغافل عن القضية، و لعلها معذورة فلربما لم يحقق الضحية شروط "الإنسانية" المطلوبة حتى يستحق الدفاع عنه !!
مهلا أيتها السلطات والمنظمات ليس ما جري اعتداء وحش كاسر على أرنب في احد برامج ناشيونال جيوغرافيك ؛
إنه شيخ أعزل قتل صبرا على يد قوة دولية في بوادي بلادي؟؟!!
صحيح ليس عجوزا غربيا حتي تقيم الديا ... ولكن !!!
دمنا ليس رخيصا
"المهم" تلك بعض فصول الحكاية، وذلك ماجرى ولكم أن تتساءلو :إلى أين تتجه القضية ؟، ولنا أن نجيب بأن الأيام القادمة وحدها كفيلة بالاجابة على هذا السؤال، ولكننا أيضا نسجل هنا في عجالة بعض النقاط المهمة:
- أكدنا "ولا زلنا" أننا مارسنا أقصى درجات ضبط النفس وحاولنا الابتعاد عن كل ما قد يفسر على أنه استفزاز للقوة العسكرية أو للجهات الرسمية،
ومع ذلك لم نقابل حتى الآن سوى بالتلكؤ والتهرب من المسأولية من الاطراف المعنية،
ولا زلنا نلتمس الأعذار وننتظر صحوة ضمير!! بمسؤولينا المحترمين.
- أكدنا" ولا زلنا" أن ثقتنا كبيرة بالعدالة الوطنية ونعول على رجالها الشرفاء في إحقاق الحق وإنصاف الضحايا.
- ونؤكد أننا سنتخذ كافة الاجراءات القانونية و المشروعة لرفع الظلم وتحقيق من العدالة حتى ينال الضحايا حقوقهم الكاملة، ولسنا في فجلة من أمرنا ولن نقبل أي محاولة للتأثير على سير العدالة.
- ندعوا كل الأحرار في هذا الوطن الحبيب المدافعين عن الحق والعدل، الساعين إلى رفع الظلم عن المظلومين أن يقفوا معنا وقفة حق، نصرة للمظلوم ورفعا للظلم.
كما نوجه رسالة إلى جميع الأطراف المعنية بالقضية ونقول لهم
"لا تستمرئوا الظلم فإن مرتعه وخيم"، فمن سنن الله عز وجل أن يهلك القوم الظالمين،
وتأملوا جميعا قول الله عز وجل ( وكم أهلكنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدما قوما آخرين)،
وتذكرو أيضا قول الإمام الشافعي:
فَكَمْ قَدْ رَأَيْنَا ظَالِماً مُتَمَرِّداً
يَرَى النَّجْمَ تِيهاً تحْتَ ظِلِّ رِكابِهِ
فَعَمَّا قليلٍ وَهْوَ في غَفَلاتِهِ
أَنَاخَتْ صُروفُ الحادِثَاتِ بِبابِهِ
فَأَصْبَحَ لا مَالٌ وَلاَ جاهٌ يُرْتَجَى وَلا حَسَناتٌ تَلْتَقي فِي كتَابه.
واتقوا دعوة المظلوم فليس بينها وبين الله حجاب، ولله الأمر من قبل ومن بعد ( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون).