.jpg)
.png)
بين سيدي محمد ولد ببكر ومحمد بن الشيخ محمد أحمد الغزواني سنتان بحساب السنين وهما بهذا المعنى "انتاج"، وبينهما مشتركات عديدة، غير أن الذي بينهما الآن هو السباق الحثيث إلى كرسي الرئاسة، يرى أنصار سيدي محمد ولد ببكر وهم خليط متعدد من الأعراق والفئات والأحزاب السياسة أنه جدير بخلافة الرئيس الحالي عزيز وأن أصوات الجماهير كفيلة بأنه تحقق له الفوز غدا.. وهو من أجل ذلك يعد حملته ويجمع أنصاره ويحشدهم الآن الآن وليس غدا.
أدمن ولد ببكر خلال السنوات العشر الماضية الصمت، جرت أحداث كثيرة وأزمات قوية واشتد الجدال السياسي والعرقي والاجتماعي، وولد ببكر مسكون بهاجس الالتزام المهني، ملتزم بالمعنى الحرفي "فليقل خيرا أو ليصمت".
يقول أنصاره إن صمته كان خيرا، ويقول خصومه إنه ما كان يستطيع الحديث ولا الكلام خوفا على منصبه من الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز، قبل أن يخرج من ربقة الوظيفة العمومية، ويطارد عبر القضاء سنتين من عمره المهني تم اقتطافهما، وكان يود لو أضيفتا إليه فيقضيهما سفارة في بلد من البلدان الكبرى التي مثل فيها موريتانيا.
أما بعض المترددين والمؤمنين بنظرية المؤامرة فهم مختلفون في الرجل بين من يقول هم مرشح محمد ولد بوعماتو وقطر والإسلامين، وليس له من الأمر شيء لا الآن ولا غدا.
وآخرون يرون في الرجل طريقا ثالثا للعسكر والسلطة بديلا عن المأمورية الثالثة وعن ولد الغزواني، وتمييعا لوحدة المعارضة التي لم تدع في يوم من الأيام أنها ذات قوة ولا بأٍس انتخابي شديد.
ورغم كل الأقوال في الرجل، إلا أن الجميع متفق قولا واحدا إنه أصبح منافسا جديا لمرشح النظام، ورقما صعبا في العملية السياسية والانتخابية، وأنه يستقطب بخطابه وبالهالة المحيطة قوى سياسية وشبابية فاعلة.
والناس أيضا متفقون على أنه لم يكن أسوء الوزراء الأول الذين أداروا دفة العمل الحكومي خلال الثلاثين سنة المنصرمة، إن لم يكن أحسنهم أداء على الأطلاق.
يستدل أنصار الرجل بأنه ظل الوزير المنقذ، فقد عينه الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع وزيرا أول في ظل أزمة سياسية قوية وحصار اقتصادي نوعي وأزمة قوية مع الجوار السنغالي والمغربي، وحالة استنفار سياسي للمعارضة للنظام، وقد ظل يمارس دوره الحكومي بهدوء حتى استقرت سفينة الحكم على جودي ولد الطايع، وبدأت أوراق سياسية جديدة تظهر في الملف، فتم إبعاده وجيء بوزير أول جديد.
يقول ولد ببكر إن إقالته جاءت تمهيدا لتحول العلاقات الخارجية إلى الحضن الصهيوني ولأنه لم يكن الرجل المناسب لإدارة ذلك الملف فقد جيء بشخص آخر، ومن غريب المصادفات أن الخليفة الجديد كان قاب قوسين من القضاء بسبب أزمة تتعلق بقطاع الصيد وحديث عن فساد أحيلت بعض ملفاته إلى إدارة الأمن.
لكن السؤال الذي لم يجب عنه "شاعر غزة" ولد ببكر، لماذا لم تتخذ موقفا أكثر حدة تجاه التطبيع مع الكيان الصهيوني، يترك سيدي محمد للزمن الجواب ملمحا إلى أنه موظف للدولة يعمل من الموقع وليس رأسها ولا لسانها.
ابن الطبيب العسكري
رغم أن سيدي محمد ولد ببكر مدني، وإداري من السلك المالي، إلا أن علاقته بالعسكر لم تكن منقطعة، فقد تربى في بيت تفوح فيه رائحة العسكر من جوانب متعددة، فوالده بوبكر ولد بوسالف طبيب عسكري مشهور ومرموق عمل في مناطق مختلفة في موريتانيا
وابن عمه العقيد عبد الرحمن ولد ببكر كان من أبرز قادة المؤسسة العسكرية خلال العشرين سنة الماضية، كما أن أحد أشقائه هو أحد قادة المناطق العسكرية حاليا في موريتانيا، ومن ضمن فصيلته الاجتماعية عدد كبير من الضباط والجنود والعناصر الأمنية، كما أن لسيدي محمد ولد ببكر نصيبا معتبرا من الضباط المتقاعدين يدعمونه ويرون فيه حلا لما تعانيها من موريتانيا يضيق عنه الحصر الآن وغدا.
ابن العسكري ظل خلال الفترات الماضية عنوانا للعلاقة مع المدنيين أو كان رسول العسكر من أجل تهدئة المدنيين وتسليم الحكم إليهم كما حصل في انتخابات 2006 وها هو الآن يشب عن الطوق كما يرى خصومه ويسعى إلى إبعاد العسكري المتقاعد محمد ولد الغزواني عن كرسي الرئاسية بعد أن انتظر مقعده منذ عشر سنين وأصبح منه قاب قوس أو اثنين من أقواس النصر.
الإداري الشاعر
ولد سيدي محمد ولد ببكر في مدينة أطار عندما كان والده المرحوم ببكر طبيبا هنالك، وسرعان ما انتقلت الأسرة بابنها الجديد إلى النعمة حيث درس هنالك المرحلة الابتدائية، وواصل مساره التعليمي حتى نال الباكلوريا الرياضية متفوقا، والتحق بالمدرسة الوطنية للإدارة في سلك الإداريين، وعند تخرجه تولى مناصب رفيعة، حيث بدأ عمله من ولاية نواذيبو خازنا للولاية، وواجه مشكلات مع الوالي وبعض الإداريين هنالك، بسبب صرامته وسعيه لتطبيق مبادئ الشفافية، وهو السعي الذي تعثر خلال توليه لمنصب الوزير الأول في فترة ولد الطايع وهي الفترة التي يجمع كل موريتانيا على أنها كانت الفترة الذهبية للفساد.
واصل ولد ببكر عمله ليتم تعيينه مديرا للميزانية ثم وزيرا للمالية وأخيرا وزيرا أول في حكومة معاوية ولد الطايع.
غير أن الرجل غادر السلطة بعد ذلك سفيرا في إسبانيا ومنها تمت إعادته إلى البلاد بعد الانقلاب العسكري في 2005 وتم تعيينه وزيرا أول ضمن حكومة عرفت يومها بأنها حكومة مجاهيل، دافع المرحوم اعل ولد محمد فال عن حكومته بقوة وقال "إنهم أبناء موريتانيا لم نقم باستيرادهم من تايوان".
كلل ولد ببكر عمله بقرارات مهمة من بينها استعادة مبالغ مالية كبيرة من شركة وود سايد في محاولة لمحاربة فساد كان مستشريا في قطاع النفط والمعادن.
كما رفع رواتب موظفي الدولة بنسبة معتبرة وصلت 100% وهي الزيادة التي لا سابقة لها ولا لاحقة في حجمها منذ استقلال الدولة إلى اليوم.
غير أن ولد ببكر حقق مع وزير داخليته محمد أحمد ولد محمد الأمين الذي يعمل الآن مديرا لديوان ولد الغزواني، واللجنة المستقلة للانتخابات التي يعمل بعض عناصرها الآن ضمن صف ولد الغزواني أيضا نجاحا آخر مهما وهو إدارة انتقال ديمقراطي سلس ومرن رافقه العالم دعما وإشادة وتقديرا.
وبعد تسليم المهام إلى خلفه الزين ولد زيدان عاد ولد ببكر إلى مهمته الأثيرة سفيرا لدى دول أوربية وعربية.
ثم جاء الانقلاب العسكري في 2008، ويقول مقربون من ولد ببكر إن الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز ألح عليه من أجل أن يقبل منصب الوزير الأول ولما رفض مقلدا في ذلك رئيسه اعل ولد محمد فال جاء النظام بالسفير الموريتاني في بروكسل مولاي ولد محمد الأغظف وتم تعيينه وزيرا أول.
وضع ولد ببكر نفسه مرة أخرى على "وضعية الصامت" رغم أنه كرسيه كان هزازا جدا، بفعل الرنين الغاضب الذي كان يصله بين الحين والآخر من الرئيس محمد ولد عبد العزيز.
ولكن مهنية الرجل القوية وخدمته المتفانية للعمل الدبلوماسي ووجود عناصر قوية في المؤسسة العسكرية تمت له بعلاقات سياسية واجتماعية ماسة كل ذلك كان كفيلا بإبقائه في منصبه إلى حين تقاعده قبل أربع سنوات.
واستمرت وضعية الصامت إلى الأشهر الأخيرة الماضية حين أصدر تعليقات صحفية تنتقد سعي الرئيس محمد ولد عبد العزيز لمأمورية الثالثة... ثم بدأ الحراك من أجل حشد ود المعارضة.
لا ينتمي ولد ببكر بأي زمن ولا سياق للمعارضة، لكن قوى منها وخصوصا حزب تواصل وجد في الرجل مخرجا سياسيا لصناعة زعيم تلتف حوله أطراف سياسية من الأغلبية والمعارضة، وينقذ حزب تواصل من أن يمنح ولاء جماهيره الشعبية إلى قادة أحزاب سياسية نالت مراتب من الأصوات أقل بكثير مما نال حزب تواصل.
وترشح ولد ببكر وتحلقت حوله أطياف سياسية متعددة من المعارضة وبعض من زعامات ورموز الأغلبية.
خطاب حاد وحراك قوي
بدأ ولد ببكر يفرج عن مخزونه من التقييم السلبي لأداء النظام، في خطابات ومواقف شديدة الانتقاد والتقريع للنظام، إضافة إلى مستوى من الرشاقة واللياقة السياسية جعلته ينتقل ويشارك في مناشط سياسية متعددة ولا يفوت فرصة للتعبير عن موقف أو التضامن مع ضحية أو التعريف بمنهجه السياسي.
يرى ولد ببكر وأنصاره أن فوزه في الانتخابات الرئاسية هو مسألة شفافية لا أكثر.. وأن حجم الشفافية الحالي لا يبشر بخير.
وبين الانتقاد اللاذع والتصميم على المواصلة والتأكيد على أنه البديل الحقيقي لحكم العسكر وأنه لخطابه صدى في المؤسسة العسكرية والدولة العميقة، يبقى ولد ببكر ولد بوسالف الرقم الجديد الأكثر إثارة وقوة في المشهد الانتخابي الحالي دون أن يجعل ذلك فوزه المرغوب لدى أنصاره مجزوما به لا الآن ولا غدا.
نقلا عن صحيفة الأخبار إنفو
.jpg)
