كان بإمكان ولد بوبكر أن يترك الموريتانيين وشأنهم.. كان بإمكانه ألا يستنزف طاقاته المادية والمعنوية من أجلهم.. كان بإمكانه أن يعيش تقاعدا مريحا في أي بلد شاءه من العالم أو يصبح موظفا دوليا مرموقا ويدعهم وسياستهم.. كل ذلك كان بإمكانه لكنه لم يستطع أن يكبح شعوره الوطني بقدرته على أن ينقذ هذا البلد الذي أخذ يتمزق بين عينيه، إلى درجة أصبح معها مهددا بالتلاشي على إثر أربعين سنة من التيه في دهاليز الانقلابات وارتجالية الحكم الفردي والتغول القبلي والنعرة العرقية. هذا البلد الذي تقدمت كل إفريقيا بما فيها السينغال ومالي وغامبيا المجاورة وتدهور هو رغم ثرواته الكثيرة وخيراته الوفيرة، حتى أصبح بلد المفارقات الاقتصادية (دخل هائل من الاقتصاد الريعي للصيد والذهب والحديد والنحاس واليورانيوم والمعادن النادرة وفقر مدقع للمواطنين، ضرائب باهظة داخليا ومديونية عالية خارجيا، إنفاق كبير على ميزانية التسيير وترد قوي في مؤشرات التنمية، التركيز على الإنفاق الاجتماعي وانهيار تام للصحة والتعليم)...
لقد اتضح لكل الموريتانيين خاصة الشباب والمثقفين والوطنيين منهم أن موريتانيا لم تعد قابلة للاستمرار على هذا النحو الذي لا يدفعها إلا نحو المحهول، وأن كرامتهم بعد أن أصبحوا طيلة العشرين سنة الماضية مجرد ماشية انتخابية يصوتون للحاكم أيا كان وتحت أي ظرف، وكذلك مستقبل دولتهم مرهون بالعودة للنظام المدني والانتهاء من آخر نظام عسكري باق في الحكم في إفريقيا، وأن ولد بوبكر ليس مجرد مرشح عاد للموريتانيين أن يختاروه أو يختاروا غيره، بل ضرورة يحتاجها هذا البلد ليبقى، لأن هذا البلد إذا لم يجد شخصية جامعة بين الكفاءة الاقتصادية والمرونة السياسية والتجربة المهنية والممارسة الأخلاقية، يقود فيه تحولا سياسيا هادئا فلن يبقى له إلا تحول عنيف غير معروف التوقيت ولا مأمون العواقب.
لقد حاصر هذا النظام السياسيين وأفلس الاقتصاديين، وسلط سيف الإقصاء والتهميش والضرائب على كل من عارضه ووقف في وجه نزواته المتزايدة حتى يئس الناس من الديمقراطية وقدرتها على تحقيق التناوب في هذا البلد.
وفي هذا الظرف الصعب والعصيب امتلك ولد بوبكر الشجاعة لمقارعته والوقوف في وجهه، وإعادة الأمل إلى الناس في التغيير والمعارضة، وها هو يقترب من النصر على طريقة تشبه الطريقة الغامبية إن أدرك الموريتانيون أهمية هذه اللحظة وقيمة وشجاعة هذا المرشح ووطنيته، وتخلصوا من عقدة الدونية والتبعية للنظام، وإلا فعلى موريتانيا السلام.
الحسين بن محنض