غداً السبت، يتوجه مليون ونصف المليون ناخب موريتاني إلى أربعة آلاف صندوق اقتراع موزعة على ثلاث وخمسين مقاطعة، لاختيار رئيس جديد للبلاد خلفاً للرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز، وذلك في انتخابات يعتبرها الموريتانيون مفصلية في تاريخهم الحديث، لكونها ستتيح تناوباً على السلطة عبر صناديق الاقتراع لا عبر الانقلابات العسكرية التي ظلت السبيل الوحيد للوصول للحكم خلال العقود الستة التي مضت على الاستقلال.
وبموجب اللائحة التي اعتمدها المجلس الدستوري الموريتاني، والتي نشرتها الحكومة الموريتانية في الثاني عشر من مايو/أيار 2019، فسيقتصر السباق إلى الرئاسة الموريتانية في اقتراع السبت على ستة مترشحين، هم وزير الدفاع السابق محمد ولد الغزواي، والوزير الأول الأسبق سيدي محمد ولد بوبكر، ورئيس اتحاد قوى التقدم محمد ولد مولود، ورئيس حركة إيرا الحقوقية بيرام ولد الداه ولد اعبيدي، والسياسي كان حاميدو بابا، والإداري المالي محمد الأمين ولد المرتجى.
ومن الملاحظ خلو هذه الانتخابات من وجود أية سيدة مترشحة، كما يلاحظ الترشح على الأسس الشرائحية والجهوية، وهو ما يؤكد حالة اليأس من حصول مكاسب سياسية على أساس الترشحات الوطنية المثالية.
ويعتمد المرشح محمد ولد الغزواني على كبار ضباط الجيش الذين يؤطرون كتلاً قبلية وسياسية كبيرة من أمثال الفريق البرور القائد العام لأركان الجيوش، وقائد أركان الحرس الوطني الجنرال مسقارو ولد غويزي، والجنرال محمد ولد مكت، المدير العام للأمن الوطني، والعقيد ولد ألمامي مدير عام الجمارك، وغيرهم.
فبعد أن سدت الأبواب أمام الانقلابات العسكرية، يتجه كبار الضباط الموريتانيين منذ عام 2009، إلى ميدان السياسة من أجل أن يظل الجيش محتفظاً بالسلطة عبر مرشحه الثابت في الانتخابات.
ويعتمد الغزواني على كشكول سياسي وقبلي كبير، يتقدمه الرئيس المنصرف محمد ولد عبد العزيز وأنصاره، وأحزاب الأغلبية الداعمة له، والمؤلفة من 22 حزبًا أبرزها حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم في موريتانيا الذي يمتلك 102 من مقاعد البرلمان الحالي الذي يضم 157 نائبًا.
وحظي ولد الغزواني بدعم عدد من وجوه المعارضة التقليدية الموريتانية من أمثال محمد محمود ولد لمات، وهو نائب رئيس حزب تكتل القوى، ورئيس حزب العهد الديمقراطي الوزير الأول الأسبق يحي ولد الوقف، وتيار «راشدون»، المنشق عن حزب التجمع المحسوب على الإخوان.
ويأتي الوزير الأول الأسبق سيدي محمد ولد بوبكر في الرتبة الثانية منافساً قوياً، حسب المراقبين، للجنرال غزواني؛ ويعتمد ولد بوبكر على مساندة كشكول سياسي متنوع أبرزه حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية المعارض والمحسوب على الإخوان والذي يقود أكبر كتلة نيابية معارضة في البرلمان بنوابه الستة عشر، كما يسيطر على قواعد انتخابية هامة في العاصمة نواكشوط، وفقاً لما أكدته الانتخابات التشريعية والبلدية الأخيرة.
ويحظى ولد بوبكر كذلك بدعم حزب المستقبل، وهو حزب حركة الحر الذي يقوده زعماء مجموعة أرقاء موريتانيا السابقين.
ويتمتع ولد ببكر كذلك بدعم حزب التغيير الموريتاني بقيادة الرائد صالح ولد حننه وهو سياسي مخضرم له إسهاماته الكبيرة في الإطاحة بنظام معاوية ولد الطايع ديكتاتور موريتانيا الشهير.
ويجمع ولد بوبكر في حاضنته الانتخابية مجموعات كبيرة من الغاضبين على نظام الرئيس ولد عبد العزيز، ومن الزعماء التقليديين الذين لم يجدوا مكاناً لهم في صف الجنرال غزواني، إضافة إلى أعوانه والمقربين منه خلال تسييره للمرحلة الانتقالية 2005-2007.
ويحظى ولد بوبكر، إضافة إلى كونه موضع اطمئنان من طرف الجيش الموريتاني، بثقة الدول المجاورة لموريتانيا مثل المغرب والجزائر، كما يحظى بقبول الحكومات الغربية وفي مقدمتها فرنسا والولايات المتحدة التي لها نظرتها ووصايتها على مجريات الشأن السلطوي في بلدان منطقة الساحل.
وفي المرتبة الثالثة، حسب التوقعات، يأتي المرشح محمد ولد مولود، الذي يحظى بدعم أحزاب المعارضة التقليدية مثل حزب تكتل القوى الديمقراطية المعارض بزعامة أحمد ولد داده، وحزب التناوب الديمقراطي.
أما المرشح الثالث، فهو الحقوقي بيرام ولد الداه، الذي تمكن وهو في السجن من دخول البرلمان؛ ويحظى ولد الداه بدعم يعثيي حزب الصواب العروبي، إضافة إلى تمتعه بمساندة أوساط الشباب في مجموعة «الحراطين» وهم أرقاء موريتانيا السابقون.
وتدعم المجموعات السياسية الزنجية المعارضة المترشح «كان حاميدو بابا»، حيث من المتوقع أن يجذب أصوات الأقليات الزنجية.
وبينما يراهن ولد الغزواني على كشكول الموالاة، يعول مرشحو المعارضة الموريتانية على أصوات الناخبين المعارضين من سكان المدن الكبرى كالعاصمة نواكشوط والعاصمة الاقتصادية نواذيبو، قياساً على ما حدث في انتخابات عام 2007، التي حصد فيها مرشح المعارضة 47.8% من أصوات الناخبين، مما فتح الباب أمام جولة ثانية في ذلك الاقتراع.
وبخصوص المخاطر التي تهدد مواقع المترشحين فهي عديدة ومتنوعة، ومنها- في ما يتعلق بمترشحي الصف المعارض الساعين للتغيير- استمرار ضغوط السلطة عبر التعيينات والتهديدات، واستغلال المال العمومي، وتوقع حصول عمليات تزوير واسعة في الانتخابات، وخصوصًا في مناطق الريف الموريتاني.
ويواجه ولد الغزواني مخاطر، أبرزها توقعات بالتصويت العقابي من مجموعات الممتعضين من سياسات نظام ولد عبد العزيز، والصراعات بين داعميه وعجزه عن استيعابهم. ومهما كانت نتائج انتخابات السبت، فإنها ستشكل بطبيعتها، وبما يتوقع منها، علامة فارقة في تاريخ موريتانيا السياسي؛ لكونها ستضع موريتانيا على سكة جديدة بثقافة ديمقراطية جديدة ووعي سياسي جديد، مع أن بقاء البلاد في وضعها السابق المتسم بسيطرة الجيش على الشأن العام أمر ما زال محتملاً هو الآخر.
وسيكون التطور المتوقع بعد هذه الانتخابات هو حدوث أحد أمور ثلاثة: إما تغيير كبير إذا ما وصل أحد مترشحي المعارضة إلى كرسي الحكم وقبل الجيش بذلك، وإما إصلاحات عميقة لأخطاء الماضي إذا فاز مرشح النظام واتجه تلك الوجهة، أو استمرار النظام الجديد على خط سلفه، وهنا ستطول المعاناة.