في خضم الجدل الدائر منذ أكثر من أسبوعين حول نتائج الانتخابات الرئاسية الموريتانية، أظهرت توضيحات نشرها المجلس الدستوري الموريتاني أمس، وردّ فيها على طعون مرشحي المعارضة، أن نتائج الانتخابات الرئاسية التي جرت في موريتانيا يوم الثاني والعشرين يونيو المنصرم، نتائج مقبولة، وأن الطعون التي قدمها مرشحو المعارضة غير مؤثرة في النتيجة الكلية التي أعلنها المجلس الدستوري مستهل الشهر الجاري.
وتقاطعت ردود المجلس الدستوري التي قبل فيها طعون مرشحي المعارضة شكلاً ورفضها أصلاً لعدم تأسسها على حقائق، مع تقييمات للانتخابات الرئاسية أكدت مقبولية النتائج، نشرها سياسيون وكتاب من صلب المعارضة الموريتانية، بينهم القيادي الإسلامي البارز محمد جميل منصور، ومحمد الأمين ولد الفاضل منسق تنظيم «من أجل موريتانيا».
واختارت أسبوعية «القلم»، أعرق الصحف الموريتانية الحرة والمحسوبة على المعارضة، طرح سؤال كبير هو: انتخابات رئاسية، لكن لأي مستقبل؟
وأكد ولد منصور، في تقييم للانتخابات حظي باهتمام واسع، «أن الأحكام العامة والمطلقة التي أطلقها مرشحو المعارضة والأحزاب الداعمة لهم حول الانتخابات لم تكن مقنعة ولم تأت التفاصيل اللاحقة حول الخروقات لتعكس هذه الأحكام بذلك الإطلاق».
وقال: «رغم ما طرحه مرشحو المعارضة ولجانهم الفنية خلال المؤتمرات الصحافية، ورغم أهمية بعضه (بعض المقارنات والدلالات في مكاتب التصويت المكتمل)، فإنه لم يرق إلى الطعن في النتيجة الكلية والمصداقية العامة للانتخابات، صحيح أن الملاحظات المتعلقة بعدم تكافؤ الفرص وبتوظيف معنى الدولة وبتغييب المعارضة من لجنة الانتخابات وغيرها واردة، ولكنها كانت معروفة وقبل الجميع المشاركة رغمها، فلم تعد تصلح لرفض النتائج التي تفرزها فنياً صناديق الاقتراع».
وأضاف قوله: «لقد كانت هذه الانتخابات مهمة في معناها السياسي العام، وهو تكريس التداول السلمي على السلطة في أهم موقع في نظام زائد الرئاسية، للبعض أن يقول إن التداول لا يأخذ معناه الكامل إلا إذا كان من نظام إلى نظام، ولكن التداول من رئيس إلى رئيس مهم بدوره؛ ففضلاً عن احترام الدستور وجعل تغييره بالغ الصعوبة تفكيراً فيه أو إقداماً عليه في المستقبل، فإن الرئيس الجديد قادر على إعطاء هذا التداول مضموناً أقوى وعمقاً أبعد».
وانتقد جميل منصور الأحداث التي تلت الانتخابات قائلاً: «سلوك السلطات مع الأحداث التي أعقبت الانتخابات، التي عرفت انحرافات وفوضى لا يستطيع أحد تبريرها، مبالغ فيه وأدى إلى تأزيم وتوترات ورافقها انتهاك صارخ للحريات والحقوق، اعتداء على المقرات واعتقالاً للسياسيين والإعلاميين (ما زال وديعة معتقلاً أو بالأحرى مختطفاً دون تهمة مع منع أي تواصل معه)، وتساءل كثيرون عن سر هذا التضخيم وتلك المبالغة ولم يجدوا في العامل الأمني سبباً كافياً لها».
أما محمد الأمين الفاضل، منسق تنظيم «من أجل موريتانيا» المعارض الذي راقب نشطاؤه الانتخابات الأخيرة، فقد أكد أن «لا أحد يستطيع أن ينفي بأن تدخل السلطة وانحيازها لمرشحها هو من أهم أسباب خسارة مرشحي المعارضة، ولكن ذلك لا يعني بأن هذا التدخل ليست له جوانب سلبية على مرشح السلطة، ولا يعني كذلك بأنه لا توجد أسباب أخرى ساهمت في صنع فشل المعارضة، وهي أسباب قد تكون نتيجة لعوامل ذاتية، ولا علاقة لها بتدخل السلطة».
وقال: «تم الإعلان عن النتائج، وحصل مرشحو المعارضة على 48% من أصوات الناخبين الموريتانيين، وفاز المرشح المحسوب على النظام والمدعوم من طرف بعض الأحزاب والشخصيات المعارضة في الشوط الأول، وقرر المرشحون المحسوبون على المعارضة والأحزاب الداعمة لهم أن لا يعترفوا بالنتائج، وأن يُشَغلوا من جديد أغنية تزوير الانتخابات والانقلاب على إرادة الشعب، وذلك على الرغم من رفض المجلس الدستوري الذي يوجد فيه تمثيل للمعارضة، للطعون التي تم تقديمها من طرف بعض المرشحين الخاسرين».
وتابع الفاضل تقييمه للانتخابات قائلاً: «لم تتقدم المعارضة للرأي العام بأدلة قوية على حدوث عمليات تزوير يمكن القول بأنها أثرت بشكل جوهري على نتائج الانتخابات، ولم يتوصل المراقبون الدوليون إلى خروقات من شأنها أن تؤثر بشكل جوهري على نتائج الانتخابات، و الشيء نفسه حصل مع المراقبين الوطنيين، الذين ليسوا هم بأقرب إلى الموالاة من المعارضة، ومع هذا أشادت دول عديدة بانتخابات 22 يونيو وهنأ العديد من رؤساء العالم المرشح الفائز، فبأي منطق تقرر المعارضة على أساسه ألا تعترف بنتائج 22 يونيو؟
وذهب إلى أن كثيرين يرون «أن المعارضة على استعداد كامل للاعتراف بالنتائج ولكن مقابل ثمن سياسي، وأنها تنتظر تنصيب الرئيس المنتخب حتى تحاوره وتفاوضه من أجل الحصول على مكاسب سياسية مقابل الاعتراف بشرعيته، متسائلاً عن «أي صفة ستفاوض المعارضة الرئيس المنتخب على أساسها ما دامت لم تعترف بفوزه ولا برئاسته؟
«ليس من مصلحة المعارضة، يضيف الفاضل، أن تتمادى في موقفها الرافض للاعتراف بنتائج الانتخابات، ولا يليق بهذه المعارضة أن تطلب ثمناً سياسياً مقابل اعترافها بالنتائج، فمثل ذلك سيظهرها وكأنها معارضة مصالح، من قبل أن تكون معارضة وطنية تضع مصالح الوطن العليا فوق مصالحها الضيقة والآنية».
وتحت عنوان «انتصار من أجل أي مستقبل؟»، كتبت أسبوعية «القلم»، أعرق الصحف الموريتانية، مقالاً افتتاحياً تقييمياً للانتخابات، أكدت فيه «أن الرئيس المنصرف محمد ولد عبد العزيز سيترك لخلفه تركة بالغة الثقل: قطاعات اجتماعية ميتة، وبطالة مستفحلة، ومديونية ثقيلة، ونسيجاً اجتماعياً مفككاً، ووضعية سياسية متأزمة، واقتصاداً منهوكاً».
وأضافت: «هل سيتمكن ولد الغزواني من رتق هذا الفتق الكبير؟ «إن عليه أن يتقن تسيير مرحلة ما بعد الانتخابات، وذلك بالابتعاد عن الانجراف في أزمة سياسية لا نهاية لها كما فعل سلفه، وبإطلاق حوار حقيقي ينبثق عن انتخابات نيابية وبلدية مسبقة ومجمع عليها، مع إدخال المعارضة في حكومة وحدة وطنية موسعة لمن منها يرغب في ذلك».
وختمت الصحيفة تقول: «إن على ولد الغزواني ألا يتجاهل بأن نجاحه التقليدي المبرمج والمعجل قد يكون شبه عين لإعصار عليه أن يتجنبه قبل فوات الأوان».
القدس العربي