لم تتقدم حتى أمس الثلاثاء مبادرة الحوار التي أعلن عنها قبل أسبوع بين المعارضة ونظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز، الذي يمر حالياً بأسبوع حكمه قبل الأخير.
وكان الحقوقي بيرام ولد الداه، الثاني في سباق الرئاسة، قد فاجأ الرأي العام قبل أيام بلقاء مع رئيس الحزب الحاكم سيدنا علي محمد خونه، أعلن في ختامه عن انطلاقة حوار بين النظام والمعارضة وعن تشكيل لجنة لتحرير وثيقة تتضمن النقاط التي تقترح المعارضة نقاشها مع السلطة.
وأكد رئيس الحزب الحاكم، في رد على تصريحات ولد الداه، «أن السلطات مستعدة للحوار وسترد دون تأخير على وثيقة المعارضة».
غير أن أطرافاً مهمة في المعارضة الموريتانية اعترضت على محاورة المعارضة لنظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز لأسباب، منها أنه على وشك الانصراف، ومنها عدم ثقتهم في حواراته؛ فقد أعلن كان حاميدو بابا، الرابع في السباق الرئاسي، «أنه لم يكن على علم باللقاء الذي تم مع رئيس الحزب الحاكم».
وأكد حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (محسوب على جماعة الإخوان) أنه وهو يتابع المشهد السياسي وما يدور فيه هذه الأيام من حديث عن الحوار بين المعارضة والنظام، يؤكد «أنه لم يُدع ولم يشارك في أي آلية للحوار مع النظام، وأن التجارب السابقة مع حزب النظام المنتهية ولايته لا تدعو للتفاؤل في أي حوار يشرف عليه».
وأكد حزب التجمع، أكبر الأحزاب المعارضة الممثلة في البرلمان، تمسكه مع ذلك، بالحوار سبيلاً إلى حل الخلافات السياسية، وحرصه على وحدة المعارضة وتماسكها».
واتهم المرشح للرئاسيات الموريتانية، بيرام الداه أعبيد، المتحمس للحوار، «أطرافاً غير رسمية في النظام الحالي بالتسلل لمعسكرات المعارضة لعرقلة الحوار الذي بلغ مراحل متقدمة».
وأكد ولد أعبيد في مؤتمر صحافي أخير له «أن معاناة الشعب الموريتاني تتطلب إيجاد حلول سريعة نظراً لخطورة مواصلة موريتانيا في هذا الطريق وسط عدم مبالاة الأطراف السياسية»، مشيراً إلى أن «النظام اتصل به وأعلن استعداده للحوار مع مرشحي المعارضة وليس التشاور وحده»، حسب تعبيره.
ونبه ولد أعبيد إلى أنه «لا يريد محاورة السلطة بمفرده، وأنه أبلغ المرشحين باستعداد النظام للحوار مع المعارضة، لكنه سمع أن بعضهم أعلن عدم علمه بالحوار والبعض رفضه»، محذراً «من محاولة أطراف في النظام تمثل جانبه المتعفن»، حسب تعبيره.
ودعا ولد أعبيد «المرشحين بزيادة اليقظة والضغط على النظام لوضعه أمام مسؤوليته لتقوية اللحمة الوطنية».
وأكد ولد اعبيد «أن المجلس الدستوري أغلق الحل القانوني أمامهم، وأن النزول للشارع كارثي وخطير وأنه لم يبق إلا الحوار سبيلاً لحل الأزمة المستفحلة».
وفي تعليق لها على الحوار المثار حالياً، أكدت حركة «نستطيع» الشبابية المعارضة «أن المطلوب من المعارضة اليوم ليس بالأمر الهين بتاتاً، إذ إنه عليها عدم تعقيد الموقف الذي ينعكس على حياة الناس سلباً في حال التوجه للخصام، كما أن عليها الدفع في اتجاه تجاوز الراديكالية المفرطة، وأن تقدم طرحاً يناسب تطلع الشارع».
وأضافت الحركة التي يتنامى وزنها في المشهد المحلي، والتي يتولى رئاستها الإعلامي البارز الربيع إدوم: «بالتزامن، على المعارضة أيضاً ألا تترك الحذر والحزم، وألا تبتلع المواقف التي لا يمكن ابتلاعها تحت ضغط المتغيرات وإملاءات الخروج من عنق الزجاجة الذي تورطت فيه لـ 10 سنوات».
«إن تحويل المأزق الى فرصة، تضيف الحركة، وتحويل أسباب الأزمة إلى دوافع للحل، هو مهمة الموهوبين والمحترفين، أما انتظار المفاجآت وتفضيل التمركز في انتظار التعليق على الطرف الآخر فهو من أعمال الحالمين والعجزة».
وضمن المواقف المعلنة من الحوار، أكد وزير الإعلام السابق المحامي محمد ولد أمين «أنه يدعم مشروع الحوار الوطني»، وقال: «أتمنى أن يشارك الأستاذ بيرام الداه اعبيد في موريتانيا الرغد المشترك والسكينة الكاملة، وأعتقد أن أحسن خدمة يمكن تقديمها لشعب موريتانيا هي إشاعة جو جديد من الهدوء كي تلتقط موريتانيا انفاسها وتتمتع بمركز تفاوضي مريح إزاء شركات النفط العملاقة».
وأضاف: «إن دخول بيرام للمطبخ السياسي أمر جلل عظيم سيلقي بظلاله إيجابياً على مستقبل موريتانيا، فهذا التيار الفكري حداثي مستنير يحمل قيم العصر من مساواة وإنسانية، وليس الجيل المنكفئ المتحسر على ماضي الظلمات، فكل توجه حداثي تمديني سيكونون الدافع له وبقوة كبيرة».
وزاد المحامي أمين: «لا ضير إذا اضطلع ولد بوبكر والأخوان ومن على شاكلتهم بدور المعارض المراقب للأحداث، ويجب تشجيعهم على البقاء هناك؛ لا ضير في ذلك، لكن بيرام ومحمد مولود وكان بابا حاميدو، فقد أكملوا نعتمهم على المعارضة وصار لزاماً عليهم تغيير الموقع نحو المشاركة الفعالة».
وخلص المحامي ولد أمين للقول: «كلي ثقة أن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني سيستعين بكل أبناء موريتانيا؛ فقد انتخبناه للتصالح العام وللتفرغ للنهضة وسندعمه في تنفيذ برنامجه الطموح».
ويرى مراقبون للشأن السياسي الموريتاني «أن مرشحي الرئاسة المهزومين الذين حصلوا جماعياً على نسبة 48% من أصوات الناخبين يرون أن الأزمة التي تمر بها موريتانيا منذ سنوات، والتي زادتها الانتخابات الرئاسية الأخيرة تعقداً حسب نظرهم، تتطلب حواراً وطنياً عاجلاً بينهم مع الرئيس المنتخب للاتفاق على حلول تنفذها الحكومة المرتقب تشكيلها من الموالاة أو من حكومة وحدة وطنية مشتركة بين الموالاة والمعارضة».
ورغم وجاهة هذا التحليل، فإن الشأن السياسي الموريتاني كله ينتظر السياسات التي سينتهجها الرئيس المنتخب محمد ولد الشيخ الغزواني والتي يحتار كثيرون في توجهاتها وأنماطها.