تدور في هذه الأيام تهجمات غير مبررة على المحاظر الموريتانية وتبخيسات مستهتِرة بمكانتها العلمية رغم دورها المحوري في تاريخ بلادنا وحاضرها جيلا بعد جيل.
هذا وسعياً منّا للإسهام بموضوعية في واجب التصدي للهجوم على المحضرة بل ورغبة في إظهار مزاياها العظيمة كرافد جوهري من روافد الهوية الأصيلة للأمة والمجتمع الموريتاني عبر القرون، فقد ارتأينا نشر هذت المقال الذي يلقي الضوء على الدور التربوي الهام للمحضرة فضلاً عن دورها التحصيني الوقائي من التطرّف والغلو وما يتأتى عنهما من مخاطر جمة على الفرد والمجتمع.
بدايةً، يجدر التذكير بأن هذا المقال يستنسخ فحوى أبرز نقاط المحاضرة التي كان لي شرف إلقائها في إطار الأنشطة الثقافية لمهرجان المدن القديمة المنظم من طرف وزارة الثقاقة في ولاتة بنسخته الثامنة في الفترة ١٢ إلى ١٨ ربيع الأول ١٤٤٠هـ الموافق للفترة من ٢٠ إلى ٢٦ نوفمبر ٢٠١٨م هذا وقد ارتأيت أن يكون تناول الموضوع مرتكزاً على المحاور الثلاثة التالية:
المحور الأول : توطئة مفاهيمية
المحور الثاني : الدور الوقائي للمحضرة
المحور الثالث : مقترحات عملية لتفعيل وتحيين الدور الوقائي للمحضرة في بلادنا وعمقها الإقليمي.
تــوطــئـة مفاهيمية
ثمة ثلاث عبارات أو مفاهيم تضمنها العنوان يتعيّن الوقوف عليها ولو بعجالة بغرض إجلاء مضمونها وتحديد المقصود بها مع الإشارة لبعض الترابطات الإدراكية.
أولاً مفهوم المحاضر (المحاظر)
إن كلمة "محاظر" أو على الأصح والأفصح لغوياً كلمة محاضر هي جمع محضرة ونقصد بها تحديدا تلك المؤسسات التربوية العريقة التي تعنى بالتعليم الأصلي خاصة للراشدين وفي هذا التخصيص المفاهيمي تمييز للمحضرة بالمعنى الأصيل عن الكتاتيب أو بيوتات التعليم للصغار (في مرحلة التهجي وحفظ ما تيسر من القرآن الكريم ..). على هذا الأساس يمكن القول إن المدارس المتعلقة بالتعليم الأصلي للصغار في مرحلة ما قبل بلوغ سن الرشد لا تدخل في تعريفنا للمحضرة كما أدركناها وكما عايشنا دورها على الأرض في تعليم البالغين أساساً. في هذا السياق رغم وجود تعريفات عديدة للمحضرة إلا أننا نـرجّح الاكتفاء بالمعنى الذي يحيل إلى كون المحضرة هي في الأصل مكان الحضور لأخذ العلم وأدبه وسمته . بعبارة أخرى يمكن تعريف المحضرة بأنها مؤسسة تربوية مفتوحة للراشدين (المكلفين ) و يرتكز نشاطها على علوم العقيدة والشرع والتصوف بالإضافة لما يسمى علوم الآلة وهي اللغة والمنطق والحساب والفلك ..ونحو ذلك.
ينسجم هذا التعريف مع التوصيفات التليدة التي قدمها ويقدمها آباء المحضزة عند حديثهم عن نشاطها وبرامجها
الأولوية تماما كما ورد في نصيحة الشيخ االعلاّمة الجليل محمدن فال بن متالي حيث يشبر إلى ضرورة احترام مسطرة المحضرة في الترتيب المنهجي كمايلي:
وقدم الأهم إن العلم جم
والعلم ضيق زار أوطيف ألم
أولّه عقيدة ثم فروع
تصوف وآلة بها الشروع
ثانيا: الوقاية من التطرّف
تحيلنا هذه العبارة إلى التذكير بحقيقة أن الوقاية من الشيء تقتضي استباقه بالآليات والإجراءات الضرورية لتجنب حصوله. أما مفهوم التطرّف فهو بمعناه العام الميول بغلظة وجلافة لتصرفات حدية تنتهك روح الاعتدال وتُجافي قيم التوسط في الأمور. وقد تتجلى تلك التصرفات الحدية في أعمال عنف أو في المواقف الموغلة في التشدد وعدم الاستعداد للتعايش مع الآخر.
باعتبار طبيعة نشاطها التربوي ومنهجيتها الوسطية يمكن العمل على جعل المحظرة تقوم بدور جوهري في الوقاية من التطرّف ضمن مقاربة متكاملة ، متعددة الروافد سبيلاً إلى تدعيم تميز بلادنا في مسارات اكتساب القدرة على دحض خطاب الغلو في الدين و التصدي لإرهاصات التطرّف العنيف قبل استفحالها. هذا ويتطلب الرصد التوقعي لظاهرة التطرّف استحضار مجمل معطيات الماضي والحاضر في مسار التشكل للميولات التطرفية منذ بوادرها الأولى ومعالجتها بالتي هي أحسن قبل انتقالها إلى مرحلة الشحناء الضارة بسكينة المجتمع وانسجامه. غني عن القول بأن ظاهرة التطرّف هي ظاهرة متعددة الأبعاد والأسباب لكننا هنا نقصد ذلك النوع من التطرّف الذي يمكن للمحضرة أن تلعب دوراً حيويا ً في كبح جماحه. إنه بالتحديد ذلك الصنف من التطرّف الذي يحاول أخذ لبوس ديني لتحقيق مآرب سياسوية أو حتى " إرهابية " كمحاولة تبرير أعمال عنف لا تنسجم إطلاقاً مع مقاصد الشرع الحنيف وقيمه السامية. وللتوضيح أكثر نشير إلى أن أقرب المفاهيم لظاهرة التطرّف هو مفهوم الغلو الذي ورد ذمه في كتاب الله عزوجل قال تعالى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ﴾ [النساء: 171].
والغلو كما التطرف يحمل في معناه مجاوزة الحدود المستساغة شرعاً وعرفاً ومن مظاهره الفجّة التنطع باسم الدين رياءً واعتداءً. هذا ويُستخدم مفهرم الغلو عملياً للتعبير عن المسلكيات الموغلة في الإفراط والتفريط بعيداً عن روح الحق والعدل من ذلك الغلو في الدين على سبيل المثال لا الحصر ما أورده الإمام القرطبي في تفسيره للآية المذكورة أعلاه حيث يقول : «في قوله تعالى نهي عن الغلوّ. والغلوّ: التجاوز في الحد؛ ومنه غلا السعر يغلو غلاءً..والمشار إليه بالآية –فيما ذكره المفسرون- غلو اليهود في حق سيدنا عيسى عليه السلام حتى قذفوا أمه مريم وغلو النصارى في حقه حتى جعلوه ربًا ..."
نخلص من هذا الإيعاز إلى تأكيد حقيقة أن التطرف ظاهرة قديمة عانت منها كل الأديان. وقد حذّر منه نبي الرحمة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام حين نهى عن التنطع ققد جاء عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ. قَالَهَا ثَلَاثًا» رواه مسلم ((2670
ويظهر التحذير من التطرّف جلياً في قول النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم: "يحمل هذا العلم من كل خلَفٍ عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين"
ثالثاً مفهوم الساحل
تقليدياً يقصد بالساحل المنطقة الجغرافية الشاسعة التي تمتد من شواطئ المحيط الأطلسي غرباً إلى تخوم بحيرة اتشاد شرقاً. وأحيانا تضم بعض التعريفات ماوراء ذلك حتى أريتريا على البحر الأحمر. لكننا هنا نقصد أساساً الساحل الأدنى ( المنطقة الغربية والوسطى) حيث للنفوذ الروحي والمعنوي لبلادنا حضور عبر الثقافة المحضرية والروابط الروحية والأواصر التاريخية المشتركة. أمّا على الصعيد اجيو-ستراتيجي فيجدر التذكير بان فكرة إنشاء منظمة G 5 فكرة موريتانية بالأساس ويعود الفضل فيها لرئيس الجمهورية السيد محمد ولدعبد العزيز ثم لنظرائه في الدول الأربع ( مالي والنيجر وبوركينا فاسو واتشاد) بتبنّيهم إياها في نواكشوط بتاريخ 16فبراير/شباط 2014
وقد جاء تشكيل هذا الإطار الإقليمي كإجابة سامية على حاجة شعوب الساحل لتوحيد جهودها في مواجهة جماعات التطرّف العنيف لاسيما بعد ماحصل من فظائع باسم الدين في جمهورية مالي الشقيقة لدرجة سقوط أجزاء كبيرة من شبه المنطقة في فخ الغلاة المتطرفين. هذا وبحسب عديد الدراسات السوسيولوجية فإن منطقة الساحل تعتبر من أكثر المناطق تعزضًا لاحتمالات الوقوع في مزالق التطرّف نتيجة تضافر عوامل عديدة ومتداخلة لا يتسع المقام للخوض فيها لكن من أهمها غياب الحصانة الفكرية ضد التيارات الراديكالية والشعبوية التي تستغل العاطفة الدينية كمطية لتمرير خطابها وتجنيد مناصرين لها خاصة في فئات الشباب الأقل تعليماً أو من بين أنصاف المتعلمين الذين لم يحظوا بتأطير روحي ولا فهم مقاصدي لأصول وغايات الشرع الحنيف.
الدور الوقائي للمحضرة ضد التطرّف في بلادنا ومحيطها الإقليمي ..
إن بلادنا كما هو الحال في عديد دول المنطقة الإقليمية عانت من ظهور خلايا إرهابية متطرفة توغلت وتغوّلت تدريجيا في فترة من الفترات حتى حاول بعض أفرادها ضرب العاصمة نواكشوط إلا أن الدولة الموريتانية نجحت في ضد تلك الهجمات وتبني مقاربة أمنية وحوارية متكاملة آتت أكلها ونجحت في وضع حد لانتشار رياح التطرّف التي هبت بقوة على المنطقة في العشرية الأولى وحتى أواسط العشرية الثانية من القرن الحالي وكانت قد بلغت أوجها بسقوط تمبكتو سنة ٢٠١٢م بأيدي جماعات متطرفة.
في خضم تلك التحديات الخطيرة كانت موريتانيا ومازالت -الحمد لله- "تعتبر الأقل من حيث استقطاب التنظيمات الإرهابية لمواطنيها بفضل التربية الوسطية للموريتانيين المستمدة من المنهج المحظري المعتدل، فيحسن بموريتانيا أن تستثمر وتشجع اتساع وانتشار المحاظر لأن منهجها هو سر تميز الموريتانيين وهو الحاجز بينهم وبين التشدد والتطرف".
في هذا السياق نؤمن بأن المؤسسة المحضرية تستطيع أن تواصل وتجدد مساهمتها في توفير سياج فكري حصين لوقاية شبابنا ومجتمعنا ومنطقتنا من شرور الفكر المتطرف وتداعياته الخطيرة على الأرض والإنسان.
إنّ الدور الوقائي الذي نؤمن به في حق المحضرة لا يتأتّى إلا بالتأمل في كينونة المحضرة وفهم طبيعة نشاطها ليس ققط من الناحية التربوية المحضة وإنما من زاوية الثقة المكتسبة لدى الساكنة نتيجة القرب من الأهالي والانسجام التام مع الخصوصيات الروحية والثقافية النابعة من هوية المجتمع وتاريخه. ففي إطار نشاطها التربوي والتكافلي الضارب بجذور التاريخ كانت المحضرة عبر القرون بمثابة قلعة تحصين وتحصيل.
وإذا كان مفهوم التحصيل يتعلق أساسا باكتساب علوم الشرع والآلة فإن صنوه أي مفهوم التحصين ذو صلة
خاصة بالعقائد الصحيحة والقيم الروحية الأصيلة التي توفر مناعة ذاتية ضد التطرّف والغلو وشتى مخاطر الانحراف عن الحنفية السمحة. (وخير الدين عند الله الحنفيّة السمحة ) كما جاء في الحديث الصحيح. وإن رسالة المحضرة الأصيلة تنسجم مع هذه السماحة الربانية التي من خلالها استطاعت المساهمة في نشر الإسلام بتواضع ومحبة ورحمة في أجزاء واسعة من الساحل وإفريقيا الغربية.
على هذا الأساس يمكن القول أن الدور الوقائي العام للمحضرة يتجاوز حدود الحماية من التطرّف إلى حماية الفهم الوسطي للدين في منطقة الساحل وغرب إفريقيا حتى قبل بروز الدولة الحديثة.
يجدر التنويه إلى خطورة صنف التطرّف اللائيكي الراديكالي على المجتمع تماما كخطورة صنف التطرّف ذي اللبوس الديني.. ويمكن للمحضرة كحاضنة تربوية ذات نهج وسطي القيام بدور متجدد في الوقاية من ذينك الصنفين في بلادنا وشبه المنطقة . وهذا أمر متاح دون كثير عناء لأن محيط إشعاع المحضرة مشهود بكونه -منذ قرون - يشمل أجزاء واسعة من منطقة الساحل بفضل التأثير الروحي لمشايخ وعلماء ودعاة توارثوا قيم التضحية بالغالي والنفيس في خدمة العلم ونشره.
يشهد لعراقة هذا النفوذ الروحي المحضري القديم والمتجدد كتاب كثيرون نذكر من ذلك للتاريخ ما دوّنه المؤرخ الفرنسي پول مارتي في كتاباته عن الساحل أيام كان مستعمرات فرنسية. كقوله بأن مشايخ المحاضر المنتشرون في المنطقة عبر موريتانيا هم "مؤثرون أقوياء " حسب تعبيره. ثم أضاف واسترسل في القول بأن غالبية المرجعيات الدينية في منطقة الساحل وغرب إفريقيا تابعة روحياً لمشايخ موريتانيين إما مباشرة أو بشكل غير مباشر عبر تلاميذهم أو مريديهم وأتباعهم.
أعتقد أنه رغم ذلك الدور الروحي المشرّف للمحاظر الموريتانية الأصيلة في نشر العلوم بوسطية معروفة إلا أن رياح العولمة والتهجمات "اللائيكية المتطرفة" كما عموم التوغلات الأخرى التي شهدتها المنطقة من تيارات التنطع الديني أثّرت في بعض جوانبها على صورة المحضرة لدى البعض. ولا شك أيضاً أن ضغوط المنافسة مع المدارس النظامية وإكراهات الظروف الاقتصادية كلها عوامل أثرت على منظومة المحضرة وقلّصت من حجم دورها التحصيني للفرد والمجتمع .
وعياً بهذه الحقيقة سنحاول في الفقرة التالية تقديم مقترحات عملية لتفعيل دور المحضرة محلياً وإقليمياً لاستعادة مجدها التليد وضرورة تكيّفها الإيجابي مع معطيات الواقع ومتطلبات العصر.
مقترحات عملية لتفعيل وتحيين الدور الوقائي للمحضرة في بلادنا وعمقها الإقليمي.
إن المحاضر باعتبارها قلاع تحصين وتحصيل تمثل رقما صعبا في كل استراتيجية صادقة لمواجهة التطرّف واقتلاع جذوره واكتساب القدرة على تفكيك خطابه بما يناسب طبيعة المجتمع ويحترم خصوصياته العميقة.
لكن تفعيل دور تلك القلاع يتطلب تحيين وتحديث مناهجها التعليمية وفق مقاربة تُحافظ على الجوهر وفي نفس الوقت تُشجع وتتقبل الابتكار والانفتاح على العصر فكيف يتم ذلك؟
١- تطعيم المنهج المحضري بآليات عصرية تحسن من أدائه على المستوى الأپستملوجي وتقي مرتاديه من التعرض لمنزلقات التطرّف والغلو والتعصب.. ويمكن تصور بعض البرامج الدورية في هذا الاتجاه مع مختصين تربويين أو عبر دورات تكوينية يستفيد منها شيوخ المحضرة وكبار معاونيهم.
٢-العمل على جعل المحضرة ماركة مسجلة باسم الدولة الموريتانية كمنهج تعليمي أصيل ومُتميز.ودعم انتشار هذه "الماركة " إقليمياً في إطار تشجيع الدبلوماسية الموازية.
٣- تشجيع تجذّر ثقافة الحوار الفكري والوسطية الحقيقية في المناهج المحضرية لتكريس قيم الاعتدال وأدب الاختلاف بروح منفتحة مستعدة لتقبل الآخر وفق معايير الحق والعقلانية المنسجمة مع روح الدين الحنيف الذي يقوم على العدل والتـثبت الحقاني وليس على التطرّف والتعصب للباطل.
٤- توسيع دائرة الاحتضان الرسمي للمحاظر ضمن استراتيجية وطنية تُشجع مد الجسور بين التعليم النظامي والتعليم الأصلي. وفي هذا الإطار لا يسعني إلا أن أشيد بالقرار الحكومي الذي صدر بإنشاء محضرة نموذجية على شكل مركز لتكوين وتأهيل العلماء بمدينة اگجوجت عاصمة ولاية انشيري الغرّاء حيث تحتضن أرضها مقامات وأضرحة لعدد كبير من علماء المحضرة الموريتانية الأصيلة.
٥_ يجب -الحفاظ على خصوصيات المحضرة وفي نفس الوقت إخضاع مناهجها التربوية لرقابة رسمية تتوخى الحرص على تكريس الوسطية والاعتدال في التعامل مع النصوص.
٦- نشر ثقافة تسييق النوازل الفقهية والابتعاد عن الإجتزائيّات المنحازة التي تسببتْ في تشكيل صورًًا نمطية تحمل الكثير من الغلو والتعصب لبعض "روايات الآحاد " بل والمبالغة في تقديس بعض المرويات النقلية على حساب الثوابت الجوهرية للرسالة المحمّدية.
٧- العمل على إدخال مواد متعلقة بتقنيات التعامل مع العالم الرقمي وكيفية استكناه المعلومات الصحيحة لتجنب الوقوع في فخ الجماعات المتطرفة التي كثيرا ما تستخدم الشبكة العنكبوتية لاصطياد أو اكتتاب ذوي قابلية التعصب خصوصا من الشباب الممتلئ حماسا والذي لم يتوفر على التحصينات الفكرية التي تجعله مدركاً لثوابت دينه والمصالح العليا لوطنه.
٨- العمل على منهجية تقريب وتقارب مؤصّل بين المواد الشرعية والمواد السوسيولوجية والتاريخيةً وغيرها لمد جسور إدراكية قوية بين العلوم والمعارف وتثمين تكامليـّـتها في خدمة الفرد والمجتمع والبيئة المحيطة.
٩—تفعيل مواد المنطق والتحليل المنهجي في الدروس المحضرية خاصة بالمراحل المتقدمة منها سبيلا إلى تدعيم مناعة التحصين الفكري لمرتادي المحاظر وتعويدهم على التعامل مع مستجدات الحياة بموضوعية وتبصر ومرونة إيجابية.
١٠-العمل على ضبط و وترشيد الحماس الديني في الأوساط المحضرية من خلال تحديث وتحيين مرتكزات الخطاب الديني بحيث نضمن عدم تحول الحماس الزائد إلى التهور والتعصب الماحق. بعبارة أخرى يتعيّن إيجاد آلية تشجع ثقافة الانفتاح الإيجابي بتواضع وعدم استسهال الشتم والسباب فعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سِباب المسلم فسوقٌ، وقتاله كفر).بل حتى المشركين لا ينبغي أبداً سبّ عقائدهم رغم زيغها. قال الله عز وجل : ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم).وقال سبحانه ( أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ..)
في الختام نؤكد بأنه لايوجد بلد في العالم بمعزل عن مخاطر التعرض يوما لرياح التطرّف أوالتعصب الديني لكننا واثقون من أن المؤسسة المحضرية نعمة حبا الله بها هذه البلاد وإنها تستطيع موازاةً -مع إسهامات الأذرع الأخرى للمنظومة التربوية - أن تلعب دورا حيوياً تكامُلياً للقضاء بفاعلية وذكاء على أسباب التطرّف والتي من أهمها الجهل والإلحاد والجمود. ولنا أن نستحضر هنا مقولة شيخنا لمرابط العلامة محمد سالم ولد عدود رحمه الله تعالى حيث يقول :
شكا دين الهدى مما دهاه.. بأيدي ملحدين وجامدينا
شباب يحسبون الدين جهلا.. وشيب يحسبون الجهل دينا.