«القدس العربي»: مع اقتراب الحفلة الدستورية الخاصة بتنصيب الرئيس الموريتاني المنتخب محمد الغزواني المقررة يوم الخميس المقبل، يواصل كبار المدونين الموريتانيين انشغالهم بالسياسات التي سينهجها الرئيس الجديد محمد ولد الغزواني مع استقراءات لمستقبل الرئيس المنصرف محمد ولد عبد العزيز الذي تسري إشاعات كثيرة بأنه قد يبقى حاكماً من خلف الستار.
وفي خضم هذا الانشغال الذي سيطرت تجلياته على اهتمامات المدونين وملأت دهاليز شبكة التواصل، تطرح أسئلة كثيرة محيرة منها: هل سيخرج الرئيس الموريتاني المنصرف بسياساته ورجاله من المشهد بحيث تخلو ساحة الحكم لخلفه الذي تنتظره تركة معقدة وثقيلة؟ أم أنه سيبقى الحاكم الفعلي الذي يحرك الأمور بالريموت كونترول؟ وهل سينهج محمد ولد الغزواني سياسات مبتكرة مختلفة عن سياسات سلفه؟ وما هو الدور الذي سيتولاه محمد ولد عبد العزيز في المرحلة القادمة؟ وهل سيقضي تداول السلطة وإكراهاته على صداقة المحمدين أم إنه سيزيدها قوة ومتانة؟ يرى القيادي الإسلامي محمد جميل منصور، الرئيس السابق لحزب التجمع المحسوب على الإخوان، «أن موريتانيا توجد اليوم أمام تحول وانتقال، مهما بالغ البعض في التوقعات منه أو أصر البعض الآخر، أن الحال كما هو وأن الذي كان ما زال».
وقال: «لا أخفي أنني من الذين يشعرون بالأمل وأتوقع خيراً في المرحلة القادمة مع إدراكي للصعوبات والتحديات وتكلس العقليات هنا وهناك؛ ومن المهم أن ندرك وفي المقدمة منا الرئيس الجديد، أن وضع البلاد يواجه صعوبات حقيقية وأن ملفات، منها القديم ومنها الأقل قدماً، تحتاج جدية في العلاج، اعترافاً بما هو واقع واستعداداً للعلاج والتسوية، بل إن البلاد لم تعد تتحمل مزيداً من التسويف وإضاعة الوقت والحلول الاستعراضية».
وبخصوص الأولويات، أكد ولد منصور «أن أول القضايا وأمها هي الوحدة الوطنية بكافة متعلقاتها ومختلف تجلياتها العرقية والفئوية والحقوقية، بل وحتى المناطقية، ففي هذه البلاد مظالم حقيقية وتهميش باد وغبن لا يختلف عليه اثنان، لذلك أحياناً وجه عنصري، وله أحياناً وجه استعبادي، وله أيضاً أوجه استعلائية وتمييزية، ولا بد من الوقوف عند كل هذا والشروع في سياسة جريئة لتكريس المواطنة المتساوية القائمة على العدل الصارم بما يقتضيه ذلك من مساواة وقسط وإنصاف وتمييز إيجابي استلزمه سابق الحيف والتفاوت في الفرص».
«لقد جربنا، ، تهدئة وإسكات هذه المواضيع بالقوة حيناً وبالحيلة حيناً آخر وظلت قائمة بل ومستفحلة أحياناً ولا حل إلا في عدل حقيقي يحس الجميع أنه توجه لا رجعة فيه».
تطبيع الحياة السياسية
وعن تطبيع الحياة السياسية، أوضح «أنه يجب الانتقال من سياسة الأزمات والصراع إلى سياسة الحوار والمنافسة بوصفها أولوية جدية، ومع أنني، يقول ولد منصور، أعرف أن في الأمر مسؤولية مشتركة بين مختلف الأطراف فإن جزءها الأكبر واقع على الرئيس وفريقه، وهنا مهما كانت مواقف المرشحين المعارضين محل استغراب بالنسبة لي، يلزم أن يرسل رسائل مطمئنة للساحة السياسية أساسها التهدئة والحوار، ذلك هو مزاج الرأي العام وتلك هي المصلحة، والواضح أن الحوار يتركز حول ماذا نفعل وليس حول ماذا فعلنا».
وأضاف: «لا يقتضي الحوار وتطبيع الحياة السياسية الشراكة وتشكيل الحكومات التوافقية، مع أنه لا يلغي ذلك، ولكن المهم هو الانتقال من حالة التلاغي إلى منطق التلاقي».
وزاد قوله: «لا شك أن ورشات ملحة في الانتظار، ولعل من أهمها ملف التعليم الذي يتطلب خطوات علمية وعملية تخف فيها جرعة التسييس وتنافس أصحاب المنطق الإيديولوجي، ومنها ملف الإدارة المحتاجة إلى إصلاح سريع، فبصلاحها يصلح التدبير ويحس المواطن بقيمة الخدمة العامة، ومنها ملف التدبير المالي والاقتصادي تصحيحاً لاختلالات جمة واستعداداً لمرحلة الثروات المتوقعة، ومنها ملفات كثيرة أخرى ليس أقلها أهمية لا مركزية التنمية وتوازنها بين الجهات والولايات».
وعلى الأولويات التي سيجدها الرئيس غزواني على طاولة الرئاسة، وعلى جانب سقف التوقعات المعلقة، كان تركيز الإعلامي البارز هيبة الشيخ سيداتي الذي أكد أن أولويات عدة تتزاحم في مربع الأولوية، لكن أولاها بالاستعجال، وأكثرها ترداداً على ألسنة الناس وأحوالهم، ما يتعلق بالتعايش في هذه البلاد، ومحاربة الظلم والغبن الذي عاشته فئات واسعة من سكانها».
وأضاف: «أما ثانية الأولويات فتتعلق بالتعليم المتدهور الذي يتسلم غزواني سدة الحكم على وقع النتائج الصادمة لعشرات الآلاف الشباب الذين سدت أمامهم المستقبل، تعليماً وتوظيفاً، بفعل التردي في التعليم»؛ مبرزا «أن الأولوية الثالثة هي العدالة في توزيع الثروة، بينما الأولوية الأخيرة، وهي ملاك كل ما سبق وحاضنته، تتعلق بما سماه غزواني في برنامجه «المناخ السياسي الهادئ».
أخطر ما سيواجه الغزواني
وأضاف: «إن أخطر ما سيواجه الغزواني هو سقف التوقع المرتفع، فأغلبيته تتوقع أسلوباً مختلفا يقوم على التشاور والإشراك، ومعارضوه يتوقعون حوارات وهدوءاً، واللاحقون الجدد بأغلبيته ينتظرون إشراكاً وانصافاً، والمواطن ينتظر تخفيضاً لأسعار وتحسيناً لظروفه المعيشة، والشباب ينتظر حلولاً عاجلة تنتشله من البطالة والهجرة».
وخلص الشيخ سيداتي لتأكيد «أن هذه التوقعات المرتفعة ستتزاحم مع الأولويات المذكورة لتشكل ضغطا ًغير مسبوق على الصورة التي ستنطبع عن الرجل في أيام حكمه الأولى، فإن لم يتخذ خطوات سريعة وصارمة لتقديم بدايات حلول خلال المائة يوم الأولى من حكمه ستتبدد الصورة الإيجابية للتوقعات». أما المدون البارز والمحلل السياسي محمد الأمين الفاظل، فقد خصص منبره «أوراق كاشفة» لاستقراء الدور الذي سيتولاه الرئيس المنصرف ولد عبد العزيز في المرحلة القادمة، وهي مسألة تشغل الموريتانيين جميعاً.
وطرح الفاظل أسئلته المحيرة قائلاً: «هل ستبقى للرئيس السابق بعض الأدوار المباشرة أو غير المباشرة في إدارة شؤون البلاد؟ أم أنه سيقبل أو سيجبر على الابتعاد النهائي عن شؤون الحكم، وأن يكون حاله في ذلك كحال بقية الرؤساء السابقين؟».
وأضاف: «يغيب عن كثيرين ممن يتوقعون حضوراً قوياً للرئيس المنصرف خلال المرحلة القادمة، أن الرئيس ولد عبد العزيز سيخرج من السلطة يوم 2 آب/أغسطس 2019 ويداه خاليتان تماماً من أي ورقة ضاغطة يمكن أن يؤثر بها مستقبلاً، لأنه لم يؤسس خلال هذه العشرية نظاماً سياسياً قائماً على نواة صلبة». وبعد مقارنة معطيات وفرضيات عديدة، توصل المحلل إلى «أن الفرضية الأنسب والأصلح لموريتانيا في مثل هذا الوقت هي خروج الرئيس المنتهية ولايته من المشهد السياسي بشكل كامل، وإن هو أصر على ممارسة «حقه» السياسي، فسيكون من حق خصومه السياسيين أن يصروا هم أيضاً على ممارسة حقوقهم السياسية، ومن تلك الحقوق المطالبة بفتح تحقيق شامل حول تسيير شؤون البلاد خلال العشرية الماضية التي حكمها الرجل». وعن مستقبل الرئيس المنصرف، كتب الإعلامي البارز الدكتور الشيخ معاذ: «شخصياً لا أجد ما أكتبه عن الرجل، سوى أنني أتمنى أن يغادر بسلام وأن يترك لخلفه حرية التصرف دون عرقلة ظاهرة أو خفية؛ أتمنى ألا يعود الرجل يوماً للحكم وأن يعيش بسلام مع ثرواته التي كدّسها طيلة عشريته».