لا يليق بالسياسيين الناضجين ولا بالأحزاب السياسية الكبيرة اتخاذ مواقف وقرارات سياسية بلا أفق، ذلك أن القرارات والمواقف التي لا أفق لها سياسيا ستُدخل أصحابها في نفق مربك كانوا في غنى عنه، وربما تدخلهم من بعد ذلك في نفق مسدود قد يستحيل الخروج منه دون كلفة سياسية كبيرة.
ومن المواقف السياسية التي لا أفق لها ذلك الموقف المتسرع الذي اتخذه المترشحون الأربعة من نتائج انتخابات 22 يونيو 2019، وذلك حينما رفضوا الاعتراف بها في الوقت الذي لم يقدموا فيه للرأي العام الوطني أية أدلة مقنعة على حصول تزوير واسع أثر بشكل جوهري على تلك النتائج.
إن هذا الموقف السياسي المتسرع والذي لا أفق له قد أدخل المترشحين الأربعة في وضعية سياسية مربكة جدا، كانوا في غنى عنها، ومن مظاهر ذلك الارتباك يمكننا أن نذكر:
1 ـ أن هذا الموقف المتسرع الرافض لنتائج الانتخابات ودون تقديم أدلة مقنعة على تزوير نتائجها قد أظهر المترشحين الأربعة وكأنهم يؤمنون ببعض الديمقراطية ويكفرون ببعضها، فهم يؤمنون بالانتخابات، ولكنهم يكفرون بنتائج تلك الانتخابات إذا لم تكن في صالحهم.
2 ـ أن هذا الموقف المتسرع الرافض لنتائج الانتخابات أظهر أن المترشحين الأربعة على استعداد للدخول في "صفقة سياسية" مقابل الاعتراف بنتائج الانتخابات وبشرعية الرئيس المنتخب، وهذا أمر خطير جدا. فإذا كانت إرادة الشعب قد تم تزويرها والانقلاب عليها حسب المترشحين الأربعة، فإنه لا يجوز لهؤلاء المترشحين الأربعة ـ ولا لغيرهم ـ تشريع الانقلاب على إرادة الشعب الموريتاني.
إن الاعتراف بنتائج الانتخابات هو "واجب ديمقراطي" على الخسائر أن يؤديه بشكل تلقائي ودون المطالبة بثمن مقابل ذلك الاعتراف، هذا إذا لم تتوفر لديه أدلة قوية على حصول تزوير أثر بشكل جوهري على النتائج، وإذا ما توفرت لديه تلك الأدلة فإن الاعتراف حينها بالنتائج يكون غير مشروع، حتى وإن تم دفع ثمن سياسي مقابل ذلك الاعتراف.
3 ـ أن هذا الموقف المتسرع الرافض لنتائج الانتخابات أوقع المترشحين الأربعة في تناقض بين، فهم وفي الوقت الذي رفضوا فيه الاعتراف بالنتائج، وبشرعية الرئيس المنتخب، قد أعلنوا عن استعدادهم للحوار مع الرئيس المنتخب من بعد تنصيبه، فبأي صفة سيحاورونه من بعد التنصيب؟
لقد أصبح من الواضح جدا بأن موقف المترشحين الأربعة من الانتخابات كان موقفا بلا أفق سياسي، وربما يكون ذلك هو السبب الذي جعل بعض هؤلاء المترشحين يبحث عن مخارج من هذا الموقف المتسرع الذي لا أفق له ، ولقد ظهر أن المخارج كانت أكثر كلفة سياسية من الاعتراف بنتائج الانتخابات.
إن هذا الموقف المتسرع من نتائج الانتخابات هو الذي جعل المرشح الحاصل على الرتبة الثانية يحاور وزيرا في حكومة تعيش أيامها الأخيرة، أو إن شئتم يحاور رئيسا مؤقتا للجنة تسيير حزب الاتحاد من أجل الجمهورية, وهو الذي جعل أيضا المرشح الحاصل على الرتبة الرابعة يلتقي سرا أو جهرا بالرئيس المنصرف.
فلماذا يتحمس المرشح الحاصل على الرتبة الثانية لحوار مع وزير في حكومة منتهية الصلاحية؟ ولماذا يسارع المرشح الحاصل على الرتبة الرابعة إلى لقاء رئيس منصرف لم يعرف عنه في عشريته بأنه كان متحمسا للقاء بمعارضيه؟
إن المسؤول عن انتخابات 22 يونيو هو الرئيس المنصرف، وإذا ما كان هناك تزوير فمسؤوليته يجب أن تحمل للرئيس المنصرف، أما الرئيس المنتخب فلا نستطيع أن نحاسبه الآن إلا من خلال حملته الانتخابية، ولا خلاف على أنه خلال تلك الحملة ظل يتحدث عن منافسيه باحترام كبير، لم يكن معهودا في الحملات الانتخابية، أما محاسبته كرئيس للجمهورية فيجب أن لا نبدأ فيها إلا من بعد التنصيب وأداء القسم.
فبأي منطق يسارع بعض المترشحين لفتح قنوات اتصال بحكومة منتهية الصلاحية وبرئيس منصرف، وذلك في وقت يرفضون فيه الاعتراف بشرعية رئيس منتخب تعامل معهم في حملته الانتخابية بأسلوب في غاية الاحترام وغير معهود لدى المترشحين المحسوبين على الأنظمة الحاكمة؟
كنا ننتظر من المرشحين الأربعة أن يبعثوا في الأيام الماضية برسائل طمأنة إلى الرئيس المنتخب، وذلك في انتظار تنصيبه وتسلمه لمهامه كرئيس للجمهورية، وحينها سيكون بالإمكان محاسبته كرئيس، وكنا ننتظر منهم أن يديروا ظهورهم للرئيس المنصرف والذي كانوا قد جربوه خلال عقد كامل، فإذا بالعكس هو الذي يحصل.
كم أتمنى أن يحضر المترشحون الأربعة لحفل تنصيب الرئيس المنتخب، فمثل ذلك سيكون بمثابة مخرج ذكي من الموقف المتسرع الذي اتخذوه من نتائج انتخابات 22 يونيو 2019. ومثل ذلك الحضور قد يبعث أملا في إمكانية حصول تغير جوهري في طبيعة العلاقة بين الرئيس المنتخب ومعارضته، فموريتانيا تحتاج اليوم إلى علاقة بين الرئيس المنتخب ومعارضته تختلف تماما عن تلك العلاقة التي كانت قائمة خلال العشرية الماضية بين الرئيس المنصرف ومعارضته.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل