تدخل موريتانيا، اليوم الإثنين، مرحلة جديدة من تاريخها، حيث تبدأ، اليوم، المشاورات السياسية لتشكيل أول حكومة للرئيس المنتخب محمد ولد الغزواني الذي تسلم مهامه الرئاسية، الخميس الماضي.
وقد كلف الرئيس غزواني، مساء السبت، إسماعيل ابده الشيخ سيديا، وهو وزير سابق في نظام الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، بتشكيل هذه الحكومة، وهو ما أثار انتقادات هنا وهناك.
ويتوقع ألا يأخذ تشكيل الحكومة الجديدة وقتاً طويلاً، كون أعضائها محددين منذ عدة أيام؛ وحسب مصادر الرئاسة، فإن الحكومة المنتظرة ستكون حكومة كفاءات بالأساس، وسيراعى في تشكيلتها أسلوب المحاصصة العرقية والجهوية القائم على توازن سياسي داخلي لم يحد عنه الرؤساء السابقون.
وبينما يضع الرئيس الجديد الذي فاز بـ52% من أصوات الموريتانيين في انتخابات يونيو الماضي، قدمه على أول درجات سلم الرئاسة، تدفقت صوبه الإرشادات والنصائح من كبار الساسة ونشطاء التدوين، كما انتقد الطامحون للتغيير من خصوم سلفه ولد عبد العزيز، قراره بتعيين الوزير إسماعيل الشيخ سيديا على رأس الحكومة كونه من الوزراء الذين خدموا طويلاً مع ولد عبد العزيز.
ونشرت إلى جانب انتقادات هذا التعيين تدوينات مرحبة بتسمية ولد الشيخ سيديا على رأس الحكومة، ذكرت الجميع بأنه خدم مع النظام السابق لكنه انفصل عنه قبل سنوات.
مساحات للإعمار
وفي مقال مطول تحت عنوان «مساحات سياسية للإعمار»، دعا النائب، الخليل النحوي، «الموريتانيين للعمل بجد من أجل غرس ثقافة سياسية مختلفة، نبتعد بها أكثر فأكثر، حسب قوله، من ثقافة «أنا أو الطوفان» (وقد خطونا خطوات مقدرة في أكثر من مرحلة على هذا الطريق)، ونخرج بها من الثنائيات الحدية الصارمة، ثنائيات الخيار بين الأبيض والأسود، بين الكل والعدم، بين «التأييد المطلق» و»التنديد المطلق»، بين «بداية التاريخ»، و»نهاية التاريخ».
وأضاف: «هناك، إذاً، مساحات واسعة بين الحد والحد، نحتاج إلى أن نستكشفها برؤية واضحة، ونسير فيها بحركة راشدة، ونعمرها بعمل مشترك، فنؤازر أمناء ناصحين، ونعارض أمناء منصفين، ونعمل معاً في كبريات الشأن المشترك، مهما اختلفت رؤانا واجتهاداتنا الفرعية».
«وفي هذه المساحات، يضيف النائب النحوي، من حق أي حاكم جديد لم يُجَرَّبْ بعدُ في إدارة شؤون البلاد، ولم يضبط متلبساً بالجرم المشهود، ألا تُسلط عليه عصا الأحكام المسبقة، أو يُشهَر في وجهه سيف المواقف الحدية العجلى؛ فمن حقه أن يمنح فرصة مناسبة لخوض الامتحان العسير، امتحان تقليص الهوة بين الوعد والإنجاز، وأن يعان على ما يريد من خير، فيؤازَر فيما هو صواب بصدق ونزاهة، ويُحجَزَ عن سواه، فيعارَض فيما هو خطأ بصدق وموضوعية، ويقتضي ذلك ألا نشيطنه قبل أن نختبره، وألا نؤلهه مهما عمل من خير، وألا نتخلف عنه إن أراد أن يتحرك بنا إلى خير، ولنا من بعد أن ننظر فنحكم له أو عليه».
وفي تدوينة بعنوان «مشاكل غزواني»، كتب الدكتور أبو العباس إبراهام:
«لا أقولُ إنّ غزواني أضاع، ولكنّه فوّت إلى حدِّ الآن فُرصاً تاريخيّة، أولاً: فشِل في القيام بجهد لإشراك المعارضة في مراسيم تنصيبِه، واستخدام ذلك كعقد سياسي جديد. ثانياً: فشِل في الاستفادة من اليد الممدودة لحركة «إيرا» (ناشطة في مجال محاربة الرق). ثالثاً: صحيحٌ أنه نجحَ في تغيير تقليد المحاصصة في الوزارة الأولى، ولكنّه كان فيه مكرَهاً لا بطلاً، ولذا فإنّه فشل في تغييرِه من شكلِه الجهوي إلى أشكال تمثيليّة أخرى؛ واقِع الأمر أنّه لم يبدُ حكيماً فيما سبق، بل وبدا تقليدياً في ممارسة الحُكم».
حزب وانتخابات
«والآن، يضيف الدكتور أبو العباس لننظُر في مشاكِل الشعبيّة والمحاصصة التي نعتقِدُ أنّها ستزيد في هذه التقليد(انـ)يّة، أولاً: غزواني ينعم بمباركة شعبية كبيرة، ولكنّها ليست مباركة وطنيّة، بل هي مبايعة على الإشراك، ولهذه الأسباب فإنه سيحتاجُ إلى حِزب دولة وانتخابات بلدية وبرلمانيّة؛ إنّه لا يستطيع إشراك كلّ هذه الكُتل في الوظيفة العموميّة، ولذا فسيتعيّن عليه خلق مناصِب انتخابيّة وسياسيّة ليُسكِتَ بها أفواه الجائِعين».
وقال: «فيما يتعلّق بالبرلمان فإنّ غزواني سيخوضُ حرباً لإعادة السياسة للبرلمان وإنقاذِه من غزو السماسِرة وإعادتِه للسياسيين وتزكيتِهم فيه وإعادة بناء العقد السياسي بين الدولة والمجموعات الأهلية، وهكذا نرى أنّ الثمن الذي سيدفعُه غزواني من أجل الاستقرار السياسي هو ثمنٌ باهِظ وخطِر وتقليدي، وسيُنتِجُ نظاماً ليس محبوباً شعبياً، وبالأخصِّ من الوطنيين والشباب، ولكن مستقر نِسبياً ونَسَبياً».
وتساءل حبيب الله ولد أحمد، أحد أكبر المدونين الموريتانيين، عما إذا كان الوزير الأول الجديد إسماعيل أبده، قادراً على حل بعض المشاكل؟
وعلق على التعيين قائلاً «إن ميكانزمات حكم عزيز ما تزال شاخصة حتى الآن، وليس بمقدور غزواني في الأفق المنظور التخلص منها وهي نفسها التي عطلت خبرات إسماعيل وفرملت جهوده الإصلاحية».
وعاد المدون لاستقراء الوظائف التي شغلها ولد الشيخ سيديا سابقاً، فقال: «اتركوا خبرته ومكانته الاجتماعية وتاريخه السياسي وعلاقته بغزواني جانباً، ولنتحدث عن تجربته الثلاثية الأبعاد في ملف الأحياء العشوائية وإعمار الطينطان والمنطقة الحرة، فهل كانت تجربة مشجعة؟».
وقال: «لم ينجح ولد الشيخ سيديا في حل مشكلة الأحياء العشوائية بل حولها إلى بؤر صراعات أهلية ولم يستطع منع النافذين من الاستحواذ على أجمل القطع الأرضية وأهمها وأكثرها قيمة إستراتيجية على حساب عامة الناس الذين بقيت لهم الأطراف القصية المعزولة الهامشية، وفي الطينطان تعثرت جهود الإعمار وانقشع غبارها عن نقطة استفهام كبرى حول مصير عشرات الملايين من التمويلات التي لم تترك أثراً على الأرض، أما منطقة نواذيبو الحرة، يضيف الكاتب، فقد ظهر مع مرور الوقت أنها كانت مجرد مشروع تشغيل لبطانة الرئيس عزيز ونفخ رجال أعمال مقربين منه ولم تكن نموذجاً يحتذى في النهوض بالاقتصاد الوطني».
البعد عن الإصلاح
واستغربت صحيفة «العلم» المستقلة من «تعيين إسماعيل ولد بده ولد الشيخ سيديا رئيساً لحكومة عهد ما بعد ولد عبد العزيز الذي يتطلع فيه الشعب الموريتاني إلى الإصلاح والتغيير»، مضيفة «أن الوزير الأول الجديد يملك خبرات وكفاءات ليست محل الطعن إلا أنه عمل سنوات في حكومة ولد عبد العزيز المدجنة».
وأضافت الصحيفة: «لم تعرف عن رئيس الوزراء الجديد أفكار إصلاحية ولا مدنية بمستوى تعليمه، كما لا تعرف عنه قوة الشخصية والنفوذ، الأمر الذي يعطي الانطباع بأن هذا رئيس الوزراء قد لا يكون مكملاً للرئيس في كثير من القضايا، خاصة إذا تعلق الأمر بضرورة التعاطي مع الإصلاح أو التعرض لمصالح ولد عبد العزيز».
«ويبقي السؤال المطروح، تضيف العلم، هو كيف ستكون الحكومة؟ هل ستكون حكومة محاصصة أي سياسية وجهوية؟ أم حكومة تكنوقراطية؟ وهل للإصلاح فيها حظ؟؛ وعلى كل حال، يبدو أن ظلال استمرار النهج هو الإطار العام لحكومة غزواني وذلك غير مطمئن على مستقبل موريتانيا».
« القدس العربي»