على رغم المؤشرات الاقتصادية الإيجابية نسبياً والمسجلة في موريتانيا بدءاً من عام 2012، فإن التقارير الأخيرة الصادرة عن الشركة الفرنسية لضمان صادرات التجارة الخارجية «كوفاس»، وكذلك عن البنك الدولي بخصوص اقتصاد موريتانيا، لا تزال تشوبها تساؤلات. فخبراء هاتين المؤسستين اللتين تتابعان عن كثب التطور الاقتصادي والاجتماعي وحتى السياسي في هذا البلد المغاربي والأفريقي على حد سواء، يعتبرون أن حظوظه في تحقيق الأهداف المحددة ضمن إطار ما يسمى بـ «الألفية للتنمية» (أو إم دي) لهذا العام، لا تبدو متوافرة.
من ناحية أخرى يصح القول أن الدولة بذلت جهوداً جدية من أجل ذلك، ما انعكس إيجاباً على صعيد التربية والحفاظ على معدلات نمو بحدود 6،8 في المئة في 2013 و2014، والتي من المتوقع أن تبقى في هذه الحدود بنهاية العام الحالي. ومن العناصر الإيجابية الأخرى التي أشارت إليها هذه التقارير، انخفاض مستويات التضخم بدءاً من عام 2010 والتي من المتوقع أن تستقر إلى ما دون 5 في المئة هذه السنة، بسبب تدني أسعار المواد الغذائية، ما يعتبر مهماً بالنسبة لبلد تصل فيه نسبة الفقر إلى 42 في المئة. هذا المعدل الذي يبقى مع ذلك بعيداً من الهدف المعلن والمحدد بـ25 في المئة بنهاية السنة. كما أن حصة اليد العاملة الضعيفة تساوي 53 في المئة، ما يعتبره الخبراء مقلقاً.
وفي مطلق الأحوال، وعلى رغم التحديات البنيوية التي تواجه موريتانيا التي لا تملك عائداتٍ نفطية أو غازية (على رغم بوادر لاكتشافات جديدة)، أو سياحية وحتى على مستوى تنوع صادراتها على غرار أشقائها في دول اتحاد المغرب العربي، يرحب التقرير الصادر عن البنك الدولي بإعادة التوازن الحاصل على صعيد تركيبة النفقات العامة. كذلك بالنسبة لنفقات الاستثمار في البنى التحتية الرئيسة. وفي التوجه ذاته يركز التقرير على الثروات المتجددة التي اكتشفتها البلاد أخيراً والتي باتت تمثل ثلثي الثروات الطبيعية، والتي من الممكن في حال إدارتها جيداً تأمين تدفق للمداخيل الثابتة وبالتالي تسمح بتحسين الأوضاع المعيشية للأجيال المقبلة.
هذه المؤشرات تدل على بروز دينامية شبه منتظمة لم تكن موجودة في السابق. فباستثناء معدل النمو المقبول المسجل، يسير الكثير من القطاعات على الطريق الصحيح، منها على سبيل المثال، مناجم الحديد الجديدة التي عززت وضع هذا القطاع. كذلك الظروف المناخية الملائمة في السنوات الأخيرة التي محت الآثار السلبية لمواسم الجفاف التي ضربت البلاد. هذه العوامل الإيجابية التي يضاف إليها تأثير اتفاق الصيد البحري الموقع مع الاتحاد الأوروبي عام 2013 والذي من المتوقع أن يزيد المردود إلى أكثر من 16 في المئة بنهاية السنة.
في هذا الإطار بحثت «كوفاس» في نقاشاتها المغلقة المخصصة لموريتانيا، نقاط القوة الاقتصادية التي بات هذا البلد يراهن عليها، وتمحورت هذه النقاشات والاستنتاجات حول دعم المانحين سواء من الدول أو المنظمات العالمية، وأيضاً حول المداخيل المتوقعة في السنوات المقبلة من الثروات المعدنية والصيد البحري، إضافة إلى الآفاق الناجمة عن تطور إنتاجية قطاع الطاقة كالبترول والغاز والطاقات المتجددة. في هذا السياق يذكر أن الصين وأوروبا لم تعودا الوحيدتين اللتين تحتلان الصدارة، بل هناك دول أخرى تبدي اهتماماً بالاقتصاد الموريتاني. ومن أبرز النقاط الإيجابية المهمة، انخفاض معدل الدَين الخارجي الذي تدنى من 87،2 في المئة عام 2012 ليصل إلى 57 في المئة بنهاية 2014، والذي من المتوقع أن ينخفض ليصل إلى حدود 52 في المئة.
وإذا كانت موريتانيا تشهد نمواً تدريجياً، فإن تحديات أساسية كثيرة لا تزال موجودة على المديين المتوسط والبعيد. وفي هذا الإطار لا يزال القطاع الخاص في طليعة المعوقات خصوصاً بالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة. إلى ذلك، يضاف الخطر الدائم من حدوث حالة من عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي وحتى الأمني، على رغم أن الانتخابات التي جرت في 21 حزيران (يونيو) 2014 والتي انتخب على أساسها محمد ولد عبدالعزيز رئيساً لخمس سنوات بنسبة أصوات وصلت إلى 82 في المئة، من خلال اقتراع قاطعته أبرز قوى المعارضة، إلا أن هذه الانتخابات التي وصفتها الهيئات الأجنبية المراقبة بالشفافة إلى حد كبير، سمحت بإرساء شرعيته بعد الانقلاب الذي قام به عام 2008.
من جهة أخرى، فإن أبرز التحديات هي الاختراقات التي تحدث على الحدود وتدفق اللاجئين الأفارقة، ما يعقد الوضع الاقتصادي غير المتنوع والمرتبط بالمواد الأولية مثل الحديد والنحاس والذهب والكوارتز والفوسفات وتربية الأسماك.
وفي خضم هذا النمو وهذه التحديات في السنتين الأخيرتين، يجمع المراقبون سواء على مستوى خبراء المؤسسات المالية المتابعة للوضع في موريتانيا، أو الدول المتعاملة معها عن كثب، على أن الرئيس الحالي نجح في تسجيل مزيد من النقاط على صعيد الحكم، أبرزها محاربة الرشاوى والإرهاب وخفض الدين ومعدلات الفقر. تضاف إلى ذلك، الإدارة المتشددة على مستوى النفقات العامة وأيضاً زيادة الأجور، ما خفف الاحتجاجات الاجتماعية وسحب البساط من تحت أقدام المعارضة ولو جزئياً. لكن يبقى عليه أن يجد التوازن المطلوب بين جارين قويين لهما مصالح استراتيجية متضاربة، أي المغرب والجزائر اللتان تفرضان على