القدس العربي: فوجئ الرأي العام الموريتاني أمس بانشقاق مجموعة من أبرز قادة حزب اتحاد قوى التقدم المعارض، الذي هو حزب اليسار الموريتاني، وهو كذلك أعرق الأحزاب الموريتانية المؤدلجة، وأكثرها تجميعاً للتمثيل العرقي في موريتانيا.
فقد دعت مجموعة المنشقين، وبينهم كادياتا مالك جالو النائب الرابع للرئيس المسؤولة عن المنتخبين، وآلاسان سوماري النائب الخامس المسؤول عن الدراسات والتدريب، والأمين العام للحزب محمد المصطفى ولد بدر الدين وهو وجه سياسي موريتاني مخضرم، في بيان وزعوه أمس، «كافة المناضلين لتحمل مسؤولياتهم التاريخية في إنقاذ الحزب من خلال سد طريق الهروب إلى الأمام لهذه القيادة المهزومة التي تسعى إلى لفت الانتباه عن طريق رفع يافطة الانضباط والانشقاق، لكي تخفي خيانتها لخط الحزب التي تعود لعدة سنوات، وكذلك لإخفاء مسؤوليتها التي لا غبار عليها فيما آلت إليه الوضعية المزرية للحزب والتي تتجسد في النتيجة الانتخابية الكارثية وفي التفريط في جزء كبير من قاعدتنا الانتخابية لصالح أحزاب وقوى سياسية أخرى».
وأضاف المنشقون في بيانهم: «بعد أقل من شهر على صدور بيان صحافي عن لجنة الاتصال في حزب اتحاد قوى التقدم، يتهم بعض الرفاق القياديين بالعمالة للنظام من خلال تبريرهم لسرقة الانتخابات الرئاسية لعام 2019، صادقت الدورة الأخيرة للمجلس التنفيذي لاتحاد قوى التقدم على قرار داخلي من حيث المبدأ، ولكن تم نشره بسرعة في وسائل الإعلام». وأضاف البيان: «إن الرفاق القادة الذين تم وصفهم علناً بالخيانة وبتبرير سرقة الانتخابات من خلال البيان الصحافي للحزب، وأعضاء آخرين من المكتب التنفيذي أحسوا بأنهم معنيون بهذه الاتهامات الكاذبة من طرف قيادة منهزمة.. توصلوا إلى القناعة بعدم المشاركة في هذا الاجتماع للمكتب التنفيذي الذي يسعى إلى طمس الأسباب الحقيقية للنتيجة الكارثية لهذه الانتخابات على الحزب والتهرب من المسؤوليات المترتبة على ذلك».
وأكد المنشقون «أن حصيلة الانتخابات المقدمة من طرف الرئيس بطريقة أحادية لم تعرض على اللجنة الدائمة وعلى بعض الهياكل القاعدية للحزب إلا من الناحية الشكلية، وعلى أساسها وبطريقة أحادية «اتخذ الرئيس جميع المواقف الرسمية وجميع النشاطات التي نظمها الحزب منذ اليوم الثاني من الانتخابات بدون أي مشاورة مع قيادة الحزب وخاصة لجنته الدائمة».
وتساءل المنشقون قائلين: «السؤال المطروح من هو غير المنضبط؟ هل هو الرئيس المرشح الذي لم يدع اللجنة الدائمة للحزب إلا بعد عشرة أيام من التصويت بعدما اعتمد وأعلن ووضع قيد التنفيذ مواقف وقرارات منطلقة من مجرد تحليله الشخصي في حين لا يوجد مانع لاجتماع اللجنة الدائمة؟ أم أنهم القادة الذين وصلتهم هذه المواقف وهذه القرارات الصادرة عن حزبهم عن طريق الصحافة كالجميع والذين قرروا تحمل مسؤولياتهم لتسليط الضوء ودق ناقوس الخطر لما تمثله نتيجة مرشحهم التي تستدعي تشخيصاً موضوعياً بدلاً من اللجوء إلى اتخاذ موقف الضحية المبتذل (نتيجة ممنوحة من طرف النظام بشكل خاص)؟ ألم يكن أجدر برئيس حزب ديمقراطي تقدمي، كاتحاد قوى التقدم، أن يقبل الخضوع للانضباط واحترام صلاحيات الآخرين؟ أم أن الانضباط لا ينطبق إلا على القادة والأطر والمناضلين الآخرين في الحزب؟»
«والواقع، يضيف البيان، أن رزمة البيانات الصحافية والقرارات الداخلية التي تم تسريبها موجهة إلى إخفاء الأسباب الحقيقية لفشلنا الانتخابي الناجم بشكل رئيسي عن الوضع المأساوي للحزب، وهو يعني أيضاً التهرب من المسؤوليات الناجمة عن الانحراف عن الخط من خلال التخلي عن مبادئ التقدم والديمقراطية الموروثة عن الحركة الوطنية الديمقراطية والمتضمنة بوضوح في البيان السياسي العام للمؤتمر الأخير للحزب المنعقد 2012 واستبداله بخط مغامر خلق قطيعة مع الجماهير وأهمل كل المكاسب المنتزعة بالنضال القوي».
وسبق لقيادة الحزب أن اتهمت المنشقين عنها «بالإدلاء بتصريحات متكررة بشأن تقييم نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة مناقضة للمواقف المعلنة رسمياً من طرف الحزب».
«وعليه، يضيف البيان، فإن اتحاد القوى التقدم ينبه إلى أن تلك المواقف متنافية تماماً مع ما يتبناه الحزب، وأن هذه التصريحات المستغربة الصادرة عن شخصيات تعتبر نفسها من رموز المعارضة لا تعدو كونها مباركة وتأكيد للدعاية القائلة بأن الانتخابات كانت شفافة وديمقراطية وبأن نتائجها عكست إرادة الناخبين».
وأطلقت رئاسة حزب اتحاد قوى التقدم نيرانها على القياديين المذكورين، حيث أكدت في بيانها «أنهم بهذا يتحملون عن مطبلي النظام مؤونة تبرير التزوير وسرقة الانتخابات لصالح مرشح النظام وفرض فوزه في الشوط الأول، وذلك في سياق حملة إعلامية مسعورة لدعم وتمرير دعايات النظام في تعاطيه مع الأزمة الانتخابية القائمة، ومن ثمة فإنها تثير تساؤلات عديدة حول الدوافع الحقيقية لأصحابها».
ويؤكد هذا الانشقاق صعوبة المرحلة التي تجتازها المعارضة الموريتانية حالياً حيث إن أهم أحزابها قد شهدت انشقاقات مؤثرة نحو الصف الموالي للرئيس الجديد محمد ولد الشيخ الغزواني، وهو ما ينذر بإعادة تشكل للساحة السياسية الموريتانية على أسس جديدة تختلف عما كانت عليه الحال قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة.