سيدي الرئيس،
أعرف أنك تضيع الكثير من الوقت في التفكير واستشارة خبراء الاتصال الإعلامي للوصول إلى طريقة لإرضاء هذا الشعب.
الأمر قد لا يتطلب كل ذلك.
إليك خطة عمل أسبوعية سهلة تمكنك من الوصول إلى هدفك دون عناء وبأقل التكاليف.
يوم الإثنين: ادعو الشعب لساحة الحرية وأمر شركة Maurimbar المتخصصة في تشييد المنصات بخفض العمود الخلفي الأفقي للمنصة حتى إذا صعدتها أجبرك ذلك العمود على الانحناء ثم قف ولوح لهم بيديك واستمع لتصفيقهم وهتافهم ثم انصرف.
[ ] سيعودون فرحين إلى ديارهم ويقضون يومهم ذاك وغدهم (يوم الثلاثاء) يتحدثون عن تواضعك الجم ونزولك إلى مستوى البسطاء وانحنائك أمامهم واستعدادك لحل مشاكلهم.
يوم الأربعاء: لست بحاجة إلى السفر إلى "آدوابة والقرى الفقيرة النائية" في الداخل لمشاهدة معاناة أهلها ومواجهتهم مصيرهم المجهول تكفيك جولة في بعض المنشآت الاقتصادية في العاصمة وليكن من ضمنها مثلا ميناء الصداقة ولا تنس اصطحاب مصور ماهر.
لا تبتئس وأنت تمر عبر الأحياء "الراقية" للعاصمة لمناظر ستشاهدها لأسر تعيش ظروفا مأساوية تحت "أكواخ وأعرشة وخيم" على هوامش بيوت الأغنياء الفارهة فتلك صورة مستنسخة عن حياة أولئك الذين يعانون في المناطق النائية مع فارق القرب من بعض الخدمات الأساسية كالماء والكهرباء والصحة والتعليم وإن كانت مجاورتها لا تعني بالضرورة الاستفادة منها لكن ذلك ليس وقت التقاط الصورة رغم أني متأكد أنه سيحزنك غير أنك عندما تقترب من الميناء سترى تلك النسوة اللائي يجمعن ما تناثر على قارعة الطريق التي تسلكها الشاحنات المحملة بالحبوب نحو مصانع الطحين ويقمن بغربلة ما يجمعنه وفصله عن الأوساخ والحجارة ليذهبن به لإطعام أطفالهن عندها ستتذكر أن لديك مفوضية الأمن الغذائي ومفوضية حقوق الإنسان ومكافحة الفقر ووكالة التضامن ومعادن الحديد والذهب والنحاس والبترول وأسماك المحيط ومياه النهر وقريبا اليورانيوم والغاز وستتذكر حجم مسؤوليتك اتجاههن واتجاه غيرهن من بؤساء هذا الشعب ولكن لا تنس أيضا أن معك مصور ماهر.
لا تدع عينيك تدمعان فذلك ليس الوقت المناسب لالتقاط الصورة بل أوقف الموكب وانزل لإخبارهن بما يخبئ لهن المستقبل خلال "خمسية استمرار النهج الرشيد" ولا تقلق ففرحتهن بنزولك لمخاطبتهن والتعرف على أحوالهن وتفاؤلهن بمستقبل أفضل سيجعل الدموع تنهمر من عينيك لشعورك بالحرج الشديد وإدراكك أن حلمهن هذا مجرد وهم فأنت لم تأت بما تقدمه لهن معك وكل ما حدث كان مرتجلا ولم يخطط له بل جاء عن طريق الصدفة.
هنا سيلتقط المصور صورتك والحسرة تمزق أحشاءك وسيوزعها عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووكالات الأخبار وأنت ما زلت في مقامك ذلك وسيرى الشعب كله كيف أنك رقيق وحساس اتجاه معاناة مواطنيك وسيقضون يومهم ذلك واليوم الذي يليه (يوم الخميس) وهم يعلقون على الصورة ويتداولونها وستستغلها "المعارضة الموالية" للتذكير بصواب خيارها وستتخذها "الموالاة المعارضة" مطية للعودة لحضن أغلبيتها.
يوم الجمعة: اخرج عليهم في جلباب الشيخ الصوفي على قناة الموريتانية واخطب فيهم خطبة عصماء بلغة عربية فصيحة وسليمة من الأخطاء النحوية والصرفية وادعهم فيها إلى إقامة صلاة الاستسقاء وإلى الدعاء للبلد بالخروج من أزماته وتعهد لهم فيها - وهم يعرفون جيدا أن للعهد عندك معنى - بأن تنفذ كل تعهداتك السابقة.
ستتلقف خطبتك وسائل الإعلام وسيسرح المحللون والكتاب والمدونون ويمرحون في تحليلها وإبراز مظاهر الإعجاز اللغوي فيها وسيقضون بقية شهرهم وهم يذكرون الشعب بأنه أخيرا أصبح لديه رئيس يجيد الخطابة وهو حلم لم يكن ليتحقق لولا أن بعث الله لنا فتى آمن بربه فزاده هدى واهتداء على خدمة هذا البلد وشعبه المسكين الذي عانى عقودا طويلة من رؤساء سببوا لسيبويه من عذاب القبر ما لم يسببوا لهذا الشعب من المعاناة.
وسيظل البسطاء يرددون طيلة الأسابيع الموالية: يا له من رئيس يعرف كيف يتحدث!.
نقلا عن صفحة الكاتب على فيسبوك