لم يتوقف النشاط الدولي الكبير للرئيس المختار ولد داداه خلال السبعينيات، فلعب دوراً مهماً في انعقاد الدورة الاستثنائية للأمم المتحدة حول المواد الأولية، وللبحث عن طرق ووسائل لإعادة التوازن والانسجام في مبادلات الشمال والجنوب، المنعقدة بنيويورك في ابريل 1974، بناءً عى طلب تقدم به الرئيس هواري بومدين باسم ”حركة دول عدم الانحياز“. فحصلت المبادرة على دعم وتشجيع الدول أعضاء المجموعة الاقتصادية الأوروبية، وعلى رعاية من الرئيس الفرنسي فالاري جيسكار ديستان المهتم بالمشكلات الاقتصادية العالمية، وبتقوية الثنائي: العالم الثالث -أوروبا. حينذاك شكلت الجزائر وباريس ثنائياً ناضل بشدة لإنجاح مؤتمر الأمم المتحدة عقب حرب أكتوبر 1973 في الشرق الأوسط، والذي شكل فرصة للحفاظ على التوازنات في مبادلات الشمال والجنوب، التي أثر فيها رفع أسعار النفط، الذي قررته «منظمة الدول المصدرة للنفط» (أوبك). وبناءً على طلب ملح من الرئيس بومدين، بذل الرئيس المختار ولد داداه جهوداً كبيرة للحصول على أوسع مشاركة للدول الأفريقية في هذا اللقاء الذي قُدم على أنه فرصة استراتيجية لإرساء علاقات جديدة في إطار شراكة حقيقية بين الجنوب والشمال. وعندما تغيب بومدمين عن هذا الاجتماع، لم تقدم الحكومة الجزائرية أسباباً معقولة، بل أعلمهم الرئيس الجزائري أن قيادة المختار ولد داداه كافية. تحمل الرئيس المختار المسؤولية فوراً، وعمل كل شيء تحاشياً لفشل المؤتمر، فوجد نفسه في مركز الحدث الذي أعرضت عنه الولايات المتحدة في البداية، لكنها قررت في آخر الوقت إرسال وزير الخارجية هنري كيسنجر ممثلا عنها. وبهذه المناسبة أقام الأمين العام للأمم المتحدة كورت فالد هاي حفلَ غداء على شرف رؤساء الوفود الحاضرين، وعلى وجه الخصوص للرئيس المختار ولد داداه كضيف شرف. وكان احتفالا رائعاً وقعت فيه نادرة غريبة وغير متوقعة.
ففي الأيام التالية لحرب أكتوبر 1973، برز وجهان على الساحة الدولية، هما هنري كيسنجر ووزير البترول السعودي القوي أحمد زكي يماني، رئيس «منظمة الدول المصدرة للنفط» (أوبك) أيضاً. وكانت الأنظار رانية إلى هاتين الشخصيتين. وقبل تناول الغداء، وفي حين كان الوزيران، الأميركي والسعودي، يتوجهان ببطء أحدهما إلى الآخر، انهالت عليهما العدسات، فانداح حولهما ما يشبه الألعاب النارية، ولأكثر من عشرين دقيقة. ثم طلب مسؤول تشريفات الأمين العام للأمم المتحدة من الضيوف المبجلين أن يأخذوا أماكنهم على المائدة. وفي آخر الغداء، ألقى كورت فالد هايم كلمة موجزة تركزت حول الضرورة الحيوية لإرساء تعاون اقتصادي بين الشمال والجنوب، على أسس منصفة ومنافع مشتركة، لإخراج البشرية من المجاعات والأحقاد والحروب. ثم أنهى بكملة موجهة إلى الرئيس المختار ولد داداه، صانع هذا اللقاء المليء بالوعود. وطلب من الحاضرين الوقوف واحتساء كأس من الشمبانيا على صحة الرئيس المختار ولد داداه، والازدها والسلم في العالم.
وبدوره، وقف الرئيس المختار ولد داداه وارتجل كلمة موجزة ضمَّنها عبارات الشكر التقليدية للأمين العام للأمم المتحدة، وللمسؤولين السامين الذين قبلوا مشاركة بلادهم في منبر يهدف إلى إرساء السلم الأخوي الدائم بين الأمم، وبين بني الإنسان في جميع دول العالم. ثم أنهى خطابه بهذه الكلمات البسيطة:
«أطلب منكم أن ترفعوا كؤوسكم مليئةً بالماء لنشرب على صحة صاحب السعادة الأمين العام للأمم المتحدة وجميع هؤلاء المسؤولين السامين ولازدها شعوبهم.. قلت: ارفعوا كؤوسكم من الماء، فلا تستغربوا ذلك، لأنني أنتمي إلى دولة توجد في الصحراء الكبرى حيث الماء هو أثمن الموارد عندنا، لدفع العطش قبل كل شيء». فانهالت التصفيقات من كل جانب، وأحاطت به العدسات من كل صوب. وقد أعلن بعض رؤساء الوفود، ومنهم كيسنجر وزكي يماني، أن دولهم ستقدم مساعدات عاجلة ومهمة إلى موريتانيا والدول الفقيرة الأخرى التي ذكّر بشقائها للتو الرئيس المختار ولد داداه.
محمد عالي شريف، «سيرة من ذاكرة القرن العشرين»