“القدس العربي”: يشتد في موريتانيا حاليا على نطاق واسع، جدل سياسي حامي الوطيس، حول قرارات وتعيينات الرئيس الموريتاني المنتخب، محمد الشيخ الغزواني، الدالة حتى الآن على احتفاظه بكبار أعوان سلفه الرئيس محمد ولد عبد العزيز.
واشتعل الجدل بعد تعيين وزير الاقتصاد السابق المختار ولد أجاي، وهو من “ديناصورات” النظام السابق، مديرا عاما للشركة الوطنية للمناجم، أكبر شركات البلاد، وهو القرار الذي فجر انتقادات لم تهدأ، والذي يعزز سيطرة أعوان الرئيس السابق على قطاعات الاقتصاد، إذ احتفظ عبد الفتاح بوزارة الطاقة والنفط، كما احتفظ ولد اشروقه بوزارة الصيد، وهما من أقرب المقربين من ولد عبد العزيز الذي يتعرض لحملة تكبر كل يوم، مطالبة “بالتحقيق في تسييره للدولة خلال العقد المنصرم ومحاكمته على الفساد والنهب”.
وانقسم الساسة في صالوناتهم، والمدونون في دهاليز تواصلاتهم الاجتماعية، وعموم الناس، بين منصف للرئيس يرى أنه من غير المعقول التخلص بين عشية وضحاها من رجال سلفه الذي يعود له الفضل في انتخابه، ومن يرى بأن من حق الرجل أن يحكم كما يشاء، ومن يتخوف على مستقبل النظام إذا خيب آمال منتظري التغيير الذين كان لهم دور كبير في وصوله للسلطة.
وكان الإعلامي البارز الشيخ بكاي في مقدمة المنصفين والمدافعين، إذ كتب الإثنين متخوفا ومحذرا: “هناك حملة خطط لها بعناية، وتنفذ بشراسة، هدفها تدمير الصورة الجيدة التي استطاع الرئيس غزواني زرعها في نفوس غالبية من الموريتانيين”. وقال: “تقف وراء الحملة جهات لن أتحدث عنها الآن، وتساهم في الحملة عن حسن نية ومن دون قصد الإساءة فئات من أنصار الرئيس الحالمين بعيدا عن الواقعية بعمليات تصفية لرموز النظام السابق”.
يضيف البكاي: “وينشط في الحملة أيضا، وفي شكل أخطر، عناصر مسنودة من بعض رموز النظام السابق، وذلك بهدف إرباك الساحة وشد انتباه الرئيس إلى هذه الرموز”.
وأضاف: “لم يقل الرئيس غزواني يوما إنه سيصفي من كانوا ضمن فريق الرئيس السابق، وهو نفسه من ذاك الفريق، وواهم من توقع ذلك. وفي المقابل، يخطئ كل من يظنون أن طنينهم في الظلام قادر على منحهم الاستمرار مسيطرين كما كانوا، فلم يمض إلا وقت قصير جدا، وأي حكم تصدرونه على أداء الرئيس خلال شهر واحد لن يكون له معنى، ولن يكون لأي ضجة مفتعلة أي تأثير على أداء رجل يعمل في صمت ويفهم ما يقوم به”.
وكتب أحمد مصطفى، رئيس تحرير وكالة “الأخبار” المستقلة: “اتكأ غزواني خلال إعلان ترشحه، وأثناء حملته الانتخابية، على بعدين حاول الإيحاء بالتميز فيهما؛ هما البعد الأخلاقي (ما من الله به علي من تربية) والأمني (من خلال التجربة العملية في قيادة أركان الجيوش)، ويبدو أن هناك من عمل ويعمل على تدمير شخصيته، مركزا على البعدين اللذين حاول التميز فيهما، فقد استهدف البعد الأول من خلال المكالمات التي تم تسريبها خلال الحملة الانتخابية، واستهدف البعد الثاني من خلال تعدد وتنوع الأحداث الأمنية خلال الشهر الأول من حكم الرجل”.
أما الرئيس محمد جميل منصور، القيادي الإسلامي البارز، وهو من منصفي الرئيس غزواني، فقد كتب محللا الموقف: “هناك ثلاث زوايا يمكن النظر من خلالها إلى سلوك وقرارات الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني: الزاوية الأولى أن الرجل بغض النظر عن خطاب التأسيس (خطاب الترشح)، ودون الانتباه إلى بعض الرسائل التي حملتها التشكيلة الحكومية، هو استمرار للحكم الذي كان، وأن لا شيء تغير إلا بعض الصيغ والأشكال، والناظرون من هذه الزاوية يعطون تفسيرات سريعة لما يخالفها من ظاهر أفعال الرجل وقراراته. والزاوية الثانية أن الرجل نقيض لسابقه، ثورة على ما كان، يحمل برنامج تغيير يبدأ في الرؤى وينتهي في الأشخاص والوسائل، والناظرون من هذه الزاوية يستعجلون تجسيدها ويصدمهم ما لا ينسجم معها من قرارات وتعيينات، والملاحظ أن قدراتهم التبريرية في تراجع وحماسهم إلى بعض فتور. والزاوية الثالثة أن الرجل ليس قطيعة مع النظام السابق، ولكنه ليس استمرارا له، ليسه وليس نقيضه، سابقته فيه وتوليه مسؤوليات مهمة معه وعلاقاته المتشابكة مع رجاله، فضلا عن دعمه منه ومن محيطه، كل ذلك يجعل القطيعة غير واردة، ومقابل ذلك خطاب الترشيح والرسائل المتكررة بين الآونة والأخرى وبعض إشارات لا تخطئها العين تجعل الاستمرار غير وارد على الأقل بالصورة التي يتصورها مؤيدون ومعارضون لا يريدون غير ذلك”.
وأضاف الرئيس جميل: “أرجح صدمة الناظرين من الزاويتين الأولى والثانية، وأتوقع اضطرابا وتبادل المواقع بين الأمل وعكسه بالنسبة للناظرين من الزاوية الثالثة، وقد يكون من التسرع الحكم قبل مرور مئة يوم، فهي أول فترة للحكم على الاتجاهات، حسب الأعراف، أما البرامج والحكم عليها إنجازا وتحقيقا فتحتاج وقتا ونفسا أطولين، ويظل الأمل -وأنا من أهله- في محله إلى أن يأتي ما ينقضه، لا ما يشوش عليه فذلك متوقع ومقدور عليه”.
أما رئيس تحرير موقع “28 نوفمبر” الإخباري، مولاي بحيده، فقد علق كاتبا: “ليس من الإنصاف استعجال التشاؤم حول قرارات رئيس الجمهورية الأخيرة، فالرئيس في حملته رفض علنا الاصطفاف إلى رأي سياسي واحد، فلم يقبل إعلان الترشح تحت يافطة الحزب الحاكم رغم حيازة هذا الحزب أكثر من ثلثي مقاعد البرلمان والمجالس الجهوية والبلدية، ولم يقبل محاكمة أي نظام سياسي ماض أو حاضر، بل عدد خصال الأنظمة السابقة والحاضرة حينها متعهدا بإصلاح الاختلالات الحاصلة دون استثناء”. ومن هذا المنطلق، يقول مولاي: “ليس من الإنصاف محاكمته حينما يرفض التخندق من جديد ومسايرة رأي سياسي معين لا يرى في النظام السابق ما يستحق غير المحاكمات والسجون والإقصاء، كما ليس من الإنصاف أيضا دفعه نحو تبني نهج لم يعلن هو نفسه ولا معارضته”.
وقال: “الميزان يجب أن يوضع للحكومة ومدى قدرتها على تنفيذ تعهدات الرئيس، وليس حول مسافة البعد أو القرب من النظام السابق”.
بين هذه التجاذبات، يبحر الرئيس المنتخب ولد الغزواني بصعوبة في بحر لجي ترتفع أمواجه وتتصارع تياراته. ومع التركة الثقيلة التي ورثها، والتي لا يمكن إلا التستر عليها إخلاصا لرفيق دربه الرئيس السابق، هل سيتمكن من الوصول بسفينة موريتانيا الجامحة، التي تتقاذفها أخطار الغرق وتتجاذبها أطماع الجوار، إلى بر آمن؟
لننتظر مع أن حالة الطقس وأيام الإبحار الأولى غير مشجعة.