«القدس العربي»: بدأ الرئيس الموريتاني، محمد ولد الشيخ الغزواني، تحركات جديدة باتجاه لملمة المشهد السياسي بشقيه المعارض والموالي للنظام السابق، في خطوة أثارت ارتياحاً كبيراً في الأوساط السياسية.
فقد استقبل الرئيس غزواني بحفاوة غير مسبوقة المعارض الموريتاني البارز، أحمد ولد داداه، وناقش معه، حسب مصادر مقربة منه، تفاصيل الحالة السياسية خلال العهد الماضي وما ينبغي أن تكون عليه الأمور خلال العهد الجديد.
كما استقبل الرئيس غزواني زعيم المعارضة الديمقراطية الموريتانية، إبراهيم البكاي، الذي لم يحظ هو ولا سلفه قط بأي لقاء مع الرئيس المنصرف، محمد ولد عبد العزيز.
وفسر المراقبون استقبال الرئيس غزواني لزعيم المعارضة بأنه إشارة جديدة بتغيير تعامل الرئاسة مع مؤسسة المعارضة بفتح الباب أمام التشاور معها كما ينص على ذلك قانون تأسيسها. وشملت مشاورات الرئيس كذلك جلسة عمل مع يحيى ولد الوقف، رئيس حزب العهد الديمقراطي، وهو من أبرز وجوه المعارضة التي اصطفت مع الرئيس غزواني خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة. وقبل هذه اللقاءات، نظم الوزير الأول الموريتاني، إسماعيل ابده، مأدبة عشاء سياسية مع نواب الأغلبية السابقة، حيث شكرهم باسم الرئيس على إجازتهم لبرنامج الحكومة الذي عرض على الحكومة يوم الخميس قبل الماضي.
وفسرت هذه المأدبة بأنها استرضاء لنواب الأغلبية بعد الإشاعات التي تدوولت كثيراً عن انقطاع التيار بينها مع النظام الجديد، واحتمال أن يلجأ الرئيس لتأسيس حزب آخر ولتنظيم انتخابات برلمانية جديدة.
كل هذه اللقاءات أثارت ارتياحاً كبيراً، وأعادت زرع الآمال في أن الرئيس الغزواني ليس نسخة من سلفه كما أشاعه الغاضبون من تعييناته لأعوان الرئيس السابق، وأن يديه مطلوقتان في كل شيء حتى في تغيير أسلوب التعامل مع المعارضة الذي اتسم بالقطيعة التامة طيلة حكم ولد عبد العزيز.
وقد علق كبار الساسة والمدونون على هذه التطورات بين مستبشر بها ومشكك فيها، حيث كتب القيادي البارز والمدون النشط محمد الأمين الفاضل «أن الوقت ما يزال مبكراً للقول بأن هناك ملامح عهد جديد قد بدأت تتشكل، ولكن ذلك لن يمنعنا من القول بأن هناك إشارات إيجابية تم إرسالها خلال الأربعينية الأولى من حكم الرئيس غزواني تستحق أن نتوقف معها، لأنها تمثل ـ بالفعل- أساليب جديدة في ممارسة الحكم».
وأضاف: «لعل أقوى الإشارات التي يمكن أن توحي بأننا أمام عهد جديد هو منح الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني لوزرائه كافة الصلاحيات اللازمة لممارسة مهامهم الوزارية، ومن المعروف بأن الرئيس السابق، محمد ولد عبد العزيز، كان يتدخل لوزرائه في كل صغيرة و كبيرة، فهناك وزير أول يمارس بالفعل صلاحياته كوزير أول، وهناك وزراء يمارسون مهامهم الوزارية، ومن المعروف بأن القائد الناجح هو ذلك القائد الذي يحاول أن يخلق من حوله قادة، وليس ذلك الذي يبالغ في صناعة الأتباع من حوله».
وأكد الفاضل «أن الرئيس غزواني تعهد في برنامجه الانتخابي بالحوار والتشاور مع كل الشركاء السياسيين، وأعطى مساحة واسعة للحوار والتشاور في خطاب إعلان ترشحه، وفي خطابات الحملة الانتخابية، وكذلك في خطاب التنصيب، واليوم ها هو الرئيس غزواني يبدأ بالفعل في تنظيم لقاءات مع بعض المعارضين، وكل ذلك يوحي بأن هذا العهد قد يكون عهد حوارات ومشاورات واسعة؛ وهناك لمسة أخلاقية لها دلالتها الخاصة طبعت بعض هذه اللقاءات، وهي توحي بأننا قد نكون بالفعل أمام نهج جديد في ممارسة الحكم، وهي الحفاوة التي استقبل بها رئيس الجمهورية الزعيم أحمد داداه عند بوابة القصر الرئاسي».
وتابع الفاضل تحليله قائلاً: «أظهرت الأربعينية الأولى كذلك بأن هناك محاولة جادة لأن يكون جيشنا الوطني حاضراً كلما كانت هناك كارثة تستوجب حضوره، وأظهرت هذه الأربعينية بأن بوصلة الجيش قد تم توجيهها إلى القضايا التنموية، ومن المؤكد بأن ذلك سيزيد من تعزيز الثقة بين الجيش والشعب، وتلك مسألة في غاية الأهمية».
وعن لقاءات الرئيس مع المعارضة، كتب الإعلامي البارز الهيبة الشيخ سيداتي: «خطوة الرئيس غزواني الخاصة باستقباله الرئيس أحمد ولد داداه خطوة إيجابية سليمة ولفتة مهمة لرمز من رموز العمل السياسي المعارض، وخطوة الاستقبال مهمة أيضاً نظراً لندرة مثيلاتها، خصوصاً خلال الحقب الأخيرة من تاريخ البلاد السياسي».
وكانت المعارضة قد وجهت عبر نوابها خلال الدورة البرلمانية الأخيرة رسائل واضحة للرئيس غزواني، حيث أكد حزب اتحاد قوى التقدم المعارض على لسان خليل الدده، نائبه في البرلمان، لرئيس الوزراء إسماعيل ولد الشيخ سيديا، أن الجميع ينتظر تغييراً جذرياً للأوضاع السيئة الموروثة عن الرئيس السابق».
وقال: «إنكم تقودون حكومة منبثقة عن اقتراع يطعن في مصداقيته ما لا يقل عن 48% من الناخبين الموريتانيين وهو ما خلف أزمة انتخابية لم تلح بعد في الأفق بوادر حلها، كما استلمتم مقاليد البلد في وضع يطبعه التدهور على أكثر من صعيد».
وتساءل النائب قائلاً: «ماذا تقترحون على البلد كمخرج من الأزمة السياسية؟؛ فهل ستواصلون نهج العشرية السابقة الذي أفلس البلد؟ أم إنك ستكون رجل التغيير المنشود ليس فقط تغيير الأشخاص بل تغيير أساليب النظام الكارثي الذي حكم البلاد لحد الآن؟
وقال في الأخير: «يعتبر طيف واسع من الرأي العام الوطني أن البلد عانى كثيراً جراء عشرية الجمر الأخيرة، وأن مستقبله سيظل على كف عفريت ما لم يتم بناء إجماع سياسي حقيقي حول قواعد التعايش باعتباره شرطاً لقيام العدالة والمساواة والرفاه والسلم الاجتماعي»، مضيفاً قوله: «إن هذا الطريق في متناولنا؛ فلنبن معاً نهجاً موريتانياً يشكل قطيعة مع التخلف الاجتماعي ومع جميع أشكال التمييز والاستبداد السياسي».