بينما سافر الرئيس الموريتاني، محمد الشيخ الغزواني، إلى نيويورك ليتعرف ويتصل بنظرائه رؤساء دول العالم المشاركين في الدورة الرابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، تابعت صالونات السياسة ومنصات التواصل وكبريات الصحف تحليلها لعروض الحوار التي أكد قادة المعارضة الموريتانية أنهم طرحوها على الرئيس غزواني خلال لقاءات أجراها معهم خلال الأسبوعين الماضيين.
ولم يستبعد الرئيس ولا وزيره الأول إمكانية الحوار حسبما تؤكده الاتصالات والتسريبات، لكن موقف الرئيس من الطريقة التي سيجري بها هذا الحوار لم يتحدد لحد الآن، فهل سيكون الحوار الذي ينشغل به الجميع حاليا مجرد مشاورات يجريها الرئيس عند الضرورة مع قادة الأحزاب التي عارضت سلفه والتي تسعى لتكون أقل شراسة معه؟ أم ستتخذ، وفقا لما ترجوه المعارضة، شكل ورشات عمل يناقش فيها الجميع مستقبل البلد وما يلزمه من سياسات وإصلاحات؟
وقد نقل قادة المعارضة عن الرئيس غزواني استعداده للحوار، كما أكد عليه الوزير الأول إسماعيل الشيخ سيديا، خلال عرضه لبرنامج الحكومة أمام الدورة البرلمانية الأخيرة.
وإذا ما أخذنا في عين الاعتبار ما نقله قادة المعارضة عن الرئيس غزواني فإن ثمة اتفاقا على أن الحوار ضرورة وطنية لا غنى عنها ليتمكن البلد من التقدم ومن الخروج من أوضاعه الحالية نحو أوضاع أفضل وأحسن.
لكن مهما بلغ بنا التفاؤل، يجب ألا نغفل بأن انعكاسات السنوات العشر الماضية، التي شهدت قطيعة تامة بين نظام الرئيس السابق والمعارضة، ما تزال ماثلة، حيث ظلت معارك الكر والفر مشتعلة طيلة عقد من الزمن عبر البيانات وعبر المسيرات، وهو أمر كابح ما تزال آثاره قائمة.
وأكدت صحيفة “القلم” أكبر الصحف الموريتانية في تحليلها اليوم لقضية الحوار وجديته أن “الانتخابات الرئاسية الأخيرة أظهرت أن موريتانيا تواجه مشكلات سياسية واقتصادية واجتماعية عصيبة، تناولها المترشحون بالتفصيل في برامجهم وخطاباتهم”.
وأضافت: “تناول المترشحون للرئاسيات الأخيرة قضية الوحدة الوطنية التي تحتاج للدعم والتقوية، كما تناولوا قضية الرق التي صدرت بشأنها ترسانة قوانين دون أن تتحقق النتائج المرجوة منها، كما تعرضوا لقضايا أساسية أخرى مثل التوزيع العادل للثروات، وضرورة إصلاح قطاع التعليم، وبطالة الشباب خريجي الجامعات، وضرورة ابتعاد الجيش عن السياسة وتحوله إلى جيش جمهوري بمعنى الكلمة”.
“كل هذا، تضيف الصحيفة، يجعل من غير المقبول أن يقرر النظام مستقبل البلد بمفرده، بل لا بد من تنظيم مشاورات وطنية على غرار المشاورات التي نظمت خلال المرحلة الانتقالية 2005 إلى 2007، والتي تصلح اليوم لأن تكون مرجعا يعتمد عليه في تنظيم لقاءات وطنية”.
وأضافت الصحيفة: “الذي يظهر حتى الآن هو أن الرئيس الغزواني أعرب في خطاب ترشحه فاتح مارس/آذار الماضي، عن استعداده للحوار، لكنه عاد بعد ذلك لصمته المعهود، حيث لم يتحدث عن الحوار في خطاب تنصيبه فاتح أغسطس/آب الماضي، ومع ذلك فالموريتانيون ينتظرون المنعطف بفارغ صبر”.
وتابعت الصحيفة: “بعد مضي 45 يوما على تسلم الرئيس الغزواني للسلطة، لا شيء يشير لمستقبل سياساته، فالذين قابلوه لم يجدوا شيئا ملموسا، أما قراراته المتعلقة باختيار مساعديه فقد أظهرت استعانته بكبار معاوني سلفه، وهو ما يعتبر إشارة سيئة حسبما يراه الكثيرون”.
وكان أحمد ولد داداه، رئيس حزب تكتل القوى الديموقراطية المعارض، قد أكد في تصريح أخير له أن “موريتانيا للجميع وأن على النظام الجديد أن يفهم ذلك وأن يفهم بأن الموريتانيين لن يقبلوا سوى برنامج حكومي يرون فيه ذواتهم وحلا لمشاكلهم المزمنة”.
ودعا ولد داداه “لتشاور وطني يفضي لصياغة مشروع مجتمعي يكون أساس العمل الحكومي خلال المرحلة المقبلة”.
وأوضح حزب التكتل في وثيقة سياسية وزعها مؤخرا أن “موريتانيا تواجه تحديات كبيرة على صعد مختلفة، وهو ما يتطلب خلق مناخ عام للتصالح الوطني، ويستوجب القطيعة التامة مع نهج العشرية الكارثية (الفترة التي حكمها ولد عبد العزيز من 2009 حتى 2019) والعمل، فورا، على إنجاز إصلاحات بينها تبني القيم والممارسات الديمقراطية الحقة مثل فصل السلطات، واستقلال القضاء وإبعاد الجيش عن العمل السياسي، وإصلاح المنظومة الانتخابية”.
وفي تصريح لإذاعة فرنسا الدولية اليوم، دعا محمد ولد مولود رئيس حزب اتحاد قوى التقدم المعارض “الرئيس الغزواني إلى فتح ورشات عمل وطنية لمعالجة كبريات المشاكل المطروحة، عبر تشاور وطني عام ومركز”.
كل هذه المواقف الداعية للحوار، تجعل الرئيس غزواني اليوم أمام وضع محرج: فإن هو ساير المعارضة وطرح مشاكل البلد في ورشات تشاور وطني يكون ذلك تسليطا للضوء قد يستغله خصوم الرئيس السابق للكشف عن مساوئ سنوات حكم سلف الرئيس الغزواني وحليفه في الانتخابات الأخيرة، وإن هو عمل دون هذا التشاور الوطني، يكون قد أفشل سياسة المصالحة والتهدئة التي يعمل على أساسها والتي ستوفر له المناخ المناسب للعمل والإنجاز.
لننتظر حتى نعرف مآلات الأمور وحتى نرى توجهات الرئيس غزواني الذي يبدو أنه يفضل العمل بصمت وهدوء.
“القدس العربي”: