تتجه الأمور في الساحة الموريتانية نحو تطبيع وصفه مراقبون بـ “المشروط” لعلاقات السلطات الموريتانية الجديدة، مع الإسلاميين التي شهدت أواخر عهد الرئيس السابق تدهورا كبيرا شمل إغلاق مؤسسات محسوبة عليهم، والتهديد بحل حزبهم، وباعتقال شخصياتهم.
فقد استقبل وزير الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي الداه ولد سيدي ولد أعمر طالب يوم الخميس الماضي العلامة الشيخ محمد الحسن ولد الددو الذي يوصف بأنه الأب الروحي والمرجعية العلمية لإسلاميي موريتانيا وبخاصة نشطاء حزب التجمع المحسوب على الإخوان.
وأكدت مصادر مقربة من مكتب الشيخ الددو “أن لقاء الددو مع وزير الشؤون الإسلامية الذي لم تنشر تفاصيله، كان بطلب من الوزير”، مبرزة “أن الشيخ الددو هنأ الوزير بتعيينه في المنصب”.
وتعد هذه المرة الأولى التي يلتقي فيها الشيخ الددو بشكل رسمي عضوا حكوميا بارزا منذ أن قام نظام الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز بإغلاق مركز تكوين العلماء وجامعة بن ياسين في سبتمبر من العام 2018، وهما مؤسستان يرأسهما الشيخ الددو.
وفي إطار متصل، أكدت وكالة “الأخبار” المستقلة المطلعة على مجريات الساحة الإسلامية الموريتانية “أن الرئيس محمد الشيخ الغزواني سيستقبل بحر هذا الأسبوع رئيس حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية “تواصل” محمد محمود ولد سيدي”.
وأوضحت الوكالة “أن ديوان الرئاسة أجرى اتصالات بحزب “تواصل” ضمن إجراءات لتنسيق اللقاء”.
ويأتي هذا اللقاء بالرغم من وقوف حزب التجمع في الانتخابات الرئاسية الأخيرة ضد ترشح الرئيس الغزواني، حيث شكل القوة السياسية الكبرى الداعمة لسيدي محمد ببكر أبرز من نافس الرئيس الغزواني في انتخابات يونيو الماضي.
وحدث هذا بالتوازي مع انشقاق جناحين إسلاميين بارزين عن حزب التجمع واصطفافهما إلى جانب الرئيس غزواني.
وأدرجت الوكالة لقاء الرئيس غزواني برئيس حزب التجمع، ضمن “سلسلة لقاءات يجريها ولد الغزواني مع قادة الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان، كما سبق وأن أوضح الناطق باسم الحكومة”.
وتؤكد تسريبات من أوساط مقربة من الإسلاميين “أن حكومة الشيخ الغزواني تتجه حاليا من خلال هذه اللقاءات لتطبيع العلاقات مع الإسلاميين ضمن إجراءات تتخذها الحكومة منذ تشكيلها قبل أقل من شهرين، لتهدئة الساحة السياسية.
وبدأ الرئيس الغزواني تهدئة الساحة التي تركها سلفه في وضع بالغ التوتر، بمشاورات مع عدد من قادة معارضة النظام السابق، وينتظر أن تتواصل هذه المشاورات لتشمل بقية أطياف الساحة السياسية، حسب مصادر ملمة بالموضوع.
ويرى مراقبو هذا الملف “أن نظام الرئيس الغزواني مضطر للبحث عن صيغة للتعايش مع الإسلاميين لما يتمتع به التيار الإسلامي في موريتانيا من قوة وانتشار ، فالتجمع الوطني للإصلاح يتوفر على أكبر كتلة معارضة في البرلمان، كما للإسلاميين مؤسساتهم الخيرية النشطة في مواقع عديدة.
وضمن هذا التوجه، أكد مصدر مطلع “أن الحكومة الموريتانية ستستجيب لضغوط الإسلاميين ولطلبات ملحة لتلاميذ وأساتذة مركز تكوين العلماء داعية لإعادة افتتاحه بعد مرور سنة على إغلاقه.
وأوضحت المصادر “أن الحكومة عرضت على الشيخ الددو خلال لقائه الأخير بوزير الشؤون الإسلامية الذي سبقه لقاء له غير معلن مع الرئيس، صيغة لإعادة فتح المركز مؤسسة على قبول إدارة المركز بدخول علماء تقترحهم الحكومة في مجلس إدارته، وكذا قبولها برقابة مناهجه وموارده المالية”.
ويحسب مركز تكوين العلماء وهو مركز علمي رائد، وحزب التجمع الوطني للإصلاح على جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما تنفيه إدارة المركز وقيادة الحزب.
ودخلت حركة الإخوان المسلمين المؤسسة على فكر العالم المصري سيد قطب، إلى موريتانيا منتصف سبعينيات القرن الماضي على يد طلاب درسوا في مصر وفي العربية السعودية؛ والتزم تنظيم الإخوان في موريتانيا العمل السري منذ 1975 إلى 1991 حيث خرج نشطاؤه للعلن مع بدء دخول نظام الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع في تعددية سياسية.
وحاول الإخوان عام 1994، تأسيس حزب سياسي سموه تاريخئذ ‘حزب الأمة’ غير أن نظام العقيد ولد الطايع وقف دون ذلك، فاضطر الإخوان لممارسة العمل السياسي من داخل الأحزاب المعترف بها، ثم أسسوا عام 2001 مجموعة الإصلاحيين الوسطيين التي قدمت نفسها للرأي العام على أنها مجموعة معتدلة في فكرها وسطية في رؤاها بعيدة عن العنف مؤمنة بالديموقراطية، ولم يشفع كل ذلك لها.
وجددت الجماعة مساعي الحصول على الاعتراف بحزبها بعد سقوط نظام ولد الطايع في انقلاب عام 2005، غير أن المجلس العسكري الذي حكم بعده رفض ذلك.
وحصلت الجماعة عام 2007 في ظل حكم الرئيس الأسبق سيدي ولد الشيخ عبد الله على الاعتراف السياسي بحزبها حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية الذي حقق هذا الحزب قفزات نوعية في التمدد على الساحة الموريتانية.