هزات سياسية كثيرة يشهدها هذه الأيام حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الذي حكم به الرئيس السابق مدة عشر سنوات، وذلك ضمن تجليات انتقال موريتانيا الذي لم يكتمل بعد، من نظام الرئيس المنصرف محمد ولد عبد العزيز إلى نظام الرئيس المنتخب محمد ولد الشيخ الغزواني.
وتدور هذه التفاعلات كلها حول إشكالية واحدة تتعلق بالحزب الذي سيحكم به الغزواني، فهل سيحكم الغزواني الذي ترشح مستقلا لانتخابات يونيو/حزيران الماضي بحزب الاتحاد من أجل الجمهورية الذي يسيطر عليه مقربون من الرئيس السابق والذي يستعد الرئيس السابق لرئاسته والهيمنة على أذرعه في البرلمان وفي عموم الساحة؟ أم أنه سيؤسس حزبا جديدا يحكم به؟
تحت تأثير هذه التفاعلات ازدادت الانشقاقات، وحدثت هزات بينها استقالة محمد يحيى ولد الخرشي رئيس كتلة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، حزب الرئيس السابق المقرب من الرئيس المنصرف، واقتراح بديل عنه مقرب من الرئيس غزواني هو النائب حبيب ولد اجاه نائب مقاطعة مونگل، واستمرار المشاورات لتغيير برلمانيي الحزب من نواب رئيس الجمعية الوطنية ورؤساء اللجان البرلمانية المقربين من الرئيس السابق بآخرين مقربين من النظام الجديد، واشتعال الجدل حول التهيئة لاستمرار هيمنة الرئيس السابق على حزب الاتحاد.
وعلى إيقاع هذه التفاعلات تنشط موالاة الرئيس بشقيها الساعي للحكم بالأدوات والسياسات السابقة، والداعي لمسح الطاولة والحكم بأدوات جديدة يتحكم فيها الرئيس ولو كلف ذلك تأسيس حزب جديد وانتخابات برلمانية سابقة لأوانها.
وأكد موقع “أخبار الوطن” الإخباري في تحليله لهذه التطورات أن “استقالة ولد الخرشي ضربة جديدة لمسيري حزب الاتحاد العاكفين على تغيير ممثليه في مناصب نواب رئيس الجمعية الوطنية، وفي رئاسة اللجان البرلمانية”.
وأضاف: “تنحية ولد الخرشي أو استقالته هي إبعاد واضح للذراع الأيمن للرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز عن قيادة الفريق البرلماني لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية، وتعيين أحد المقربين من الرئيس الحالي مؤشر على عدم قناعة الرئيس به، وهو صاحب الدعوة لمأمورية ثالثة لابن عمه ولد عبد العزيز”.
وتابع: “ربما يكون ولد الخرشي قد توقع الخطوة وبادر بتقديم استقالته على ضوء الحراك القوي الذي شهده القصر الرئاسي من خلال استقبال غزواني لبعض شخصيات الحزب الحاكم”.
وكان النائب ولد الخرشي قد أدلى سابقا بتصريحات مثيرة قال فيها إن النظام الحالي أسس على ما وجد قبله من مؤسسات ومن إنجازات، وإنه سيحافظ على ما وجد أمامه من مؤسسات ومن إنجازات.
وفي تحليل آخر لهذه التطورات، أكد موقع “نوافذ” الإخباري أن “حزب الاتحاد يشهد انقسامات بدأت في الظهور للعلن، حيث بات الجناح المعارض لاستمرار تأثير الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز يعرب عن مواقفه بشكل علني، ويقوده النائب الأسبق الخليل ولد الطيب الذي دعا لنزع صور ولد عبد العزيز من مقر الحزب والتعجيل بانتخاب قيادة جديدة للحزب لأن لجنة تسييره الحالية معينة من طرف رئيس سابق للجمهورية”.
ولم يفوت كبار المدونين الموريتانيين الفرصة، فأدلوا بدلوهم في هذا الجدل. وتحت عنوان “ومن المناصرة ما قتل”، كتب المدون السياسي البارز محمد الأمين الفاضل: “يحاول البعض ممن تبقى من أنصار ولد عبد العزيز أن يحتفظ له بدور محوري في حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، ولا يعلم هؤلاء بأنهم بذلك سيكونون أشد خطرا على الرئيس السابق من ألد خصومه، تلك حقيقة يجب أن تُقال بلغة سياسية فصيحة وصريحة حتى يسمعها كل من يحاول الآن أن يحتفظ للرئيس السابق بأي دور سياسي في حزب الاتحاد من أجل الجمهورية”.
وأضاف: “فأولئك الذين كان يُفترض بهم أن يشكلوا نواة سياسية صلبة لنظام ولد عبد العزيز، وأن يشكلوا بالتالي ورقة ضاغطة بيده، هم الآن في حال يرثى له، فالكتيبة البرلمانية تفككت وتفرق أعضاؤها وتشتتوا، ولم يعد لديهم أي حضور في المشهد السياسي ولا أي تأثير يذكر”.
وزاد: “على أولئك الذين يريدون أن ينتزعوا من الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني جزءا من صلاحياته السياسية لصالح الرئيس السابق أن يعلموا بأن الرئيس غزواني يمتلك شرعية كاملة فهو رئيس منتخب، والمعارضة تعترف به عمليا، وهو ابن المؤسسة العسكرية، وعلى المستوى الخارجي فهو يمتلك علاقات قوية مع الدول المؤثرة، وداخليا فله عمقه الشعبي الكبير، ولذا فليست هناك أي ثغرة يمكن أن ينفثوا منها، أو ينتزعوا من خلالها جزءا من صلاحياته لصالح رئيس سابق”.
وكتب المدون النشط محمد المنى في مساهمة منه في هذا الجدل عن الفرص المتاحة لحزب الاتحاد قائلا: “لا تبدو الخيارات الحالية أمام الاتحاد من أجل الجمهورية كثيرة ولا مريحة على أي حال، وكلها تتلخص في خيارين بلا ثالث؛ أن يتبناه الرئيس ولد الغزواني وينشر عليه جناح السلطة وظلها الوارف الظليل، وفي هذا الحالة سيستمر الحزب كما كان طيلة السنوات العشر المنقضية، وهي كل عمره؛ جهازاً للتعبئة الموسمية، وجزءاً من الإدارة، وقناةً مع زعماء المجتمع المحلي، ومنصة انطلاق للمنتفعين وهواة التملق والتقرب.. أو أن ينأى بنفسه عنه وعن الأحزاب عموماً، باعتبار أن الدستور يحظر عليه قيادة أي حزب أحرى رعايته، وفي هذه الحالة فإن حزب الاتحاد الذي ولد في حضن السلطة ولا يعرف العيش أو التنفس خارج حضانتها، سيذوب سريعاً كما يذوب فص ملح في ماء ساخن”.
عبد الله مولود
نواكشوط ـ “القدس العربي”