بيروت: في وسط بيروت، تشكو ندى سعد من سوء إدارة الطبقة السياسية لشؤون البلاد وفسادها وعجزها عن إيجاد حلول لمشاكل متفاقمة منذ عقود، بينما يهتف متظاهرون بحماسة حولها مرددين كلمة “ثورة”.
وندى واحدة من عشرات آلاف اللبنانيين الذين تدفقوا السبت إلى وسط بيروت احتجاجاً على أداء الطبقة السياسية والوضع الاقتصادي المتردي في بلد يقوم على المحاصصة الطائفية والسياسية.
وتقول السيدة (51 عاماً)، وهي أم لابنين، بحرقة بعد ساعات من تعهد المسؤولين بالعمل على إيجاد مخرج للأزمة المعيشية: “يكذبون علينا.. يتخرّج أبناؤنا ولا يجدون وظيفة جيدة”.
وتضيف: “أينما عملنا، لا يتم تسجيلنا في مؤسسة الضمان الاجتماعي” التي تخوّل المنتسب اليها الحصول على خدمات طبية وراتب تقاعدي مقابل تسديد رب العمل والموظف اشتراكاً مالياً شهرياً للمؤسسة العامة، متابعة: “نموت على أبواب المستشفيات”.
وتردد ندى التي تعمل في تزيين الأظافر: “نريد مترو وحافلات وقطارا” في بلد لا تتوفّر فيه وسائل النقل العام وتفتقر شبكة الطرق فيه لخدمات الصيانة والتأهيل.
وبدأ اللبنانيون يتظاهرون منذ الخميس بعدما أعلنت الحكومة فرض رسم مالي على الاتصالات المجانية عبر تطبيقات الهاتف الخلوي، فكان القرار الشرارة التي دفعت عشرات الآلاف إلى الشارع.
وفي بلد تتقاسم فيه الطوائف المناصب وتعدّ الوراثة السياسية أمراً شائعاً داخل العائلات والأحزاب وتعد المحسوبيات معياراً للتوظيف، يبدو الحراك جامعا بشكل نادر، إذ إنه لا يستثني منطقة أو حزباً أو طائفة.
وإن كانت مطالب المتظاهرين متنوعة، فشعارهم واحد “كلن_يعني_كلن”، محملين مسؤولية الوضع لجميع الحكام والنواب من دون استثناء.
ولم يعد بإمكان المواطنين تحمل غلاء المعيشة والبطالة وسوء الخدمات العامة، ويرفضون توجه الحكومة لإقرار ضرائب جديدة في إطار مساعيها لتخفيف نسبة العجز وتوفير إيرادات لخزينة الدولة.
وتقول ندى بتصميم: “لا شيء لدينا إلا الديون.. نريد أن نحاسبهم”، في إشارة إلى المسؤولين.
– “نحن جائعون”
وتأججت النقمة الشعبية ضد السلطات مؤخراً بعد ارتفاع سعر صرف الليرة في السوق السوداء مقابل الدولار للمرة الأولى منذ 22 عاماً، من دون أن تقدم السلطات تفسيراً واضحا لذلك.
تأججت النقمة الشعبية ضد السلطات مؤخراً بعد ارتفاع سعر صرف الليرة في السوق السوداء مقابل الدولار للمرة الأولى منذ 22 عاماً
ويقول ماهر (33 عاماً): “نحن لا نشبه أي بلد آخر، نحن ناس جائعون، من يعمل ومن لا يعمل جائع”، منتقداً كثرة الفواتير التي على اللبناني دفعها، مثل فاتورة كهرباء مزدوجة، الأولى تُسدّد لشركة الكهرباء الوطنية والثانية لصالح أصحاب المولدات الخاصة.
ويعد قطاع الكهرباء الأسوأ في لبنان مع عدم توفر الخدمة بشكل دائم، وفشل الحكومات المتعاقبة منذ مطلع التسعينيات في تطبيق إصلاحات للنهوض به. ويقدر خبراء كلفة العجز السنوي في قطاع الكهرباء بنحو ملياري دولار سنوياً.
ولا تتوفّر المياه بشكل دائم إلى المنازل خصوصاً خلال الصيف، ما يدفع اللبنانيين إلى شراء المياه للاستحمام والغسيل. كما تعد كلفة الاتصالات الخلوية في لبنان من الأكثر ارتفاعاً في المنطقة.
وتعد جودة التعليم في القطاع الخاص أفضل بكثير من القطاع العام، إلا أن أقساطها مرتفعة وتئن عائلات كثيرة من عبء تعليم أولادها.
وتقول أمل مقداد التي يتلقى طفلاها التعليم في مدرسة خاصة: “ما لم أضعهما في هذه المدرسة لن يجدوا وظيفة جيدة. وفي حال وجدوا لن يتخطى راتبهم 600 دولار” في بلد يعادل فيه الحدّ الأدنى للأجور 450 دولارا تقريباً.
– “يقرر مستقبله”
على مسافة قريبة منها، تشارك لميا برو (38 عاماً) للمرة الأولى في تظاهرة مع بناتها الثلاثة. وتقول إنها لا تأبه بتصريحات المسؤولين الذين انصرفوا إلى تبادل الاتهامات خلال اليومين الأخيرين.
وتقول: “لا يهمنا ردّ فعل السياسيين (…) اختبرناهم كثيراً في السابق واليوم قررنا أننا لن نكمل في هذه الطريق”، مضيفة: “اليوم الشعب هو الذي سيتصرف، وهو الذي سيقرر مستقبله”.
وحمل المتظاهرون الأعلام اللبنانية، ولوحوا خلال الليل بهواتفهم الخلوية المضاءة، مرددين بصوت واحد “ثورة ثورة”.
وحمل أحدهم لافتة كتب عليها عبارة “ارحلوا” إلى جانب صور كل من الرئيس ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس مجلس النواب نبيه بري، وأخرى حملت لافتة صغيرة كتب عليها باللغة الإنكليزية “القوة للشعب”.
ورأى فادي كرم (40 عاماً) أن المسؤولين جميعاً يتحملون المسؤولية ذاتها و”الشعب تعب” منهم.
وقال: “كل الأحزاب اللبنانية متوحدة ضد الشعب، يزيدون الضرائب ليغطوا عجزهم المالي”، مضيفاً: “كل الزعماء وكل الفاسدين في الدولة مسؤولون”.
وقال كرم منذر (23 عاماً) المتخرج حديثاً ولا يزال يسدد تكاليف جامعته: “نصرخ منذ ثلاثة أيام”، مضيفاً: “بيروت تكسرت وانتشرت فيها النفايات، لكننا سننظفها برموش عيوننا”.
وأضاف معلقاً على أحداث الشغب من تكسير ومواجهات مع الأمن التي شهدها العاصمة ليل الجمعة: “لا يمكن لوم الشعب الجائع والمسكين”.
وتابعت: “الشعب حين يجوع، يأكل حكامه”.