بعد أسبوع واحد يستكمل الموريتاني محمد الشيخ الغزواني تسعين يوماً في الحكم قضاها وهو يقود انتقالاً للسلطة يريده عميقاً وسلساً ويريده خصوم سلفه السياسيين حساباً عسيراً للنظام السابق.
والملاحظ من القرارات التي يتخذها الرئيس غزواني أنه يسعى للإصلاح لكنه يريد «أن يطأ على الجراح من دون أن يتألم الجريح»، كما في المثل الشعبي المحلي. وبالإضافة للحكومة التي عينها الرئيس غزواني من كفاءات تمثل مختلف المجموعات والتي أبعد عنها عدداً من كبار وزراء الحكومة السابقة، اعتبر المراقبون أن تغيير هيئات الجمعية الوطنية، وخاصة استبدال النائب الأول لرئيس الجمعية الوطنية، دليل على أن الرئيس يتجه لتغيير شخوص واجهة نظامه داخل مؤسسات الدولة كي لا تترسخ ظنون من يتهمونه بأنه استمرار لسلفه الرئيس ولد عبد العزيز.
ونفى بيجل ولد هميد، نائب لجنة التسيير المؤقتة لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية (الحزب الحاكم سابقاً والذي يدور الجدل حول استمراره): «وجود أي خلاف بين الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز، والرئيس الحالي محمد ولد الغزواني»، مبرزاً أن «الخلاف بينهما ليس في مصلحة البلد، ولا في صالح استقراره».
وأكد ولد هميد في مقابلة مع وكالة «الأخبار» الموريتانية المستقلة «أن ولد عبد العزيز وولد الغزواني نفذا ثلاثة انقلابات عسكرية معاً، وحكما البلاد معاً لمدة 12 سنة». مضيفاً أن «ولد عبد العزيز حكم البلاد لمدة 10 سنوات، وأنه بإمكان ولد الغزواني هو الآخر أن يحكم البلاد لمدة 10 سنوات».
ويرى موقع «زهرة شنقيط» واسع الاطلاع «أن الركود سيطر على مجريات الأمور خلال الأشهر الثلاثة التي حكمها الرئيس الغزواني، وذلك ما أرجعه الموقع للتحول الحاصل، ولصعوبة الأوضاع الداخلية، ولمحاولة الانتقال من مرحلة إلى أخرى من دون افتعال أزمة مع سلفه أو الارتهان لأجندة معاونيه، ممن كانوا يخدمون مع الرئيس المنصرف أو المعارضين المتحمسين للقطيعة النهائية مع سلفه».
وأكد «أن الرئيس الغزواني انشغل خلال الأشهر الثلاثة الماضية بتهدئة الأوضاع الداخلية، عبر استقباله لأبرز رموز المعارضة الموريتانية، كالرئيس أحمد ولد داداه، والمرشح سيدي محمد ولد بوبكر والمرشح بيرام ولد أعبيدى، والمرشح محمد ولد مولود، وزعيم المعارضة إبراهيم ولد البكاي».
وخصصت أسبوعية «جون أفريك» الصادرة بالفرنسية عدداً لتحليل ملامح الطريقة التي أدار بها الرئيس غزواني دفة الحكم خلال الأشهر الثلاثة المنقضية، حيث أكدت «أن غزواني خضع منذ أول يوم لتوليه السلطة لضغوط من المعارضة ومن بعض وسائل الإعلام لحمله على القطيعة مع صديقه وسلفه محمد ولد عبد العزيز، غير أنه ظل متمسكاً بأسلوبه البطيء الهادئ المناسب لسليل عائلة محافظة».
وأضافت: «مع أن الرغبة الشعبية في التغيير كانت شديدة الإلحاح بعد انتخابات حزيران/يونيو الماضي، فقد تمكن الرئيس الغزواني من تطويع الرأي العام لطريقته المتأنية في الحكم القائمة على رزمة تعهدات هدأت الساحة المتأزمة منذ عشر سنوات». وتابعت المجلة تحليلها: «لقد أدركت المعارضة أن الرئيس غزواني قادر على إحداث التغيير المطلوب؛ فإذا كانت حكومة الثامن من آب/أغسطس الماضي لم تشمل أياً من وجوه المعارضة المتشددة، فإن الرئيس غزواني قد عوض عن ذلك باستقباله لرؤساء أحزاب المعارضة، تنفيذاً لوعد سابق له قال فيه سأظل طيلة مأموريتي منفتحاً على المشهد السياسي كله؛ لأن موريتانيا في حاجة للجميع معارضة وموالاة».
وأكدت «جون أفريك» في تحليلها «أن ظل الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز ما زال مخيماً على الشأن العام، مع أنه سافر مباشرة بعد تسليمه السلطة إلى تركيا ثم إلى أوروبا، والجميع يتساءل عن وضعه بعد عودته إلى موريتانيا: فالمعارضة تحلم بتقديمه للمحاكمة على الفساد والنهب اللذين تتهمه بهما، والموالاة السابقة تشعر بنوع من اليتم، ويحاول بعض قادتها الاستحواذ على قيادة حزب الاتحاد، صاحب الأغلبية في البرلمان، وهو أمر يبدو أنه بعيد المنال».
وخلصت إلى التوقف أمام تخوفات يبديها البعض إزاء الحرج الذي قد يسببه الرئيس السابق للرئيس الحالي إذا تدخل بعد عودته في القضايا السياسية والاقتصادية، أو إذا هو دافع عن مصالح مجموعته، لكن هذه التخوفات، تضيف المجلة، مستبعدة بفعل الصداقة الطويلة جداً بين الرجلين، مع أن السلطة، كما يقول، المفكر الفرنسي جان بودين، «لا يمكن تقاسمها إلا بقدر ما تتقاسم النقطة في علم الهندسة».
عبد الله مولود
القدس العربي