«القدس العربي»: مع أنه دشن للتو مقره الجديد بصورتين مكبرتين للرئيسين عزيز وغزواني، وبحضور رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة، ما يزال حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الذي يملك الأغلبية في البرلمان الموريتاني الحالي والذي أسسه الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز غداة تنفيذه لانقلاب 2008، في حالة افتقاد البوصلة التي اعترته منذ أن سلم مؤسسه السلطة للرئيس الحالي محمد الشيخ الغزواني.
ومنذ مغادرة الرئيس ولد عبد العزيز للسلطة، مستهل آب/أغسطس الماضي، والجدل يشتعل حول مصير حزب الاتحاد، ومنذ ذلك اليوم والصراع يحتدم بين تيارين أوثلاثة تحيط بالرئيس غزواني، أولها يسعى للاحتفاظ بالحزب عبر تنظيم مؤتمره المقرر الشهر المقبل بما يضمن وضعه تحت رئاسة الرئيس غزواني وإبعاد الرئيس السابق عنه، وإزاحة الوجوه الحزبية التي حكم بها الرئيس السابق واستبدالها بأخرى جديدة، والثاني تيار يسعى لانتخاب الرئيس السابق، محمد ولد عبد العزيز، رئيساً للحزب وبقاء الحزب موالياً للرئيس غزواني، بحيث تكون السلطة السياسية بيد الرئيس السابق والسلطة الرئاسية التنفيذية بيد الرئيس غزواني؛ وهناك تيار ثالث يطالب بمسح الطاولة والتخلي النهائي عن حزب الاتحاد بتأسيس حزب جديد تتلوه انتخابات برلمانية تتمخض عن أغلبية ناصعة للرئيس غزواني لا منة فيها لأحد عليه.
وتتماشى رؤية التيار الثالث مع ما وقع في موريتانيا منذ عام 1978، فالسياسيون الموريتانيون من شيوخ القبائل واللاهثين وراء المال والمناصب يصطفون في العادة مع الحزب الذي يقوده الحاكم مهما كان، ويتخلون عن الحزب الذي لم يعد قائده يرأس البلاد؛ فقد تخلى الجميع عن حزب الشعب الذي حكم به الرئيس المؤسس مختار ولد داداه، وانضموا لصفوف حركة هياكل تهذيب الجماهير التي أسسها الرئيس الأسبق، خونا ولد هيدالة، ثم تخلوا عنها بعد إزاحته عن السلطة وانضموا للحزب الجمهوري الذي حكم به الرئيس الأسبق العقيد معاوية ولد الطائع، قبل أن يتخلوا عنه عام 2005، لينضموا لحزب العهد الديمقراطي الذي أسسه الرئيس الأسبق، سيدي ولد الشيخ عبد الله، قبل أن يتخلوا عنه لينضموا لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية الذي حكم به الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز والذي يوجه اليوم أمام مفترق طرق.
ومع أن الغموض ما زال يلف موقف الرئيس من هذا الإشكال، فقد فسر المراقبون ترؤس إسماعيل الشيخ سيديا رئيس الوزراء لحفلة تدشين المقر التي نظمتها القيادة المؤقتة لحزب الاتحاد، بأنه توجه من الرئيس غزواني نحو الإبقاء على حزب الاتحاد، لكن الأمور، حسب متابعين لهذا الشأن ليست بتلك البساطة، فهي لن تتضح قبل أن ينعقد مؤتمر حزب الاتحاد، وينتخب هيئته السياسية، فإن هو انتخب الرئيس السابق زعيماً للحزب فسيعني ذلك أن الرئيس غزواني موافق على وجود الرئيس السابق ولد عبد العزيز رئيساً لأقوى كتلة سياسية في البرلمان بما ينطوي عليه ذلك من ارتهان، وإن بقي الرئيس السابق بعيداً عن رئاسة الحزب فإن ذلك يعني أن الرئيس غزواني يتجه لإعادة تدوير حزب الاتحاد ليكون الحزب الذي سيحكم به بما يتطلبه ذلك من تغييرات في الأشخاص والسياسات.
وينتظر عموم الموريتانيين المصير الذي ستؤول إليه الأمور بعد المؤتمر المقبل لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية، لإعلان موالاتهم التلقائية للحزب بالصفة التي سيضفيها عليه الرئيس غزواني إذا هو قرر ذلك أو الانتقال نحو أي تشكيلة أخرى قد يؤسسها الرئيس.
وأكد النائب السابق الخليل ولد الطيب، وهو من أنصار الرئيس السابق، في مقابلة مع أسبوعية «القلم» الصادرة بالفرنسية «أن تياره يدعو لجعل الرئيس الغزواني مرجعية حزب الاتحاد مع الإبقاء على الحزب».
وقال: «لا نريد تأسيس حزب جديد، بل نريد أن يتوسع حزب الاتحاد ليشمل التجمعات والتيارات والمبادرات التي ساندت الرئيس غزواني وأن يكون الرئيس غزواني هو مرجعيته، لأن حزب الاتحاد ليس ملكاً لشخص ولا لمجموعة أشخاص».
وكانت تعليقات المدونين على حفلة تدشين مقر حزب الاتحاد ومشاركة الحكومة فيها مثار استغراب وانتقاد المدونين.
وكتب الإعلامي محمد المنى: «من شاهد احتفال حزب الاتحاد بمقره الجديد، ورأى الوزير الأول ومدير الديوان وكافة الوزراء وكبار المسؤولين حاضرين هناك، فلن يخالط يقينه أدنى شك في أن الأول من أغسطس 2019 مثله مثل الأول من أغسطس 2018، كأي يوم آخر من أيامنا الأخرى منذ 6 أغسطس 2008».
وكتب الصحافي أحمد الوديعة: «تدشين الوزير الأول، وهو لما يكمل مئويته الأولى، مقر حزب الحاكم، يقدم فكرة عن نمط الحكامة السياسية المتوقعة، ويقدم رسالة من فوق الماء للحالمين، ألا تذهبوا بعيدا».
وانتقد الكاتب حبيب الله أحمد بشكل لاذع حفلة التدشين قائلاً: «المقر الجديد للكونفدرالية العامة للصوص موريتانيا، وتتكون من عدة نقابات منها نقابة المفسدين الموريتانيين، ونقابة تسعة رهط، ونقابة الوطنية للسراق الحمر، ونقابة قدماء اللصوص»، حسب تعبيره.
وكتب شنوف مال كيف مدير وكالة الطوارئ الإخبارية معلقاً بقوله: «حضور أعضاء الحكومة لحفل تدشين مقر حزب الاتحاد يعتبر من الأخطاء التي نشاهدها بين الفينة والأخرى، ما يعرفه الموريتانيون أن اعضاء الحكومة في أغلبهم غير ممارسين للسياسة». وأضاف: «هذه الواجهة بصورة الرئيس السابق لا تشعرني بالراحة على مستقبل موريتانيا ديمقراطياً؛ المفروض أن هذا الرجل قضى فترته وانتهت تلك الحقبة، وغير ذلك يدخل في خانة اللعب بالنار».