وسعت وزارة الصحة الموريتانية أمس، مستفيدة من هبة شعبية داعمة لها ولوزيرها، إجراءاتها وحملاتها التفتيشية من أجل القضاء على خطوط الاتجار بالأدوية المزورة ومنتهية الصلاحية التي تديرها مافيا محلية قوية تسيطر منذ عقود على سوق الأدوية.
وتدخل هذه الحملة ضمن إصلاحات بدأتها الحكومة الموريتانية الجديدة، ينتظر أن تشمل جوانب عدة، أهمها تخفيض أسعار الاستشارات الطبية من عشرة آلاف أوقية (30 دولاراً) إلى ألفي أوقية (خمسة دولارات).
وأعلنت وزارة الصحة الموريتانية، في توضيح لها أمس عن حملة إصلاح قطاع الصيدلة، أن «ما تطالب به هو تطبيق دفتر الالتزامات الذي وقع عليه ووافق عليه كل من يعمل في قطاع بيع الأدوية»، مبرزة «أن هذا الدفتر يتكون من ست نقاط، هي: حصول الصيدلية على ترخيص، ووجود مسؤول فني فيها، واحترامها لمسافة 200 متر بين كل صيدليتين وبينها والمؤسسة الصحية، ووجود تكييف مشغل، ووجود براد مشغل، وعدم بيع أدوية منتهية الصلاحية». وأضافت: «ربما الجديد في الأمر هو وجود إرادة سياسة صارمة في حماية المواطن من خطر التهاون بالاتجار بهذه المواد الخطيرة التي يجب ألا يعمل فيها إلا من كانت له أخلاق وقيم تمنعه من الانجراف وراء مغريات المادة».
وأكدت الوزارة «عزمها مواصلة الرقابة الصارمة على تنفيذ الإجراءات القانونية ومتابعتها على جميع المستويات من قبل طاقم فني مشكل لهذا الغرض ومتابع بشكل يومي من أجل تطبيق دفتر الالتزامات الذي يلتزم به الشركاء علناً ويخالفونه في التطبيق».
وأوضحت «أن كل قرار إصلاحي لا بد أن ينتج عنه مستفيد ومتضرر، والمستفيد من هذا القرار هو جميع السكان، بمن فيهم أولئك الذين يتاجرون بهذه المواد بشكل غير شرعي».
«أما الرابح الوحيد، تضيف الوزارة، فهي شركات بيع السموم وتجار الموت الذين لا يتورعون عن قتل الناس في سبيل حصلهم على كسب مالي».
ودق الدكتور نذير حامد، وزير الصحة الجديد المنغمس في إصلاح قطاع الصحة، ناقوس الخطر محذراً من الفوضى التي تعم المجال الدوائي والصيدلاني الوطني.
وأكد في تصريح أخير له أنه «قدم لمجلس الوزراء بياناً يتعلق بتأمين البلد بالأدوية والمستلزمات الطبية النظيفة، عبر اعتماد نظام جديد يقوم على تجميع كافة الطلبات المتعلقة بالأدوية والمستلزمات الطبية ومركزتها وعرضها على مجموعة من الموردين المنتقين على أساس جودة مواردهم والخدمات التي يقدمونها».
وقال للصحافة «أنه سيتم فتح صفقة مع المورد الذي سيتم اختياره وستوحد جميع الاستيرادات في صفقة واحدة وتشكل لجنة مشتركة بين الدولة والخصوصيين لمناقشة جميع مقترحات الموردين الوطنيين والأجانب والاطلاع على جودة أدويتهم وعلى أسعارها».
وأوضح أن المورد المختار يجب أن يكون قادراً على ضمان الجودة وخفض الأسعار، في الوقت الذي ستكون الوكالة المركزية لشراء الأدوية والتجهيزات والمستلزمات الطبية هي نقطة توريد وتوزيع جميع الأدوية على الصيدليات وعلى جميع المراكز الصحية في عموم البلاد».
وحيت نقابة الأطباء العامين الموريتانيين الإجراءات الأخيرة المتخذة لتنظيم قطاع الأدوية وإصلاح القطاع الصحي بشكل عام».
وأضافت في بيان وزعته أمس: «نحن كأطباء، أول المتضررين من فوضوية استيراد الأدوية والمستلزمات الطبية التي تنعكس سلباً على عملنا اليومي وعلى صحة مرضانا، ونؤكد على ضرورة التنفيذ التام لهذه الإجراءات من أجل ضمان صحة المواطن والولوج للخدمات الصحية بصفة آمنة، عبر توفير أدوية ومستلزمات طبية ذات جودة عالية ومضمونة، وكذا تنظيم للقطاعين الطبيين العام والخاص».
وساند المدونون الموريتانيون الناشطون حملة القضاء على الأدوية، بمئات الإدراجات النثرية والشعرية، ومن ذلك ما كتبه المدون محمد الأمين دب سالم الذي كتب يقول: «ما قام به وزير الصحة الدكتور نذير حامد يستحق الإشادة فعلاً، والوقوف ضد أولئك الوحوش واجب وطني، والشروط التي وضعها الوزير مطبقة في كثير من الدول وليست سوى أقل الواجب، لقد أصبح امتلاك صيدلية عندنا يشبه امتلاك بقالة»، حسب تعبيره.
وضمن الحملة الموسعة الحالية المضادة لمافيا بيع الأدوية المغشوشة، نشر المحامي والمدون محمد المامي مولاي أعل تكييفاً لجريمة استيراد وبيع الأدوية وفقاً للقوانين الموريتانية، فأكد أن «بيع الأدوية الذي لم يترتب عنه موت للمشتري ولا زعزعة للمؤسسات الاجتماعية والاقتصادية للبلد، مجرم ومعاقب بالمادة 143جديدة من القانون رقم 022/2010 المعدل بالقانون رقم 29/2015 المتعلق بالصيدلة، التي تنص على عقاب استيراد أو بيع الأدوية المزورة أو المنتهية الصلاحية أو غير الصالحة للاستعمال، بالحبس من سنتين إلى ثلاث سنوات وغرامة عشرة ملايين أوقية (150 ألف دولار)».
وأضاف: «استيراد وبيع الأدوية المزورة الذي ترتب عنه موت المشتري وجني البائع للمال هو قتل غيلة، وقتل الغيلة هو القتل خفية بالحيلة والخداع، واشترط فيه بعض متأخري المالكية أن يكون من أجل المال، كما اشترط بعضهم أن يكون القتل من غير ثائرة ولا عداوة، وكل هذه الشروط متوفرة، وقتل الناس غيلة اعتبرته المادة 353 من القانون الجنائي حرابة، وعاقبته المادة 354 بالقتل، أو الصلب أو قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى».
«أما إذا كان من شأن استيراد وبيع الأدوية المزورة بحكم طبيعته وسياقه زعزعة الهياكل أو المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية للأمة، وسبباً في انتشار مواد خطيرة من شأنها تعريض حياة الناس للخطر -يضيف المحامي المدون- فيكون جريمة إرهابية وفقاً للفقرة الأخيرة من المادة 3 والفقرة الثانية من المادة 5، كل ذلك من القانون رقم 35/2010 المتعلق بمكافحة الإرهاب، ومعاقب بالسجن من عشرين سنة الى ثلاثين سنة، وغرامة من عشرين مليون إلى ثلاثين مليون أوقية، طبقاً للمادة 9 من نفس القانون». وسبق لمعهد البحث المضاد لتزوير الأدوية الفرنسي (IRACM) أن تحدث في تقرير أخير له «عن نشاط واسع لمهربي الأدوية في منطقة تشمل موريتانيا ومالي، وتشكل مصدراً كبيراً لغالبية الأدوية المزورة الموزعة في غرب إفريقيا».
وأظهر تقرير المعهد «أن تزوير الأدوية في موريتانيا يتفاقم بشكل مذهل منذ عام 2004 تاريخ صدور قانون جديد يسمح لكل موريتاني بافتتاح صيدلية لبيع الأدوية بشرط حصوله على اعتماد من حامل شهادة في الصيدلة».
نواكشوط -«القدس العربي»