الكل في موريتانيا منشغل الآن بقضية الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز الذي يواصل مقاومته للإجماع الذي يتقوى انعقاده حول ضرورة تواريه عن صدارة المشهد وإفساح المجال واسعا أمام الرئيس المنتخب محمد الغزواني للتمتع بصلاحياته السياسية والدستورية.
ومع أن الرئيس السابق فقد أقرب المقربين إليه ممن دافعوا عن نظامه خلال العقد الماضي، فإنه يرفض الرضوخ للواقع، ويواصل اتصالاته بل وهجومه على الرئيس الغزواني.
وفي هذا الإطار وصف ولد عبد العزيز ما سماه “تدخل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني في تسيير حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم”، ووصفه بأنه “إجراء غير دستوري”، قبل أن يتعهد بـ”التصدي له بكل الوسائل”، وفقا لما أكدته مصادر خاصة لوكالة “صحراء ميديا”.
وخلال اجتماع مع قيادات شبابية ونسائية من الحزب الحاكم بمنزله بالعاصمة نواكشوط، أكد ولد عبد العزيز أن “ما قام به ولد الغزواني إجراء غير دستوري”، مضيفاً أن “الدستور الموريتاني يمنع رئيس الجمهورية من الانتماء لأي حزب سياسي أو قيادته”.
وأضاف ولد عبد العزيز مخاطباً الحاضرين الذين انفضوا بعد تصريحاته: “سأتصدى بكل الوسائل لهذا الإجراء غير الدستوري، ومن سيكون معي في هذا التوجه عليه أن يقولها الآن”.
وسيطرت قضية ولد العزيز ومحاولته العودة للمشهد السياسي من خلال رئاسة الحزب الحاكم، على اهتمام الشارع السيسي والشعبي في موريتانيا، حتى ألهت الناس عن إحياء الذكرى الـ59 لعيد الاستقلال التي يحتفل بها الخميس المقبل.
وانشغل الرأي العام الموريتاني بتخلي كبار أعوان الرئيس السابق عنه، وبخاصة تدوينة سيدي محمد ولد محمد رئيس الحزب الحاكم التي خاطب فيها الرئيس السابق بقوله: “لقد عملنا سنين عددا على أن يكون هذا الحزب مشروعا وطنيا لا مشروع شخص أو ملكيته، وكنت أولنا، وكما دعمناك يوم كنت رمز وحدتنا، ثق بأننا وبكل قوانا سنتصدى لك حين ترضى لنفسك أن تكون رمزا للتمرد على الشرعية الحزبية والدستورية؛ بكل الذي بيننا، أرجوك… توقف”.
ودعا المدونون الموريتانيون الرئيس الغزواني لحسم قضية تمرد ولد عبد العزيز قبل أن تستفحل، وتساءل المدون البارز محمد المنى “عما إذا كان الرئيس السابق قد استدرج للعودة إلى موريتانيا من سفره الطويل، للتمكن من اعتقاله”.
وكتب النائب محمد الأمين سيدي مولود: “لا ينبغي أن تطول هذه الأزمة، ولن تطول، فهذه أيام الاستقلال ونقاش الميزانيات برلمانياً، ومشاكل التعليم والصحة، وأفق الغاز، والعمل على تهدئة المناخ للاستثمارات الخارجية، والانفتاح على المعارضين، هذا مع حاجة المجتمع لفترة من الخدمة الجدية من الجميع حسب المواقع والمهام”.
وقال: “لذلك سوف يُحل الأمر بوساطة وتحرك يرضخ عزيز أثره للخروج بالهدوء والصمت الأبدي، او ينسحب عنه بقايا البقايا فيبقى وحيدا متشنجا تشنجا قد تترتب عليه تصرفات تعجل بوصوله إلى محطة أكثر ملاءمة له ولمساره وجرائره”.
وعلق المدون المعارض سعد حمادي قائلا: “عناد وجنون عظمة أم مس من الجنون؟ هل تعتقدون أن تصرفات الرئيس السابق هي بسبب العناد وجنون العظمة، أم هي بالفعل حالة نفسية يمر بها الرجل تتطلب علاجا نفسيا؟ فما الذي يدفع عزيز إلى حرق أهم جسور الأمان المتبقية لديه، وهو الرئيس الحالي غزواني الذي كان آخر كلام نُقل عنه هو وصيته لقياديي حزب الاتحاد، باحترام الرئيس السابق وعدم الإساءة إليه”.
وكتب الأستاذ الجامعي البارز أبو العباس إبرهام: “فقدَ عزيز عرشَه. والآن- كالملِك ليرْ- فإنّه بدأ يتكلّم عن الأخلاق. إلاّ أنّه -للأسَف- ليس في المكان الأنسَب للتنظير في الشّرف. الحقّ أقول لكم: إنّ الأخلاق قد دُمِّرت في 2008، واستُبدِلَت بالقوة والبجاحة والصلف والبغي. واليوم يبدو أنّ من فقَد القوة لم يبقَ له إلاّ الركون للأخلاق. ولكن أيّة أخلاق؟ الصّيفَ ضيّعتِ اللبن!”.
واستغرب المدون البارز محمد الأمين الفاضل من تصرفات الرئيس السابق، وقال في تحليل كتبه عن الموضوع: “إذا كان لابد من تفسير تلك التصرفات، فإنه لن يكون بالإمكان تفسيرها إلا بشيء واحد: وهو أن الرئيس السابق كغيره من الرؤساء الدكتاتوريين قد كتبت له خاتمة سياسية سيئة، ولابد له أن يمهد لها بتصرفات غبية ومتهورة”.
وأضاف: “يبدو أن الرئيس السابق والذي لم يكن يفصله إلا ذراع واحد عن دخول دائرة الرؤساء الأفارقة والعرب المتميزين الذين تنازلوا طواعية عن السلطة تكريسا لمبدأ التناوب السلمي على السلطة، قد سبق عليه الكتاب فعمل عمل الرؤساء الدكتاتوريين الذين جعلهم حب السلطة يتصرفون كالأغبياء والمجانين”.
وزاد الفاضل: “حكم الرئيس السابق البلاد لمأموريتين كاملتين مع عام بونيس، وأتيحت له الفرصة أن يجمع من المال ما جمع، وأن يخرج من السلطة كخروج الأبطال، وكان من حسن حظه أن الرئيس الذي خلفه على كرسي الرئاسة هو صديقه الوفي الذي يتجنب الصدام مع الخصوم، فكيف إذا كان الأمر يتعلق برئيس سابق وبصديق لعقود كاملة من الزمن”.
وقال: “كان الجميع ينتقد الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني بأنه يبالغ كثيرا في الوفاء لصديقه الرئيس السابق، وبأن ذلك الوفاء ربما كان على حساب المصالح العليا للوطن، ومع ذلك فلم يتردد الرئيس السابق في توجيه الطعنات تلو الطعنات لصديقه الرئيس، ولم يتوقف الرئيس السابق عن طعن صديقه في الظهر بالتسريبات خلال أيام الحملة الانتخابية”.
وزاد: “ولم يتوقف ولد عبد العزيز عن طعن صديقه في الظهر بعد فوزه في الانتخابات، فما كان منه إلا أن أعلن عن حالة طوارئ كي يفسد على صديقه فرحة الفوز وطعم النصر، ولم يتوقف عن طعن صديقه في الظهر بعد أن أصبح رئيسا، فها هو اليوم ينازع صديقه الرئيس على حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، ومع ذلك فهو لا يملك من جنود في ذلك النزاع سوى حفنة قليلة من أعضاء لجنة تسيير الحزب ومن النواب الذين لا يفقهون شيئا في السياسة، فلماذا يصر الرئيس السابق على أن يوجه الطعنات تلو الطعنات لصديقه الرئيس، والذي يعتبر هو الشخص الوحيد القادر على حمايته والمستعد في الوقت نفسه على توفير تلك الحماية؟ ولماذا يصر الرئيس السابق على أن يكشف ظهره لأعدائه وما أكثر أعدائه، وأن يحارب في الوقت نفسه أصدقاءه وما أقل أصدقاءه؟، فهل يعتقد الرئيس السابق بأنه يستطيع أن يهزم دولة كاملة برئيسها وجيشها وموالاتها ومعارضتها، أن يهزمها بعشرة نواب وثلاثة أعضاء من لجنة تسيير مؤقتة؟ ما أقدم عليه الرئيس السابق لا يمكن تفسيره إلا بشيء واحد، وهو أنه يصر على أن تكون خاتمته السياسية سيئة”.
وتوصل المدون النشط هارون محمد لخلاصة عامة أكد فيها “أن ولد عبد العزيز اختار أن يضع رفيقه غزواني أمام خيارين لا ثالث لهما، الأول: أن يسمح غزواني لولد عبد العزيز بحضور في المشهد السياسي وذلك سيخلق ضبابية في من يتحكم بالفعل في زمام الأمور مما يهيئ الظروف المؤاتية لحدوث انقلاب عسكري عاجل غير آجل والثاني: أن يضع غزواني حدا نهائيا وبشكل حاسم وسريع وصارم ولا رجعة فيه ولا لبس فيه لمساعي ولد عبد العزيز في الرجوع للمشهد السياسي”.
عبد الله مولود
نواكشوط- “القدس العربي”