زادت التصريحات التي أدلى بها الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز فجر الجمعة، من شدة الأزمة التي فجرها هو نفسه بمحاولته، قبل شهر من الآن، الهيمنة على الحزب الحاكم عكساً لإرادة الرئيس المنتخب الشيخ الغزواني وأنصاره.
فقد تضمنت تصريحات الرئيس السابق التي أدلى بها في مؤتمر صحافي مثير استمر لساعات فجر الجمعة، انتقادات شديدة اللهجة للرئيس الغزواني واتهامه بالخروج على الدستور والقانون في العملية التي يتعرض لها الحزب الحاكم حزب الاتحاد من أجل الجمهورية منذ أيام، والتي شملت إبعاد أنصار الرئيس السابق عن الحزب والتحضير لعقد مؤتمره يوم السبت المقبل.
وانعكست تصريحات الرئيس السابق على المشهد في نواح عدة، حيث أزيلت صوره من مقر حزب الاتحاد، وهو الذي أكد في مؤتمره الصحافي أنه مؤسس هذا الحزب وأنه يحمل بطاقة الانتساب رقم 1 بين أعضائه.
وشوهد أمس عمال ينظفون واجهة الحزب وقاعاته ومكاتبه من صور ولد عبد العزيز ويعلقون محلها صوراً مكبرة للرئيس الغزواني، وهو ما اعتبره المدونون والمراقبون إجراء رمزياً له دلالات كبيرة على أن الخلاف بين الرئيسين وصل إلى نقطة اللاعودة.
وضمن الحراك المضاد للرئيس السابق، نظمت مبادرة «اندور حقي» (أريد حقي) الشبابية أمس بدوار مدريد في العاصمة الموريتانية نواكشوط، أولى جلسات المحاكمة الشعبية الرمزية للرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز.
وقد وضعت المبادرة على طاولة المحكمة ملفات عدة، من بينها الملف الأول الذي يشتمل على إحدى عشرة تهمة بينها إفلاس المؤسسات العمومية، واختلاس المال العام، وقلب نظام الحكم، وتعطيل العمل بالدستور، وتسليم المواطن الليبي عبد الله السنوسي مقابل مبلغ مالي، والقيام بتعديلات غير دستورية أسفر عنها تغيير العلم والنشيد الوطنيين وحل مجلس الشيوخ، واستغلال القضاء لتصفية الحسابات السياسية مع الخصوم السياسيين.
وكانت جلسة المحاكمة الأولى برئاسة الناشطة حواء احميدي، وعضوية وجاه ولد لدهم وعبد الوهاب ولد سيد المختار، ونظراً لغياب المتهم، انتدبت «المحكمة الشعبية» محامياً للدفاع عن المتهم محمد ولد عبد العزيز، في محاولة منها لتحقيق العدالة. وفي هذه الأثناء، واصل كبار المدونين تحليلاتهم لتصريحات الرئيس السابق، مجمعين على أنها قضت على ما بقي من صداقته مع الرئيس الغزواني.
واستخلص الإعلامي البارز أحمد محمد مصطفى، في تحليل لتصريحات الرئيس السابق، «أن لدى ولد عبد العزيز رسالتين، حاول أن تصلا البريد الشخصي للرئيس «الجديد» محمد ولد الغزواني، ومن خلاله لكبار مساعديه، خصوصاً من كانوا ضمن نظام ولد عبد العزيز؛ وتشكلت الرسالتان من بالون السياسة، وقنبلة الفساد».
«فيما يخص بالون السياسة، يضيف المدون، حرص ولد عبد العزيز على محاولة حصر المشكل، أو ما سماه «الأزمة التي كان يمكن تفاديها» في الملف السياسي عموماً، وفي حزب الاتحاد من أجل الجمهورية بشكل خاص، حيث أراد إيصال عدة رسائل من خلال تركيزه على منح الأزمة طابعاً سياسياً محضاً».
وقال: «أولى هذه الرسائل الظهور بمظهر الضحية المستضعف المضطهد المتضايق، الذي تتدخل السلطات للضغط على الفنادق والقنوات حتى لا تترك له مجرد فرصة للتعبير عن رأيه بحرية. والرسالة الثانية موجهة للخارج أكثر من الداخل، وهي إظهار خليفته بمظهر المستبد الدكتاتوري. وثالثها، يضيف الكاتب، التركيز على دور معاوني الرئيس دون تبرئته هو، والإيحاء بأنه ربما أضحى «رهينة» لدى أطراف جديدة تدفعه لتجاوز القوانين والدستور، وربما تقنعه بالوقوع في أخطاء أكثر خطورة».
وبخصوص قنبلة الفساد، أوضح الكاتب «أنها تتمثل في التلويح في وجه الجميع بـ «قنبلة الفساد»، لقد حاول الرجل توصيل رسالة صريحة لنفس المجموعة السابقة، أي الرئيس محمد ولد الغزواني وكبار المسؤولين، خصوصاً من عملوا معه خلال العشرية، وأنه لا يخاف تفجير قنبلة الفساد لأن الجميع سيتضرر من شظاياها ولن يربح أحد».
وعلق المدون البارز محمد الأمين الفاضل، على خرجة الرئيس السابق قائلاً: «إسقاط صورة الرئيس السابق كان متوقعاً، ولكن في النصف الأول من العام 2020، فما حصل هو أن الرئيس السابق قد تصرف بطريقة متهورة كانت السبب في تسارع الأحداث وفي نزع صوره من مقر حزب الاتحاد من أجل الجمهورية قبل العام 2020».
وزاد: «إذا لم يسارع الرئيس السابق في رفع الراية البيضاء فثقوا تماماً بأن عبارة «النظام البائد» ستدخل قريباً في حيز التداول السياسي والإعلامي».
وقال: «من المضحكات المبكيات أن يكون لواء الدفاع عن الديمقراطية يحمله الرئيس السابق، وأن يكون على ميمنته الوزير السابق ولد محمد خونا، وعلى ميسرته النائب بيجل».
وأشار الفاضل إلى أن «الراجح أن المستقبل السياسي للرئيس السابق لن يكون مشرقاً ولا مضيئاً، بل إنه يمكن القول بأن الرئيس السابق قد انتهى سياسياً، وأن اجتماعه بلجنة تسيير الحزب وتنظيمه لمؤتمر صحافي سيشكلان البداية الفعلية لتلك النهاية السياسية».
عبد الله مولود-«القدس العربي»