شهد عام 2019 أحداثا وتطورات سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية بارزة على الساحة الوطنية في موريتانيا كان أبرزه، دون منازع، تجسيد أول تناوب ديمقراطي سلمي على السلطة في تاريخ البلد.
بدأ العام المنصرم بحراك واسع النطاق قاده نواب من الحزب الحاكم من أجل الدعوة لتعديل الدستور وتمكين الرئيس محمد ولد تعزيز من الترشح لمأمورية ثالثة؛ وشرع هؤلاء في جمع التوقيعات لتمرير عريضة لهذا الغرض، قبل أن يتم وقف تلك الحملة ببيان صدر عن رئاسة الجمهورية يوم 15 يناير، في غياب ولد عبد العزيز.
في أواخر شهر يناير نظمت في نواكشوط مسيرة حاشدة انتهت بمهرجان ترأسه ولد عبد العزيز في ساحة مطار نواكشوط القديم بحضور جميع أعضاء الحكومة والبرلمان من الحزب الحاكم والاغلبية؛ تحت شعار "الوحدة الوطنية"، ليتم الأعلام رسميا عن استبدال تسمية شارع جمال عبد الناصر بوسط نواكشوط بشارع الوحدة الوطنية.
في نهاية نفس الشهر أعلن الرئيس ولد عبد العزيز، خلال اجتماع لمجلس الوزراء، عن ترشيح وزير الدفاع يومها محمد ولد الشيخ الغزواني للانتخابات الرئاسية التي ستنظم نهاية يونيو، وهو ما أكده وزير الثقافة الناطق الرسمي باسم الحكومة ورئيس الحزب الحاكم آنذاك سيدي محمد ولد محم في المؤتمر الصحفي الأسبوعي للحكومة.
في فبراير أصدرت السلطات قرارا بإغلاق "جمعية الخير للتنمية" و"الندوة العالمية للشباب الإسلامي" المحسوبتنان على التيار الإسلامي في موريتانيا، ضمن سياق إغلاق مركز تكوين العلماء وجامعة عبد الله ابن ياسين، التابعين للعلامة الشيخ محمد الحسن ولد الددو.
في الأول من مارس أعلن وزير الدفاع محمد ولد الغزواني ترشحه للانتخابات الرئاسية، وألقى خطاباً أمام عشرات الآلاف من أنصاره وسط العاصمة نواكشوط، قبل ان يصدر ولد عبد العزيز مرسوما تضمن تعديلا طفيفا على الحكومة تم بموجبه خروج ولد الشيخ الغزواني من التشكيلة الوزارية.
أعلنت أحزاب المعارضة فشلها في الاتفاق حول "مرشح موحد" وتركت كل الخيارات مفتوحة أمام أحزابها لترشيح او دعم من تراه مناسبا لخوض الرئاسيات؛ ثم أعلن النائب والناشط الحقوقي بيرام ولد الداه ولد عبيد ترشحه بدعم من حزب الصواب المعارض، كما أعلن رئيس حزب اتحاد قوى التقدم المعارض، محمد ولد مولود، ترشحه للرئاسة فدعمه حزبا تكتل القوى الديمقراطية والتناوب الديمقراطي (إيناد) المعارضان.
وفي نهاية نفس الشهر أعلن الوزير الأول الأسبق، سيدي محمد ولد بوبكر، ترشحه للرئاسيات فنال دعم أحزاب معارصة أبرزها "تواصل" و"حاتم".
في شهر إبريل أغلقت الساطلات الأمنية جمعية "يداً بيد للثقافة والعمل الاجتماعي"، من دون الكشف عن أسباب ذلك رغم كونه جاء ضمن إجراءات استهدفت فروع وأذرع التيار الإسلامي.
كان شهر مايو حافلا بالتجاذبات السياسية المتعلقة بتحضيرات وظروف الاستحقاق الرئاسي، فتم الطعن بمصداقية اللجنة المستقلة للانتخابات والمطالبة بضم عناصر من المعارضة لتشكيلتها.
وفي السادس من يونيو انطلقت الحملة الانتخابية بقوة وأظهرت تنافسية قوية بين ولد الشبخ الغزواني وأبرز منافسيه، قبل أن يتمكن من حسم نتيجة الاقتراع لصالح في الجولة الأولى بنسبة 52 % من أصوات الناخبين.
اندلعت احتجاجات رافضة لنتائج الانتخابات، رافقتها أعمال عنف في بعض أحياء العاصمة ومدن الضفة، أسفرت عن سقوط جرحى في صفوف المحتجين وعناصر الأمن، واعتقل مئات المحتجين وخرج الجيش إلى بعض الشوارع، وقطعت الانترنت عن البلاد لأكثر من أسبوع، وأعلنت الحكومة أنها أفشلت «مخططاً لزعزعة الأمن وراءه أيادي أجنبية».
في نهاية يونيو استدعت شرطة الجرائم الاقتصادية قرابة 30 مسؤولاً مشمولين في شبهات فساد سبق فتحها وتجميدها؛ من ضمنهم المديرة السابقة للتلفزيون الرسمي خيرة بنت الشيخان، ما دفع زوجها وزير الثقافة والناطق ارسمي باسم الحكومة سيدي محمد ولد محم إلى الاستقالة من منصبه.
في الأول من أغسطس تم تنصيب ولد الشيخ الغزواني مهامه رئيسا للجمهورية في حفل حضره سلفه محمد ولد عبد العزيز وبعض قادة دول الجوار الإفريقي؛ ثم غادر ولد عبد العزيز البلاد نحو الخارج.
كانت السمة البارزة في بداية حكم ولد الغزواني هي «الكتمان»، فخلال عدة أيام عاشها الموريتانيون وهم يتساءلون عن هوية الوزير الأول وأعضاء الحكومة لم تكن هنالك أي معلومات حول الموضوع، إلى أن تم تكليف المهندس إسماعيل ولد ابده ولد الشيخ سيديا بتشكيل الحكومة، وبعد أسبوع عينت الحكومة التي أحيطت هي الأخرى بمستوى كبير من السرية.
وتميزت نهاية شهر أغسطس بفيضانات وأمطار طوفانية سببت كارثة إنسانية في مدينة سيلبابي، عاصمة ولاية كيديماغا؛ ما تسبب هدم الكثير من البيوت تشريد عشرات العائلات، وحولت سيلبابي إلى منطقة منكوبة، بعد مقتل ثلاثة أشخاص على الأقل.
وفي يوم 28 من شهر أكتوبر أعلنت شركة «بريتش بيتروليوم» البريطانية عن اكتشاف كميات هائلة من الغاز الطبيعي في منطقة «بئر الله»، وهي منطقة تقع في المياه الإقليمية الموريتانية، وتزيد من احتياطات موريتانيا الهائلة من الغاز الطبيعي.
في يوم 16 نوفمبر عاد الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، إلى نواكشوط بعد ما يزيد على 3 أشهر من الغياب عن البلد لتندلع أزمة بينه وبين خليفته وصديق دربه؛ عقب استدعائه وترؤسه اجتماعا ليليا للجنة تسيير الحزب الحاكم.
تطورت الأمور حين أقال ولد الغزواني عشية عيد الاستقلال قائد كتيبة الأمن الرئاسي، وأجريت تعديلات على برنامج احتفالات الاستقلال والعرض العسكري الذي نظم في مدينة أكجوجت، فيما تخلف ولد عبد العزيز عن حفل عيد الاستقلال رغم تلقيه دعوة رسمية.
نجح معسكر الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني في قضية الحزب الحاكم بعقد مؤتمره الوطني يوم 28 دجمبر، وانتخاب قياداته الجديدة، وإقرار تعديلات على هيكلته ونصوصه، لتنتهي "معركة مرجعية الحزب" بهزيمة الرئيس السابق.