لم تخرج الساحة السياسية الموريتانية لحد الآن من سكرة وتبعات انتخابات يونيو 2019 الرئاسية؛ فما تزال الأوراق مختلطة، حيث لم يتضح بشكل مفصل المسار السياسي للنظام الجديد، وإن كان الوصل قد انصرم بعض الشيء بين الرئيس الغزواني وسلفه محمد ولد عبد العزيز الذي بدأ التحول من صديق سابق لمعارض وخصم للنظام.
وما تزال المعارضة التي أنهكتها الانتخابات ملازمة لسبات شتوي وهدنة مطولة، إذ لا نشاط يذكر سوى ذوبان أحزابها الصغيرة في الطبعة الغزوانية لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم.
وانفرد إسلاميو حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية بالاحتفاظ بمسافة من الرئيس الجديد منتقدين تباطؤه في الإصلاحات المنتظرة.
وأكمل الرئيس الغزواني الجولة الأولى من معركته مع سلفه ولد عبد العزيز التي شغلت الجميع موالاة ومعارضة، منتزعا منه حزب الاتحاد من أجل الجمهورية بما يشتمل عليه هذا الحزب من مقرات ومنتسبين وعمد ونواب.
وأعلن سيدي محمد ولد الطالب اعمر الذي انتخب رئيسا لحزب الاتحاد في مؤتمر صحافي الأحد عن شد الحزب لأحزمته من “أجل التعامل مع الأوضاع الراهنة انطلاقا من توصيات المؤتمرين الذين قدموا ملتمس تأييد للرئيس الغزواني واعتبروه المرجعية الوحيدة للحزب”.
وأوضح سيد محمد ولد الطالب اعمر “أن مؤتمر حزب الاتحاد اعتمد برنامج تعهدات الرئيس الغزواني باعتباره مصدر إلهام وقوة دفع لسياسة الحزب لأنه يتناول مواضيع هامة من بينها التحديات الكبرى التي تهم العالم ككل وموريتانيا بشكل خاص، كالتغيرات المناخية والتحديات المرتبطة بمحاربة الإرهاب والتطرف والجريمة المنظمة وغيرها”.
وقال “سنعمل في حزب الاتحاد بالتعاون مع الحكومة لتبني مقاربة واضحة لأن بلدنا يقع في منطقة جغرافية تتميز بمناخ متغير، وتعاني تحديات جمة منها زحف الرمال والفيضانات وهي التحديات التي تفرض على الحزب تبني مقاربة شاملة تتيح للمواطنين العيش في بيئة متوازنة تسمح بقيام تنمية مستدامة حاضرا ومستقبلا”.
وفي عروج على المعارضة، أكد رئيس حزب الاتحاد “أن حزبه سيعمل على دعم مبادئ الديمقراطية وعلى هذا الأساس فهو يحترم المعارضة بكل قواها، ويعتبرها معارضة تتولى الرقابة”، مضيفا “نحن نتشارك مع المعارضة الاهتمام بالقضايا الكبرى للوطن وبطبيعة الحال، نختلف عنها في الرؤى والآليات”.
وقال “هناك اختلاف مع المعارضة وليس خلافا، وهناك نقد وليس تخوينا”.
وحرص رئيس الحزب الحاكم خلال مؤتمره الصحافي، على عدم توجيه أي انتقاد للرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز، مؤكداً في سياق الرد على سؤال حول المقر الحالي للحزب المملوك للرئيس السابق، “أنه لم يطلع بعد على تفاصيل الأملاك العقارية للحزب، ولكنه شدد على أن مقر الحزب الحالي إما مملوك أو مؤجر، وليس هنالك خيار ثالث”.
وبخصوص الدعوات التي وجهت للمعارضة مؤخراً عبر قناة الوزارة الأولى ووزارة الداخلية وقوبلت بانتقادات، قال رئيس الحزب إن “أعضاء الحكومة هم في نفس الوقت مناديب وأعضاء في المجلس الوطني للحزب”، قبل أن يضيف: “في دولة مثل دولتنا يكون الحزب الحاكم والحكومة والبرلمان يشكلون فريقاً واحداً ويعملون معاً”.
وبينما تخلد المعارضة التقليدية التي فرقتها الانتخابات، لنوم مستغرب، انتقد الدكتور سيدي محمد ولد سيدي رئيس حزب التجمع الوطني (محسوب على التيار الإسلامي) في كلمة له أمام مؤتمر لمنظمة نساء الحزب البطء في العمل الإصلاحي للرئيس الغزواني، وقال “قدرْنا بعض خطوات الانفتاح التي تمت، وتلك التي أعلن أنها ستتم ولكننا نلاحظ أن الأفعال لا تصدق الأقوال أحيانا، وأنما يتم محدود ووتيرته بطيئة، ويتم في سياق يطبعه إعادة إنتاج نفس المنظومة”.
وأضاف “نعتقد أن الاصلاح يقتضي الكشف عن فساد العشرية (سنوات حكم الرئيس الأسبق) والضالعين فيه ومحاسبتهم بالقانون، ويقتضي عدم تجديد الثقة فيهم، وما شاهدناه خلال الفترة الأخيرة من مظاهر تعيد إنتاج نفس الأدوات وتكريس نفس العقليات لا يبشر بالإصلاح، ولا يدل على أن الحديث المتداول عن تغيير النهج حديث جدي، فتغيير النهج ليس تغيير الأوجه ولا تغيير المرجعية، وإنما تغيير الحكامة، وتغيير نمط إدارة الشأن العام، بترجمة الشعارات في الميزانية وعدم الامتناع، كما تابعنا بكل أسف، عن تعديلات لصالح الأساتذة ولصالح قطاع الصحة، ولصالح حقوق الانسان”.
وهب تيار “العيش المشترك” الذي يسيطر عليه ساسة منحدرون من الأقليات الزنجية الموريتانية والذي تألف لخوض انتخابات يونيو الرئاسية، من ركوده ليعلن أنه سيبدأ حملة انتساب لتحديد أنصاره الحقيقيين، وسينشط لإيجاد حل للمشاكل الوطنية الكبرى كالعدالة في تقسيم الثروة، وكإنصاف المظلومين.
وفي قراءة للوضع الحالي، كتبت صحيفة “لرنوفاتير” المستقلة الصادرة بالفرنسية الأحد “أن الوضع السياسي الراهن، متأثر بنتائج الانتخابات حيث أن العلاقة بين الرئيس الغزواني والمعارضة التقليدية لم تتجاوز الاعتراف الضمني بانتصاره دون تهنئته، إضافة لعقد لاجتماعات بين الرئيس الجديد بزعماء المعارضة بمن فيهم المرشحون للانتخابات الرئاسية الأخيرة، ومشاركة بعض زعماء أحزاب المعارضة في الاحتفالات بالذكرى التاسعة والخمسين للاستقلال”.
وأضافت الصحيفة “بصرف النظر عن اجتماعات المجاملة بين الغزواني والمعارضة التقليدية، أظهر زعماء المعارضة أن تعاملهم مع النظام الجديد تعامل فردي غير منسق”، ثم تساءلت “هل انهارت التحالفات، وهل اختفت أجندات النضال بعد أن رحلت بعض الشخصيات من المعارضة الديمقراطية نحو الأغلبية الرئاسية؟”.
عبد الله مولود
القدس العربي