التفكير السليم:
وعليه فالفكر أو الإدراك أو العقل هو نقل الواقع عن طريق الحواس إلى الدماغ، مقترنا بمعلومات سابقة تعين على تفسير هذا الواقع.
وبهذا يكون علماء الشيوعية قد أخطئوا لأنهم لم يفرقوا بين الإحساس والانعكاس، وان عمليه التفكير لم تأت من انعكاس الواقع محل الدماغ، ولا من انطباع الواقع على الدماغ،
وإنما جاءت من الإحساس، والإحساس مركزه الدماغ، ولولا الحس بالواقع لما حصل أي فكر ولما وجد أي تفكير بدليل أنه لا يوجد انعكاس بين المادة والدماغ فلا المادة تنعكس على الدماغ ولا الدماغ ينعكس على المادة لأن الانعكاس يحتاج إلى وجود قابلية الانعكاس في الشيء الذي يعكس الأشياء كالمرآة، وكآلة التصوير، فإنها تحتاج إلى قابلية الانعكاس عليها، وهذا غير موجود لا في الدماغ، ولا في الواقع المادي، فالمادة لا تنعكس على الدماغ ولا تنتقل إليه بل الذي ينتقل هو الإحساس بالمادة إلى الدماغ بواسطة الحواس، ولا فرق في ذلك بين العين وغيرها من الحواس، فيحصل من السمع واللمس والذوق والشم. فالإنسان إذا يحس بالأشياء بواسطة حواسه الخمس، ولا تعكس على دماغه الأشياء وبهذا يكون علماء الشيوعية وهم وحدهم الذين حاولوا معرفة واقع العقل قد أخطئوا حيث أنهم لم يفرقوا بين الإحساس والانعكاس والخطأ لم يكن ناجما عن عدم التفريق بين الإحساس والانعكاس فقط، وإلا لكانوا اهتدوا إلى أن المسألة هي إحساس وليست انعكاسا، بل أساس الخطأ، وأساس الانحراف ناتج عن إنكارهم أن لهذا لوجود خالقا فلم يدركوا أن وجود معلومات سابقة عن هذا الواقع شرط ضروري لوجود الفكر أي شرط ضروري لوجود العقل(13).
ولعل ما ذهب إليه عالم الفسيولوجيا والكيمياء الحيوية الدكتور(لتراوسكارلندرج) وغيره يكشف جانبا من هذه الأخطاء العقدية حيث يقول:
«أما المنشغلون بالعلوم الذين يرجون الله فلديهم متعة كبرى يحصلون عليها، كلما وصلوا إلى كشف جديد في ميدان من الميادين، إذ أن كل كشف جديد يدعم إيمانهم بالله، ويزيد من إدراكهم وإبصارهم لأيادي الله في هذا الكون»
ويرجع (لتراوسكارلندرج) إعراض بعض العلماء علية المبادئ عن الإيمان بالله رغم وضوح الأدلة التي تقود إليها الأبحاث في كل مجالات العلم إلى أسباب لا صلة لها بالبحث العلمي وخص منها:
1 ـ ما تتبعه بعض الجماعات أو المنظمات الإلحادية، أو الدولة من سياسة معينة ترمي إلى شيوع الإلحاد، ومحاربة الإيمان(14) بسبب تعارض عقيدة الإيمان بالله مع صالح هذه الجماعة ومبادئها.
2ـ المعتقدات الفاسدة التي تجعل الناس منذ الطفولة يعتقدون باله على صورة الإنسان بدلا من الاعتقاد بان الإنسان قد خلق خليفة الله على الأرض، وعندما تنمو العقول بعد ذلك وتتدرب على استخدام الطريقة العلمية فإن تلك الصورة التي تعلموها منذ الصغر لا يمكن أن تنسجم مع أسلوبهم في التفكير أو مع أي منطق معقول»(15)..
يقول كانت الفيلسوف الألماني في هذا الصدد:
«وعلى الرغم من أن كل ما نصادف من تجارب لا يمكن فهمه وتفسيره إلا إذا صغناه بعبارات الزمان والمكان والسببية فلن تكون فلسفة صحيحة إذا فاتنا أن هذه ليست أشياء واقعة ولكنها وسائل لتفسير التجارب وفهمها فقط».
ويقول العالم البريطاني سير جيمس جينز في كتابه (عالم الأسرار):
«إن في عقولنا الجديدة تعصبا يرجح التفسير المادي للحقائق»(16).
ويرى عالم أمريكي آخر أن العقيدة الإلهية ليست ضد الحرية الفكرية وذلك يقوله «إن كون العقيدة الإلهية معقولة وكون إنكار الإله سفسطة لا يكفي ليختار الإنسان جانب العقيدة الإلهية، فالناس يظنون أن الإيمان بالله سوف يقضي على حريتهم، تلك الحرية العقلية التي استعبدت عقول العلماء، واستهوت قلوبهم، فأية فكرة عن تجديد هذه الحرية مثيرة للوحشة عندهم»(17).
ويتفق العالم الأمريكي سيسيل مع كانت في هذا الاتجاه حيث يقول «إن الطبيعة لا تفسر شيئا (من الكون)، وإنما هي نفسها بحاجة إلى تفسير». كان ذالك رأي طائفة من علماء الغرب.
أما الطائفة الأخرى المادية المحكومة بالرؤية الكمية فإنها تقول بالخلق والتخلق وتنكر وجود الله ونذكر منها على سبيل المثال: الفيلسوف الشيوعي إنجلز الذي ينظر إلى الإنسان كحيوان اقتصادي وهذا ما يدعم ما تقدم ذكره( 18) وذلك بقوله:
«إن كل القيم الأخلاقية هي في تحليلها الأخير من خلق الظروف الاقتصادية»(19).
وقد أكد (لابلاس) بفكرته الشهيرة أن النظام الفلكي لا يحتاج إلى أسطورة لاهوتية وقام بهذا العالمان (دارون) و (باستور) في ميدان لبيولوجيا. وقد ذهب كل من علم النفس والمعلوماتية التاريخية التي حصلناها في هذا القرن بمكان الإله الذي كان مفروضا أنه هو مدير شؤون الحياة الإنسانية والتاريخ»(20).
وهذا راسل يقول في هذا الصدد :
«درسنا العالم الطبيعي فوجدنا المادة عند العلم الحديث قد فقدت صلابتها وعفويتها، إذ حللها العلماء إلى مجموعات ذرية، كل مجموعة منها تنحل إلى ذرات، وكل ذرة تعود بدورها فتنحل إلى كهارب موجبة وأخرى سالبة، ثم مضى العلماء في التحليل، فإذا هذه الكهارب نفسها تتحول إلى إشعاعات !!
وختم (راسل) كلامه بهذه العبارة : «ليس في عالم الطبيعة ما يبرهن على أن الخصائص الذاتية للعالم الطبيعي تختلف عن خصائص العالم العقلي»(21).
وهنا لابد من الاقتراب من محاورة ومناظرة بين العالم الفيزيائي اينشتين وصحفي أمريكي يدعى (فيرك) في هذا الموضوع قال فيه الرجل : إنني لست ملحدا !!
ولا أدري : هل يصح القول بأني من أنصار وحدة الوجود(22). إن المسألة أوسع نطاقا من أن تحيط بها عقولنا المحدودة !!
وعاد الصحفي إلى سؤاله بطريقة أخرى فقال: إن الرجل الذي يكشف أن الزمان والمكان منحنيان، ويحبس الطاقة في معادلة واحدة( 23) جدير به ألا يهوله الوقوف في وجه غير المحدود !!
فيرد اينشتين : اسمح لي أن أضرب لك مثالا: إن العقل البشري مهما بلغ من عظم التدريب و سمو التفكير عاجز عن الإحاطة بالكون فكيف بخالقه ؟!
نحن أشبه ما نكون بطفل دخل مكتبة كبيرة ارتفعت كتبها إلى السقف فغطت جدرانها، ثم هي مؤلفة بشتى اللغات. إن هذا الطفل يعلم أن شخصا ما كتب هذه الكتب، ولكنه لا يعرف بالضبط من هو، ولا كيف كانت كتابته لها، ثم هو لا يفهم اللغات التي كتبت بها!!
وقد يلاحظ الطفل أن هناك طريقة معينة رتبت بها الكتب ونظاما غامضا يشمل صفوفها وأوضاعها، نظاما تحس كنهه ولا تدري كنهه.
وإن ذلك القصور هو موقف العقل الإنساني مهما بلغ من العظمة والتثقيف !!
وعاد الصحفي الأمريكي يسأل: أليس في وسع احد حتى أصحاب العقول العظيمة أن يحل هذا اللغز؟؟.
فأجاب اينشتين مرة أخرى ...يتواصل..