أحيت نساء موريتانيا الأحد يوم المرأة الثامن عشر بعد المئة الذي تحتفل به نساء العام في الثامن من مارس/أذار من كل عام والذي اختارت له الأمم المتحدة هذا العام شعار «المساواة بين الأجيال.. إنفاذ حقوق المرأة».
وانبثق اليوم العالمي للمرأة عن حراك عمالي، وقع عام 1908، عندما خرجت 15,000 امرأة في مسيرة احتجاجية في شوارع مدينة نيويورك الأمريكية، للمطالبة بتقليل ساعات العمل وتحسين الأجور والحصول على حق التصويت في الانتخابات.
وأصبح الأمر رسمياً عام 1975 عندما بدأت الأمم المتحدة بالاحتفال بهذا اليوم واختيار موضوع مختلف له لكل عام؛ وكان أول موضوع (عام 1976) يدور حول «الاحتفاء بالماضي، والتخطيط للمستقبل».
وأصبح اليوم العالمي للمرأة موعداً للاحتفال بإنجازات المرأة في المجتمع وفي مجالات السياسة والاقتصاد، في حين أن جذوره السياسية تقوم على فكرة الإضرابات والاحتجاجات المنظمة لنشر الوعي حول استمرارية عدم المساواة بين الرجال والنساء.
واستيقظت نساء موريتانيا فجر الثامن من آذار / مارس على تغريدة صباحية للرئيس الشيخ الغزواني كتب فيها: «بمناسبة حلول اليوم العالمي للمرأة، أتقدم بأخلص التهاني إلي المرأة الموريتانية، وأعدها ببذل كل الجهود من أجل تمكينها، وتعزيز حضورها في المشهد الوطني لتشارك في عملية البناء والتنمية بجدارة وتميز».
واندفعت إدراجات المدونين الموريتانيين نحو مواكبة عيد المرأة، حيث تحدث المدونون عن حملة مناهضة الاغتصاب المنفذة في موريتانيا حالياً والتي تواكب احتفال نساء موريتانيا هذا العام بالعيد الدولي للمرأة.
وكتبت السنية بنت سيدي، وهي وزيرة سابقة لشؤون المرأة: «تحتفل المرأة بعيدها الدولي، ليس فقط من أجل الاحتفال والتواصل، وإنما أيضاً من أجل تقييم مسيرتها النضالية وقراءة آفاق المستقبل لقضية هي قضية الجميع، بل وقضية الناس جميعاً ولن تبلغ أهدافها إلا بعد تبنيها من طرف الكل، نساء ورجالاً، باعتبارها قضية إنسانية وقضية تنمية بشرية واحترام لحقوق الإنسان».
وأضافت: «لا شك أن قضية المرأة شهدت تطورات كبيرة ومن أعظمها ما جاء به الإسلام الذي وضع قواعد ثابتة لتصحيح وضعيتها من إنسانة مضطهدة موءودة إلى إنسانة مخاطبة ومحترمة ولها حقوق وعليها واجبات مثلها مثل الرجل تماماً».
«ورغم تحرير الإسلام للمرأة والرفع من قيمتها، تضيف بنت سيدي، فقد ظل أصحاب النفوذ من الرجال الذين يحرصون على المحافظة على رقعة نفوذهم غير منقوصة، ظلوا متمسكين بدونية المرأة ووصايتهم عليها، واجتهدوا في ذلك أيما اجتهاد، وفسروا النصوص بما يخدم توجههم ذلك وكانت ظروف المرأة التعليمية والتكوينية وكذا حكم المجتمع، معينة بل وأرضية خصبة لتكريس ذلك السلوك الساعي دائماً لإبقاء المرأة إنساناً من الدرجة الثانية».
وتابعت بيت سيدي تحليلها تقول: «ولم تكن أوضاع المرأة في بقية المجتمعات بأفضل من وضعيتها في العالم الإسلامي، حيث عم الغبن والتهميش وعدم الاعتراف بالميزات الإنسانية والحضارية للمرأة في عالم لم تكن الهيمنة فيه للعقل والفكر بل كانت للقوة والجبروت».
«إن التطورات التي شهدها العالم خاصة في مجال التعليم والثقافة وحقوق الإنسان، كان لها بالغ الأثر في فتح عيون العالم على المظالم الكبرى التي تمارس على فئات كبيرة من البشر ومنها المرأة، وقد شهد منتصف القرن الماضي وبعد تضحيات ونضالات مستمرة من طرف المرأة تسندها عطاءات لرجال مثقفين كتاب وأدباء وسياسيين، شهدت تلك الفترة تتويجاً لتلك الجهود باعتراف العالم بضرورة الوقوف مع المرأة في حقوقها المشروعة ضد الظلم والاحتقار والدونية وحقها في العيش الكريم ومساهمتها الفعالة في الإنتاج الحضاري العالمي على المستوى الاقتصادي والعلمي والاجتماعي وحتى السياسي وقدرتها الفائقة على العطاء دون ملل».
وأضافت: «لم تكن المرأة الموريتانية بمعزل عن نظيراتها في العالم، حيث ناضلت وجاهدت وشاركت في بناء الدولة الوطنية منذ الساعات الأولى للدولة الوليدة رغم الصعاب والعراقيل التي ليس أقلها مستوى التعليم المنخفض والتكوين الذي كاد يكون منعدماً في بداية مسارها، ووُجِدت المرأة في الحقل وفي الفصل وفي الإدارة بالإضافة إلى حضورها في البيت وتربية الأولاد وضبط أمور الأسرة».
«وكانت الديمقراطية التي عرفتها البلاد مطلع التسعينيات من القرن الماضي، تضيف السنية سيدي، ملهمة للمرأة في سلك مسارات أخرى للنضال لنيل الحقوق، فانخرطت في الأحزاب السياسية فكانت ناخبة ذات مواقف ثابتة ومنتخبة ذات رؤية مستنيرة ولم يكن النضال السياسي سهلاً ولا متاحاً بأبسط الأثمان ورغم ذلك واصلت تصميمها على الحضور والمشاركة، فحققت بذلك مكاسب معتبرة بالنظر إلى وضعيتها قبل سنوات وما زالت المسيرة طويلة وربما شاقة للوصول إلى هدف المساواة والعدالة الذي تنشده المرأة كما ينشده العالم. العوائق ما زالت كبيرة ومنها التمكين الاقتصادي للمرأة، حيث لا حرية لإنسان من دون حرية اقتصادية ومالية تكفل له استقلالية القرار دون الانحناء للآخر».
وتحدثت الوزيرة بنت سيدي هيبة عن العوائق التي تعترض سبيل انعتاق المرأة الموريتانية فأكدت «أن من بينها الصور النمطية المبنية على بعض المغالطات القديمة والتي تؤثر على نفسية المرأة وتحد من عطائها في كثير من الأحيان وتحرم المجتمع والأسرة من بلوغ مزاياها كاملة»، مبرزة «أنه من العوائق أيضاً المستويات التي ما زالت دون المستوى المطلوب للمتعلمات واللائي لديهن خبرات كبيرة في مجالات التنمية المختلفة، ومنها ولوج المرأة مراكز صنع القرارات السياسية والاقتصادية والمهنية؛ فوجود نساء لديهن الكفاءة والخبرة المطلوبة في أماكن مؤثرة يعد بحق رافعة لوجود النساء في مستويات أخرى كما يعد وسيلة لطرح قضايا المرأة والدفاع عن حقوقها في فضاءات صنع القرار».وعن المكتسبات، أكدت بين سيدي «أنه صل الكثير من المكتسبات في مجالات عدة وخاصة منها القانونية وكانت الإرادة السياسية حاضرة ومباركة في الكثير من تلك المكتسبات»، مضيفة « أنه «تتعين المحافظة على هذه المكتسبات وكذا مواصلة النضال والإصلاح للقضاء على النواقص والهنات، ويجب أن نعمل جميعاً لإزاحتها وتصحيحها للحصول على مجتمع منسجم ومتعاون وآمن».
يذكر أن النساء الموريتانيات استطعن رفع سقف طموحهن السياسي، فزاد تمثيلهن في الحكومة، واستطعن عبر الضغط السياسي خلق آلية لضمان تمييز إيجابي نتجت منه كوتا تفرض لهن حصة بلغت 20 في المئة في البرلمان والمجالس الجهوية.
نواكشوط – «القدس العربي»