في حضرة جائحة عظيمة تبنت حكومتنا لحد الآن استراتيجية تصاعدية جيدة اتجاه فيروس كورونا دون أن تدخر أي ّ جهد وكأنها أودعت روحها لتلك الاستراتيجية ،كل شيء في بلدنا اليوم يسجد تحت أقدامها ،ومع ذلك مازالت تتراءى بين تلك الجهود فجوات تراخ ونقص كبير في بعض الإجراءات الرئيسية خاصة وصول الإمدادات والمعونات لأصحابها ،ودوران لآلية الفساد تحت مبرر الوضع الاستعجالي ،وتدوير المفسدين "بالروح الوطنية"رغم تأصل روح الفساد لديهم ،واختفاء الرئيس عن الأنظار وكأنه يكتفي فقط بأن تظل إضبارات الأوامر تمشي عبر الروتين المخطط لها وبأن تسير الأمور على ما يرام دون حاجة لظهوره الذي ليس في الحقيقة مجرد ظهور بقدرما هو تحفيز وزيادة في التركيز وكبح جماح فساد يستظل بمثل هذه الظروف ، ومع أن الوقت يمر إلا ان الوعود في طريقها لأن تتجسد على أرض الواقع ،حسب الترتيبات المعلن عنها ، رغم أننا لانشاهد حتى الآن سوى لقمة مغمسة في الذل والتعب من خلال أسلوب تسليمها . لن يأخذنا النقص الملاحظ في سير الأمور عن الاهتمام وتثمين توكيل مهمة توزيع المعونات للجيش الذي لايملك موقفا ولادوافع دعائية من القضية ، وكذلك ظهور رؤية للمستقبل فيما يتعلق بالتخطيط للاكتفاء الذاتي بشأن الخضروات ،كان مهما جدا أن تتضمن الخطة الألبان ومشتقاتها الخفيفة والعلف للسيطرة على سوق اللحوم وعلى كل حال فمازال الوقت يسمح بمثل تلك القرارات ،لكن الأهم من كل ذلك أن نكسب قو ة من هذه الجاهزية للمستقبل ،لقد تم حشد الطاقات تحت مبدأ مكافحة الوباء ،لكن يمكن حشدها غدا أو إبقاءها أمام بقية الأعداء الشرسين الآخرين الذين يواجهوننا بصفة دائمة مثل الفقر والبطالة ودوافع الإنقسام والفساد وعدم المساواة ،لن يغيب استدعاء ولد عبد العزيز في هذا الظرف عن أن يكون حدثا بارزا في البلد وكجزء من تلك الجاهزية ،وعنوانا لعدة دروس مهمة لتعميق مبادئ عليا منها سيادة القانون وحرمة المال العام وانعكاس ضوء الأمل الخافت على واقعنا وكأنه يرسم صورة لسيف مازال مغمدا في وجه كل أحد يخالف القواعد، لكن بيد القانون وليس بيدالقضاء لحسن الحظ .
إننا اليوم نشاهد رئيسا كان ليوم أمس يفتخر علية القوم بأن يكون للواحد منهم الشرف في أن يعدّ من أفراد حاشيته ،وكان يجر الناس لعدالة كأنها كنانة صيد ينثرها متى شاء ، نشاهده يجّر للشهادة في تهم فساد مرتبطة بنظامه أو بشكل أدق بأوامره "العليا"لقد انتزع هذا الحدث في أملنا في التمكن من استعادة حلمنا كل الخوف من القلوب وكأننا نستمع لأول مرة في تاريخ بلدنا للبيان الأول على نحو يختلف عن لغة بيانات الانقلابات ، وآية ذلك استخدام الشرعية ،ليس فقط للإيقاع بأحد، بل لطرح سؤال عريض عن أين وكيف ذهبت أموال الشعب؟
ورغم أن -استخدام البرلمان الذي صنعه ولد عبد العزيز لمستقبله السياسي بكل عنف وشطط وقد لطخ سمعة المسار الديمقراطي في البلد وحرم أي مؤسسة من مؤسساته بالتمتع بالمصداقية وبالمناعة للدفاع عن نفسها أو القياس على أي معيار نزاهة أومصداقية - سيثير حتما السؤال حول هل لو لم تكن هناك إرادة سياسية سيتمكن البرلمان من القيام بهذا الإجراء الصحيح والمتطابق مع تطلعات الشعب والذي يعبر عن استقلاليته ؟أو هل لو لم يكن هناك صراع على السلطة لتشكلت هذه الإرادة بالأساس أو هذه الرغبة على نحو أدق ؟ ورغم أن الإجابة بلا أو نعم ستظهر مدى استقلالية وشرف مؤسساتنا ليست هي المهمة بالدرجة الأولى ،بل أن المهم هو مخلفات هذا الحدث على المستقبل ، أي حجم الأثر والمصائب (العذابات والعقابيل )التي سيترك لمسيري الشأن العام ،والخطاب التنويري داخل المجتمع ونمط السلاح الذي سيضع في يد المجتمع السياسي.
أي أننا اليوم نلج مرحلة جديدة حتى ولو ظل الحدث استعراضيا فقط : إستدعاء رئيس ، ووزرائه الأوّل الثلاثة، وعدة وزراء من أعمدة نظامه في التحقيق حول ملفات الفساد، حتى ولو ظل الحدث استعراضيا فقط ،فهو فعلا بداية لمرحلة جديدة من التعاطي مع الأوامر العليا وتسيير الشأن العام وهو بشكل عام رسالة للموظفين السامين ،وستكون النهاية بأن تصبح هذه العملية على جدول أعمال الديمقراطية والقانون الموريتانيين على نحو دائم وتلقائي ،وهكذا يظل بين البداية والنهاية مسار وتاريخ (نجاحات تعثرات إخفاقات ) لكنها على كل حال بداية مسار وهذا هو الدرس الأخير من جملة دروس الثالوث كورونا وولد الغزواني ،وعزيز .