استمر كبار المدونين الموريتانيين المتابعون للتسيير العام ولمكامن الفساد في انشغالهم ومناقشتهم لفضيحة مالية كبيرة كشف عنها للتو في تسريب لدراسة أعدها البنك الدولي.
وأكدت الدراسة الاستحواذ، خلال الفترة ما بين 1990 و2010، على مساعدات مالية خارجية تبلغ 182 مليون دولار كانت موجهة لبرامج تنموية في موريتانيا، وتحويلها لحسابات شخصية بعضها آمن وبعضها غير آمن.
وضمن تبادل لمضامين الدراسة بين المدونين، أكد الدكتور الشيخ سيدي عبدالله وهو أستاذ جامعي ومدون مهتم بالشأن العام “أن الدراسة المذكورة شملت دولتين عربيتين هما الأردن وموريتانيا، حيث أظهر جدولها (رقم 1) أن إجمالي الأموال المنهوبة من المساعدات الخارجية الموجهة لموريتانيا خلال الفترة المذكورة بلغ 32 مليون دولار حولت للملاذات الآمنة، و150 مليون دولار حولت للملاذات غير الآمنة”.
وتحدثت الدراسة المذكورة التي أعدت تحت عنوان “هل تستولي النخب على المساعدات الأجنبية؟” عن استيلاء النخب في بعض الدول على المساعدات المالية وتحويلها إلى حسابات خارجية خاصة.
وشملت الدراسة عددا من دول أفريقيا وآسيا والأمريكيتين وأوروبا، أما نطاقها الزمني فيمتد من 1990-2010.
والمفارقة في هذه الفضيحة المالية الكبرى، حسبما تداوله المدونون، هي أن البنك الدولي حاول إبقاء نتائجها طي الكتمان منذ الانتهاء من إعدادها في كانون الأول عام 2019، مما اضطر نائبة رئيس البنك الدولي لاقتصاديات التنمية بيني غولدبيرج والتي أشرفت على هذه الدراسة للتقدُّم باستقالتها من منصبها بعد 15 شهرا فقط من توليها له.
ولم تجد هذه الدراسة طريقها للصحافة إلا في 13 فبراير/ شباط الماضي، عندما تساءلت مجلة “الإكونومست” عن سبب تأخر البنك الدولي في نشر نصها الكامل.
وبينما كان العذر المعلن عن عدم نشر الدراسة هو أنها خضعت لمراجعة داخلية صارمة من باحثين آخرين في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، أكدت مصادر مطلعة أن كبار المسؤولين في البنك الدولي حظروا نشرها عمدا.
ومع أن تناول “الإكونومست” للدراسة أثار ضجة بين الأوساط الإعلامية وفي الصحافة الاستقصائية، فقد استمر البنك الدولي في إصراره على رفض نشرها متذرعا بأنه لم يتخذ قرارا نهائيا بشأنها، وأن لديه شكوكا مشروعة بشأن استنتاجاتها.
وظل الأمر على ذلك النحو إلى أن جاءت تغريدة للبروفيسور يورغن جويل أندرسن، وهو أحد المشاركين في إعداد هذه الدراسة، ليؤكد أن سبب استقالة بيني غولدبيرج هو تأجيل البنك الدولي لنشر الدراسة.
وأكدت مقدمة الدراسة “أن صرف المساعدات الأجنبية للبلدان شديدة الاعتماد على المساعدات يترافق مع الزيادة الحادة في الإيداعات المصرفية في المراكز المالية في الخارج المشهورة بسريتها المصرفية وإدارتها للثروات الخاصة، ولكن ليس في المراكز المالية الأخرى”.
ولاحظت مقدمة الدراسة “أن التقديرات الخاصة بالتسرب الخفي للتمويلات ليست مدهشة بسبب ما يرافقها من صدمات مثل النزاعات الأهلية، والكوارث الطبيعية، والأزمات المالية”، مبرزة “أن معدل التسرب الخفي للأموال الموجهة لدعم التنمية في الدول الفقيرة يناهز 7.5 في المئة، وهو يجنح نحو الزيادة بمقارنة نسبة المساعدات الممنوحة للدول المستفيدة مع معدلات ناتجها المحلي الإجمالي”.
وأصابت المعطيات التي تضمنتها الدراسة نشطاء التدوين ومتابعي التسيير الحكومي في موريتانيا بصدمة كبيرة عبّر عنها المدونون الموريتانيون وانشغلوا بها، إلى جانب انشغالاتهم بأعمال لجنة التحقيق البرلمانية في تسيير نظام الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز للعديد من الصفقات التي يلفها الغموض.
وأكد المدون البارز حمزة فيلالي: “لو تم اختلاس هذه المبالغ وبقيت في موريتانيا لكان ذلك أحسن، ولو أن محاربة الفساد شكلت أولوية لحكوماتنا السابقة، لما تم اختلاس هذه الأموال أصلا، ولكان معظمها اتجه إلى وجهته”.
وأكد المدون النشط محمد الإمام ولد محمد عبد الله: “أن موريتانيا توجد اليوم أمام امتحان صعب للغاية، حيث أنها لم تشهد منذ الاستقلال إرادة سياسية جادة في محاربة الفساد”.
وقال: “تتطلب محاربة الفساد إرادة سياسية صارمة وحازمة من رئيس الجمهورية تُطَمْئِنُ الرأي العام الوطني حول عزمه الْمُضِيَ قُدُمًا في محاربة الفساد والتخلص من المفسدين، مع إتاحة الفرصة لنخب جديدة أنهكتها البطالة والحرمان ولديها كفاءات عالية وأياديها نظيفة للمساهمة في بناء الوطن، إضافة لتفعيل دور الإعلام باعتباره سلطة رابعة بمختلف منابره من إعلام عمومي وخصوصي وإعلام اجتماعي للمشاركة في محاربة الفساد المحدق”.
القدس العربي