فرضت أجواء وباء كورونا إحياء صامتاً لليوم العالمي لحرية الصحافة في موريتانيا، وهو اليوم الذي أحيته اليونسكو الأحد تحت شعار “صحافة بلا خوف أو خدمات”، عاكسة مخاوفها بشأن استقلالية الصحافة وتحكم شركات الإنترنت في تنسيق المحتوى الصحافي والثقافي على حساب أهمية الصحافة.
وبينما أحيى الصحافيون يوم حريتهم المهنية بتدوينات أسف وبكاء على واقع المهنة في بلدهم، سارع الرئيس الموريتاني، محمد الشيخ الغزواني، لتوجيه تهانئه، عبر حسابه في “تويتر”، “لجميع منتسبي مهنة المتاعب في موريتانيا”، مثمناً في تغريدة لاقت قبولاً واسعاً ما سماه “الدور الذي قامت به صحافتنا في التصدي لجائحة كورونا”.
وجدد الرئيس الموريتاني “التأكيد على دعمه وترسيخه لحرية الصحافة”، مؤكداً “أنه سيعمل بالتشاور بين القطاعات الحكومية المعنية والتجمعات الصحافية على تطوير وتمهين الحقل الصحافي”.
واستحضر مشفقون على المهنة الصحافية في موريتانيا، عبر تدوينات لهم، احتلال موريتانيا للرتبة 97 على مؤشر حرية الصحافة لسنة 2020 الذي يصدر عن منظمة “مراسلون بلا حدود”.
وأكد هؤلاء المشفقون “أن رحلة هبوط مؤشر الحرية الصحافية في موريتانيا بدأ منذ سنة 2007، حيث كانت في الرتبة الخمسين عالمياً وكانت الأولى عربياً، واستمر هذا التراجع ليهبط موقعها هذا العام بثلاث درجات عن رتبتها على ذات المؤشر، حيث كانت سنة 2019 في الرتبة 94، أما سنة 2018 فقد حدث تراجع بسبع عشرة مرتبة على السلم ذاته”.
وكان السفير مختار ولد داهي، وهو أمين عام سابق للوزارة المكلفة بالإعلام، أحد من كتبوا أمس عن الصحافة في موريتانيا، حيث أكد في معالجة تحت عنوان “مقْتَرَحَاتٌ منْ أجلِ حمايةِ المُسْتَهْلِكِ الإِعْلاَمِيِ” نشرها الأحد “أن الثالث مايو العيد الدولي لحرية الصحافة فرصة لمنافسة ومغالبة الأفكار من أجل مساءلة واقع الإعلام الموريتاني واستشراف مستقبله”، مبرزاً “أن مشكلة الإعلام الوطني المستقل تتحمل مسؤوليتها بشكل كبير الأنظمةُ السياسية السابقة التي ما إن فطنت إلي أن معظم مهنيي الإعلام المستقل سَاعَتَئِذٍ عَاضُونَ على المهنية والحياد بالنواجذ و”البُطُونِ الخَاوِيًةِ” حتى لجأت إلى إغراق المشهد الإعلامي بِسَيْلٍ عَرَمْرَمٍ من تراخيص الصحف والمواقع الإلكترونية مما أدى إلى تمييع المهنة وذَهَابِ قدر معلوم من رِيحِهَا وهَيْبَتِهَا واخْتِلَاطِ حابلها بنابلها”.
“وفي تقديري، يضيف السفير داهي، أن الآمال المعقودة على “جمهورية التداول السلمي على السلطة” من طرف “المنتجين” و”المستهلكين” الإعلاميين، عِرَاضٌ ثِقَالٌ لا ترضى بأقل من إجراء تشخيص دقيق للاختلالات وتقديم اقتراح طموح للإصلاحات”.
وفي معالجة لأزمة الصحافة في موريتانيا، أكد الإعلامي البارز، مولاي ابحيده، أن “الصحافيين الموريتانيين يراهنون كثيراً على الإرادة السياسية الجديدة التي يتمنون أن تكون مختلفة في مجال تطوير وتمهين الحقل الصحافي”.
وقال: “رغم أن برنامج الرئيس المنتخب محمد ولد الغزواني حصر توجهه نحو تغيير واقع الصحافة المندمل، في جملة واحدة لم تتجاوز 44 كلمة، إلا أنها مست من الجرح وأبرزت الكثير من مكامن الخلل في القطاع، فقد أكد الرئيس “أن من ضمن أولوياته بروز صحافة وطنية متخصصة ومهنية”، ولتحقيق هذا الغرض أضاف: “سيتم رفع الغلاف المرصود لصندوق دعم الصحافة بشكل معتبر كما سيتم إكمال الإطار القانوني لتمكين الصحافيين المحترفين والمتخصصين في مجال الاتصال من تحسين الأداء ضمن احترام كامل لأخلاقيات المهنة”.
وأوصى الإعلامي مولاي، رئيس تحرير موقع “28 نوفمبر” الإخباري، بعدة نقاط بينها “الاستفادة من مخرجات الأيام التشاورية الأخيرة، ومنح المزيد من فرص التكوين للصحافيين، وتفعيل مفهوم الحرية المسئولة، وضمان ولوج الصحافيين إلى مصادر الأخبار طبقاً للقانون، وزيادة الدعم العمومي للصحافة مع فرض آلية قضائية للرقابة على توزيعه وتفتيش كل المستفيدين منه دعماً لمأسسة المقاولات الصحافية”.
أما رئيس تحرير صحيفة “الأمل الجديد”، الحسين ولد محنض، فقد أكد “أن الصحافة الموريتانية عانت خلال السنوات الأخيرة من تمييع لم يسبق له مثيل تحولت معه من أداة بناءة إلى سلاح فتاك بالقيم والوحدة”.
وقال: “لا شك أن درجة الانحطاط والتمييع الذي وصل إليه الحقل اليوم يتطلب نظرة ثاقبة جديدة وإرادة جادة لإعادة الحقل الصحافي إلى مساره الصحيح الذي يخدم التنمية والديمقراطية ورفاه الشعب الموريتاني، وها نحن ننتظر وعد فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني الذي عبر عنه اليوم ونرحب به أشد الترحيب”.
هذا وتذكر الصحافيون الموريتانيون، أمس في بيانات وتدوينات عدة بمناسبة اليوم العاليم لحرية الصحافة، محنة الصحافي الموريتاني إسحاق ولد المختار الذي يعتبر زملاؤه وذووه أن قناة “اسكاي نيوز عربية” قد فرطت فيه منذ أن أوفدته في مهمة صحافية إلى مدينة حلب السورية عام 2013 فاختطفته إحدى الفصائل المسلحة بالشمال السوري، ليظل منسياً إلى يومنا هذا”.