ينشغل الموريتانيون، منذ أمس، عن هموم وباء كورونا، بجدل فقهي وقانوني ساخن حول مشروع قانون مكافحة العنف ضد النساء والفتيات أجازته الحكومة ودافعت عنه وتنوي تقديمه للبرلمان عما قريب.
ولم يكد وزير العدل الموريتاني يعلن الخميس الماضي عن إجازة نسخة منقحة من القانون المثير، حتى طرح أساتذة الأدب العربي على صفحاتهم إشكالية التغزل والتحرش، وذلك تحت سؤال: هل يعتبر شعر الغزل تحرشاً لفظياً؟
وتساءل الأدباء «هل سنضطر إلى حذف غرض الغزل من قائمة أغراض الشعر العربي؟ وماذا عن دواوين العذريين، وغزليات صريع الغواني وديك الجن وابن أبي ربيعة وولد أحمد يورة وولد ابنو ونزار وغيرهم، هل سيمنع تدريس غزلهم المتحرش؟».
مفت سابق لتنظيم «القاعدة» اعتبره مناقضا للوحي وشعراء يخافون من أن يصبح التغزل تحرشا
وبينما رحب الحقوقيون بالقانون الذي سبق أن رفضه البرلمان الموريتاني، طالب فقهاء وسياسيون إسلاميون بإسقاطه من جديد ورفضه رفضاً كاملاً.
واعتبر أبو حفص الموريتاني، المفتي السابق لتنظيم «القاعدة»، في تدوينة له أمس، أن «النسخة المعدلة من قانون (النوع) الذي تنوي الحكومة تقديمه للبرلمان، ما زالت تتضمن مواد فيها مصادمة للوحي، وتبديل للشرع، ومروق من أحكام الإسلام، وخروج على قيم المجتمع، وتهديد لكيان الأسرة، وظلم للرجل والمرأة معاً!!».
«إن تبني هذا القانون وما على شاكلته من قوانين وضعية مصادمة للشريعة الإسلامية، مفروضة من الدول الغربية، والمنظمات الدولية، يعتبر من أهم أسباب الاضطرابات الأمنية، وإثارة الفتن الداخلية في المجتمعات الإسلامية، وخروج الجماعات المسلحة، وما ينجر عن ذلك كله من تداعيات خطيرة عصفت بدول ومجتمعات، فأهلكت الحرث والنسل، وما هي منا ببعيدة».
أما المفكر الإسلامي محمد جميل منصور فقد قدم سبع ملاحظات عن القانون، أولاها «أن الشبهة قائمة في شأن الجهات الخارجية المشجعة عليه لم يرد ذكر لمرجعية الشريعة الإسلامية والالتزام بأحكامها وهو أمر معيب يعطي حجة قوية للقائلين بأن هذا النوع من القوانين يستهدف القيم الدينية أو يتجاهلها في الحد الأدنى».
وقال: «في 55 مادة لقانون يشتبه الكثيرون في أثره السلبي على البيت لم يرد ذكر للأسرة ولا لما يعين على تماسكها والألفة داخلها خصوصاً أن بعض محتوياته يشكل خطراً واضحاً على العلاقات الأسرية ويحولها إلى نزاعات وتوترات لا تنتهي».
وأكد ولد منصور «أن عقوبة الاغتصاب وردت دون المأمول، وكما أشار أكثر من واحد ينبغي الوصول بها إلى أقصى تشديد ممكن، لعل ذلك يكون رادعاً لهذه الوحوش التي تعبث بأعراض وعفة وصحة بناتنا ونسائنا».
وأضاف: «يلاحظ في لغة مشروع القانون خوف مرضي أو شبهه من المصطلحات الإسلامية واعتماد لغة جمعت بين الغرابة والركاكة»، مشيراً إلى «أن الأولى في المادة 36 المتعلقة بزواج من هي دون سن 18، اشتراط النضج لا السن، فكل تأخير لإمكانية الزواج هو تأخير لمقتضى العفة وتعجيل بعكسه».
وخلص ولد منصور إلى «أن إجازة مشروع القانون هذا كما هو يتضمن خطراً على قيم الدين والمجتمع، كما يشكل إسقاطه بالكلية خطراً على حقوق النساء وحمايتهن من العنف والاعتداء، ففي اتجاه التعديل والتصحيح سيروا يرحمكم الله».
وممن عارض مشروع القانون الدكتور محمد الحسن ولد أحمد الذي كتب «لو كان هذا القانون منبثقاً عن فريق برلماني موريتاني أو نابعا من جلسات حوار مجتمعي محلي خالص لكان المطلوب هو النظر في مواده بتدقيق وتمعن ووزنها بميزان الشرع، أمَا وهو ربيب مؤتمر (بكين) للمرأة الذي يناقض نظر ديننا ومجتمعنا للأسرة، أركاناً وشروطاً ونظاماً، فهو قانون مرفوض».
وكتب الإسلامي والقيادي الإسلامي، أحمدو الوديعة: «دعونا نتجاوز الرغبة العارمة لدى البعض في تسجيل نقاط هنا وهناك، فنتحاور لنقر قانوناً صارماً يحمي المرأة والفتاة، ويردع منتهكي عرضها اغتصاباً أو تحرشاً، أو تفريطاً، لنتوافق على قانون حماية المرأة والفتاة ليكون مكتسباً وطنياً يضع حداً لحالة غياب القانون التي نكتوي جميعاً بتأثيراتها المرعبة».
ودافعت النائبة البرلمانية سعداني خيطورة عن القانون الجديد وهاجمت الإسلاميين الذين عارضوا القانون واعتبرتهم ذوي أفق ضيق، كما رحبت به الإعلامية منى بنت الدي بشرط أن تتم مراجعته وملاءمته مع الشريعة الإسلامية.
وذهب المحامي والوزير سيدي محمد ولد محم مذهباً آخر في مشاركته في هذا الجدل، حيث أكد «أن على الذين يعارضون مشروع قانون الوقاية من العنف ضد النساء والفتيات والهادف إلى وضع الإجراءات القانونية الكفيلة بحماية الضحايا وتعويضهن عن الضرر ومعاقبة الجناة، عليهم أن يكونوا أكثر دقة وتحديداً في مآخذهم على هذا المشروع، بغض النظر عن موضوعية تلك المآخذ أو صدقيتها، لأن ذلك يعتبر المنهج الأفضل لمناقشة مقتضيات محددة معيبة من المشروع، أما التعبير بأساليب إنشائية وموغلة في التعميم تستبطن تهديدات للمجتمع والدولة، فلا تخيف أحداً، وهي أسمى تعبير عن عجز أصحابها عن الإقناع بحجتهم».
طبول المخنثين
واقترح الإعلامي الحسين محنض على الحكومة «أن تتريث وتسحب مشروع قانونها حول العنف ضد النساء والفتيات من أجل مراجعة أكثر لمضمونه من قبل مرجعيات دينية معروفة بكفاءتها الشرعية حتى تشهد بتكيفه 100٪ مع الشريعة الإسلامية».
وكتب صبحي ودادي مؤكداً «أن عولمة قيم «ما بعد الحداثة» الغربية هدف أصيل وقديم للمنظمات التخصصية للأمم المتحدة، ولنخب الانحلال وانتكاس الفطرة الناشطة في المجتمع المدني الغربي»، مبرزاً «أن نظام الأسرة في البلدان المسلمة لا يزال السد المنيع والصرح الصاد أمام تصدير تصور تلك المنظومات الغربية المنكوسة الفطرة».
وأضاف مَن خطا في طريق الضلال تلك خطوته الأولى لن يستفيق إلا على قرع طبول «المخنثين» وهم يطالبون بحقوق الوضاعة في مظاهرة محمية بقوة الخوف من الممثليات الغربية».
الأسباب والدوافع
وتأتي إجازة هذا القانون بعد أن أظهرت الإحصاءات القضائية لوزارة العدل الموريتانية بالنسبة للسنوات 2018 و2019 و2020 تقديم أكثر من 300 قضية اغتصاب وعنف إلى العدالة، وأن هذه الجرائم تمت في جميع ولايات الوطن بمعدل سنوي يناهز 100 جريمة.
ولهذا أقرت الحكومة مشروع قانون مكافحة العنف ضد النساء والفتيات للوقوف بحزم ضد هذا الصنف من العنف ومرتكبيه.
وأكدت وزارة العدل «أن المتتبع لمشروع هذا القانون يمكنه أن يلاحظ امتثاله بشكل صارم لأحكام الشريعة الإسلامية وللإجراءات القضائية المعمول بها، كما أنه يوفر دعماً أكبر للضحايا ويعزز إجراءات الوقاية وسبل الإنصاف المتاحة لهم».
وترى الوزارة «أن هذا النص يشكل العمود الفقري لاستراتيجية شاملة ومنسقة وفعالة لمكافحة العنف ضد النساء والفتيات في موريتانيا، كما سيساعد التطبيق المستمر لأحكامه بالوسائل الكافية في الحد من العنف المضاد للنساء أولاً قبل القضاء عليه».
ومن أولويات هذا القانون المساعدة في القضاء على المفاهيم الخاطئة والمواقف التمييزية تجاه المرأة، وجعل البحث وتطوير المعرفة اللازمة لدعم تطور مبادئ العمل في هذا المجال أمراً إلزامياً.
عبد الله مولود
نواكشوط ـ «القدس العربي»