أود في البداية أن أستهل هذا التوضيح بالتضرع إلى الله سبحانه وتعالى بدعائه أن يصرف عنا وعن المسلمين جميعاً، وعن العالم بأسره، هذا الوباء المنتشر حالياً، وأن يرحم شهداءنا ويشفي مرضانا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أما في ما يتعلق بالموضوع، فأنا لا أحب الحديث عن نفسي عادة، ولم يكن من دأبي أن أعلق على الأمور الشخصية، عندما يتطرق إليها بعض الناس، رغم شغلي منصباً عمومياً، واستغلال ذلك من طرف بعضهم للحديث عني بطرق موغلة في الشخصنة؛ فقد حرصت دائماً على تجاهل مثل هذه الأمور، كلما تعلق الأمر بشيء موجه لي شخصياً دون غيري.
غير أني قد لاحظت منذ فترة وجيزة ظهور حملة إعلامية منظمة، تستهدفني على وجه الخصوص، بغرض تشويه سمعتي والنيل من صورتي لدى الرأي العالم الوطني، وهي حملة لم يتورع أصحابها عن إلصاق كل أنواع التهم السيئة بشخصي المتواضع، دون التزام ولو يسير بالحد الأدنى من التثبت وتحري الصدق والأمانة.
وعلى ذلك، فقد قررت هذه المرة أن أكسر عادتي، التي دأبت عليها منذ سنوات، في تجاهل كثير مما يحاك ضدي أحياناً من حملات مغرضة؛ حيث سأتحدث هذه المرة عن بعض الأمور الشخصية، التي ما كنت لأتطرق لها أبداً لولا احترامي وتقديري لكثير من الناس الذين يقرأون ويعلقون على ما ينشر عني، على مختلف منصات التواصل الاجتماعي وبعض المواقع، من أمور شخصية تمس صميم حياتي، مقدراً هنا جهود كل الخيّرين الذين علقوا بحسن نية على هذه المواضيع.
وقد وجدت أن من حق أولئك الخيّرين، الذين لا يبتغون من وراء اهتمامهم بهذا الأمر سوى الحقيقة، أن أحدثهم شخصياً عن هذه الحقائق بصراحة كاملة.
وسأخصص هذا الموضوع للإجابة على سؤالين؛
السؤال الأول؛ من أين لك هذا؟ والثاني؛ أين ذهبت أموال الاتحادية؟!
أولاً. من أين لي ما أملك؟!
ريما يعرف بعض الناس ما سأقوله هنا، لكن كثيراً منهم أيضاً قد يكونون على غير علم به.
فأنا قبل أن أصبح رئيساً للاتحادية، كنت -وما زلت- رجل أعمال أنشط أساساً في مجال الصيد البحري؛ حيث أسست قبل أكثر من 20 سنة شركة خاصة للصيد البحري، وقد حرصت منذ تأسيسها على أن تستمر في النمو والتطور والنجاح، وبفضل الله ثم بفضل تفاني كل العاملين فيها، فقد أصبحت هذه الشركة منذ سنوات وإلى يومنا هذا من أنجح شركات الصيد الوطنية، وهي تملك الآن بواخر خاصة بها، كما تربطها علاقات شراكة وتمثيل لتسيير بواخر أجنبية عديدة. وإلى جانب هذه الشركة أملك كذلك -بحمد الله وشكره- أسهماً في شركات أخرى ناشطة في نفس المجال.
وعلى هذا الأساس، فإني لم آتِ للاتحادية طلباً للمال، بل أتيتها -بكل بساطة- تلبية لنداء الضمير الذي بداخلي أني قادر على فعل شيء ما لخدمة كرة القدم الوطنية، التي تشكل بالنسبة لي شغفاً كبيراً؛ حيث تعلقت بها منذ الصغر، وكنت أطمح دائماً إلى العمل من أجل تحسين صورة بلدي في هذا القطاع، ولذلك فقد ولجت إلى المجال من موقع المسيّر قبل الاتحادية من خلال إنشاء نادٍ خاص عام 1999 بموارد مالية ذاتية، بشراكة مع أخي وصديقي عزيز بوغربال، هو نادي أف سي نواذيبو، الذي يُعد اليوم أحد أفضل الأندية الموريتانية، ليس لشيء سوى حبي وانتمائي الصميمي لهذه اللعبة.
ومنذ توليت زمام الأمر في الاتحادية مع المجموعة التي عملتْ معي، فقد رفضت رفضاً قاطعاً من أول يوم تخصيص أي راتب لي شخصياً، كما تنازلت كلياً عن كافة العلاوات والامتيازات المادية التي تكفلها القوانين لي، رغم أن نظرائي في العديد من الدول في العالم يتقاضون رواتب مجزية ويتلقون من اتحاداتهم علاوات ومكافآت معتبرة، إلا أني لم أفعل ذلك، لأن الله قد أغناني عنه بفضله وكرمه، وهو الذي يقول: "ومن كان غنياً فليستعفف".
ولا أريد أن أتكلم هنا عن ما أصرفه من مالي الخاص في محيط كرة القدم تشجيعاً ودعماً ومؤازرة!
ولهذا، فإني أستغرب أن يُستكثر على رجل أعمال مثلي أن يملك منزلاً وسيارة، وأستغرب أكثر من ذلك أن يُتهم -رجماً بالغيب- بتسخير موارد الاتحادية لهذا الغرض، والله يعلم أن أوقية واحدة من خزينتها لم تذهب قط إلى مجال حياتي الخاصة!
ثانياً؛ أين ذهبت موارد الاتحادية؟!
قبل الدخول في التفاصيل، تنحصر موارد الاتحادية في ثلاثة أمور أساسية هي؛ مساهمات الدولة التي تتولى كافة نفقات المنتخبات الوطنية، كما شأن كل الحكومات في العالم بوصف المنتخب الوطني يشكل واحداً في رموز السيادة في عصر اليوم، ومساهمات الاتحاد الدولي "الفيفا"، وعائدات الرعاية والحقوق. وهذه الموارد نفسها هي تقريباً أبرز منابع تمويل كافة الاتحادات الكروية في العالم، كما أن دعم الفيفا متساوٍ بالنسبة لجميع الاتحادات الكروية، بما فيها اتحادنا والاتحاد الفرنسي والبرازيلي والأرجنتيني والألماني والكامروني مثلاً.
ومنذ وصولي للاتحادية، فقد حرصت شخصياً على تعزيز دخلها من هذه الموارد، وترشيد صرفها ومراقبتها بشكل صارم، إضافة إلى تعاوننا الكامل مع مختلف جهات التفتيش الوطنية والدولية التي وصلتنا ومنحتنا أعلى درجات التقييم والامتياز.
كما لا يخفى على أحد منكم أن اتحاديتنا باتت نموذجاً بالنسبة للفيفا والاتحاد الأفريقي اللذين يضربان بها مثلاً في تسيير الموارد وترشيد وعقلنة الصرف، واعتماد مبدأ "الاستثمار الذكي" في ابتكار المشاريع وتنفيذها.
وقد دُعيت شخصياً أكثر من مرة من طرف الاتحاد الدولي ونظيره القاري إلى مؤتمرات تطويرية دولية لعرض تجربتنا أمام ممثلين عن اتحادات كروية محلية وقارية في أكثر من مائتي دولة في العالم، كما حصلت بلادنا شرف احتضان قمة الفيفا، كما حظينا بزيارات نموذجية عديدة من رئيس الفيفا ورئيس الكاف.
وقد قلت مرة إن النتائج الإيجابية والفساد نقيضان لا يجتمعان أبداً، ولذلك فإن نتيجة تطبيق "الحكامة الرشيدة" كانت واضحة للجميع من خلال ما حققناه من مكاسب هائلة، ولو كنا قد سمحنا بالفساد لما كنا قد برحنا مكاننا الأول عندما كنا نقبع -للأسف الشديد- في قاع ترتيب الأمم الكروية في العالم، حيث كان يُنظر إلينا بعيون السخرية والمذلة!
ولا أريد هنا أن أطيل عليكم بذكر تفاصيل ما تم إنجازه على مستوى الاتحادية والمنتخب الوطني، والأندية واللاعبين، لكني سأذكر سريعاً ببعض الأمور التي قد يفوت العلم بها على بعض الناس.
عندما دخلت الاتحادية أول مرة، بعد انتخابي بأغلبية أصوات أسرة كرة القدم الوطنية، يوم 29 يوليو عام 2011، لم يكن مقر الاتحادية آنذاك متوفراً على أبسط مقومات العمل المهني، حيث تنعدم كلياً أهم الشروط اللوجستية الإدارية البسيطة؛ مثل الحواسيب والطابعات والمكاتب المؤثثة، بل تنعدم فيه حتى وسائل الحياة البسيطة التي تساعد على الدوام اليومي مثل الماء ودورات المياه!
هذا فضلاً عن النقص الكبير في عدد الموظفين القادرين على تأمين الحد الأدنى من العمل الإداري المطلوب لأي إدارة تحترم نفسها، وتحترم هيبة ومكانة البلد الذي تمثله، وتملك الإرادة على العمل!
وقد تم فوراً ترميم المقر آنذاك وتأثيثه بأحدث وسائل العمل، كما تم بعد ذلك بفترة وجيزة بناء مقر جديد بمواصفات عالمية، ألحقت به بعد ذلك مبانٍ للأكاديمية ومسجد، وخلية إنتاج تلفزيوني لتوثيق نشاطات اللعبة وهي النواة الفعلية الأولى للقناة الرياضية، كما تم لاحقاً تعزيز المقر بنجيلات صناعية عديدة، ويتم حالياً تشييد مطعم ومتجر خاص بمقتنيات كرة القدم الوطنية.
لكن الإنجاز الأهم هو إعادة إنشاء وبناء ملعب شيخا بيديا الذي يعتبر اليوم الحصن الحصين للمنتخب الوطني، ومنه حقق إنجازه الأهم في تاريخه حتى الآن.
وعلى مستوى المنتخب الوطني، فقد صعد الترتيب العالمي لبلادنا من 206 (عام 2012) إلى أن وصل للرتبة 81 عالمياً (تصنيف شهر سبتمبر 2016)، وتوج ذلك بالتأهل مرتين لبطولة أفريقيا للاعبين المحليين (2014 و2018) قبل التأهل التاريخي لنهائيات كأس أفريقيا للأمم (مصر 2019) لأول مرة في تاريخ بلادنا، كما حصلنا على جائزة منتخب العام ضمن جوائز الاتحاد الأفريقي لكرة القدم 2018.
وها نحن اليوم نعيش فترة ازدهار واضحة لكرة القدم في بلادنا، فعدد الذين يعيشون من ريع هذا المجال يعدون اليوم بعشرات الآلاف من لاعبين ومدربين وموظفين وعمال، من مختلف طبقات وشرائح المجتمع الموريتاني.
ولم يتأخر راتب واحد من رواتب العاملين في الاتحادية من عام 2011 إلى يومنا هذا.
أما جوائز البطولة الوطنية فقد تم رفعها من مبلغ مليوني أوقية للبطل وحده عند وصولنا للاتحادية إلى جوائز تمنح لكافة الأندية تتجاوز مبلغ 140 مليون أوقية سنوياً.
وقد ظلت الاتحادية على الدوام سباقة إلى التضامن الاجتماعي مع الأسرة الكروية في كل موقف تحتاج فيه إلى ذلك، ولا أدل على هذا من تخصيص ميلغ 120 مليون أوقية لدعم الأندية واللاعبين والعمال في أوج محنة كورونا الحالية.
وأود هنا أن أثني على الدعم الحكومي الكبير الذي ما فتئت أعلى السلطات في البلد تسديه مشكورة لمشروعنا الكروي، منذ انطلاقته إلى اليوم، دون أن نلمس أي تعثر أو تقصير في ذلك، وهو ما كان له الفضل بعد الله في تحقيق ما تحقق من إنجازات.
وفي الختام، أود أن أؤكد للخيرين جميعاً أنني والمجموعة التي تعمل معي ماضون قدماً في تنفيذ وتطوير مشروعنا، وأن هدفنا المقبل هو تأهل المنتخب الوطني لكأس العالم، ونحن مؤمنون بقدرتنا على تحقيق هذا الهدف، ولن تثنينا عن ذلك محاولات المثبطين من خلال سعيهم الدؤوب إلى شغلنا بالتلفيق والدعايات.
داعياً الجميع إلى مواصلة مساندة المنتخب الوطني كما كانوا دائماً، وتشجيع اللاعبين ومؤازرة أنديتنا الوطنية كافة، حتى نحقق أهدافنا المشتركة، لأننا مؤمنون بذلك.
وأما المرجفون في المدينة من غير المؤمنين بقدرة موريتانيا على الانتصار دائماً، فلن نلتفت إليهم وسنتركهم في غيّهم يعمهون!
أحمد ولد يحيى
رئيس الاتحادية الموريتانية لكرة القدم