جرت العادة بأن يترقب الموريتانيون كل يوم خميس ما يصدر عن القصر الرئاسي، حيث ينعقد مجلس الوزراء الأسبوعي، إلا أن الوضع كان مختلفاً هذا الخميس، فقد عاش الموريتانيون على أعصابهم وهم يتسقطون الأخبار الواردة من القصر بخصوص تعديل وزاري وشيك، لم يؤكده أي مصدر رسمي.
امتلأت صفحات الموريتانيين على وسائل التواصل الاجتماعي بالشائعات، حول دخول شخصيات إلى القصر ولقائها برئيس الجمهورية، في إطار ما قال ناشطون إنه «مشاورات» حول تعديل حكومي وشيك، ولكن الصمت المطبق ظل هو السمة البارزة للقصر.
وصل الحماس ببعض الناشطين والمدونين إلى الحديث عن وزراء سيغادرون الحكومة، وشخصيات ستعود إلى الجهاز التنفيذي بعد أكثر من عام على مغادرته، وورد اسم الوزير السابق سيدي محمد ولد محم والوزير الأول الأسبق الشيخ العافية ولد محمد خونه والوزير الأول الأسبق مولاي ولد محمد لقظف والوزير السابق محمد الأمين ولد الشيخ.
ولكن أياً من هذه الشخصيات لم يؤكد أو ينفي نبأ دخوله القصر الرئاسي، ومن ضمنهم من ينشط على مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك وتويتر)، بل إنهم اختفوا تماماً عن التدوين ولم يعلقوا على الأنباء التي تداولت على نطاق واسع.
إلا أن دخول الشخصيات السياسية إلى القصر الرئاسي لم يكن حدثاً لافتا خلال الأشهر الماضية، فولد الغزواني منذ وصوله إلى الحكم وهو يفتح باب «التشاور» مع مختلف الشخصيات في الطيف السياسي، وقبل أسبوع التقى في مكتبه بالقصر مع شخصيات من أبرزها محمد جميل منصور وببكر ولد مسعود، وعدة شخصيات أخرى.
إن الحديث عن تعديل حكومي وشيك، يأتي بعد إلغاء اجتماع مجلس الوزراء هذا الأسبوع، وتأجيل اجتماع كانت ستعقده اللجنة الوزارية المكلفة بمواجهة جائحة «كورونا»، كان من المنتظر أن يعلن في ختامه تخفيف الإجراءات الاحترازات.
ولكن انشغال الموريتانيين بقصة التعديل الحكومي «المفترض» أنساهم المطالبة بتخفيف الإجراءات الاحترازية، ومتابعة المؤتمر الصحفي اليومي لوزارة الصحة، وهم يستعدون لما قالوا إنها مراسيم رئاسية ستصدر مساء اليوم تتضمن تعديلات قوية في الحكومة، ولكن مر اليوم دون أن يصدر أي مرسوم.
وقد علق الصحفي شنوف ولد مالوكيف على الموضوع قائلاً: «عليكم التعود مستقبلا على أن السلطات الحالية لن يُعلم بالمراسيم الصادرة عنها حتى تُنشر تلك المراسيم في الوكالة الموريتانية للأنباء»، قبل أن يضيف في تعليق ساخر: «تم اليوم تعديل الحكومة الافتراضية للفيس بوك، أما الحكومة الحقيقية فتواصل عملها بطريقة اعتيادية».
ولكن العديد من الناشطين والمدونين تمسكوا بما قالوا إنها «مصادر موثوقة»، مؤكدين أن التعديل الحكومي سيتم الإعلان عنه في وقت لاحق.
فقد كتب الصحفي محمد ناجي ولد أحمدو أن ما يتم التحضير له داخل أروقة القصر هو «عملية مسح شبه كاملة للطاولة»، وأضاف في نفس السياق أنه «سيكون لرئيس الجمهورية فريقه النهائي والمكتمل المتجانس، القادر على إنجاز تعهداته وبرنامجه الانتخابي».
وقال ولد أحمدو في منشور حظي بتفاعل واسع، إن «الملامح اكتملت»، مشيراً إلى أن «المراسيم ستصدر الليلة أو غدا أو يوم السبت أو غير ذلك، ذلك لا يهمني وليس من صلاحياتي، أتحدث هنا كصحفي يقدم معلومات مهمة للمواطن، أما التوقيت فيعني السلطة التي تصدر القرارات فهي المسؤولة عن ذلك والمعنية به».
ولكن توقيت الحديث عن التعديل الحكومي يثير الكثير من الأسئلة، خاصة عندما يربطه بعض المتابعين بعمل لجنة التحقيق البرلمانية، وكيف وصل التحقيق في ملفات معينة إلى بعض الوزراء، وأصبح من الصعب استمرارهم في الحكومة وهم محل شبهة، على حد رأي أحد المعلقين.
بينما ذهب آخرون إلى أن مرور عام كامل على انتخاب ولد الغزواني رئيساً للبلاد، منحه الوقت الكافي لتقييم عمل الفريق الحكومي، وأصبح من الضروري تصحيح بعض الاختلالات داخل الفريق، خاصة بعد الارتباك الذي أحداثته جائحة «كورونا» وتفاوت أداء الوزراء في مواجهتها.
إلا أن كل هذه الآراء تبقى مجرد «تكهنات»، في ظل المنهج الجديد المعتمد من طرف ساكني القصر الرئاسي، وهو منهج يغلق الباب أمام تسرب أي معلومات، دون أن تدفعهم الشائعات إلى التكذيب أو التأكيد، محتفظين بقدرة غريبة على «الصمت».