ستكون أيام شهر يوليو الجاري ساخنة في موريتانيا ليس على مستوى الطقس فحسب، بل على المستوى السياسي أيضا؛ فقد استدعت لجنة التحقيق البرلمانية الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز للمثول أمامها يوم الثلاثاء القادم، وذلك ضمن التحريات التي تجريها هذه اللجنة منذ يناير الماضي في تسييره للشأن العام خلال العقد الماضي.
وتبحث اللجنة عن أجوبة لسؤالين هما: هل كان تسيير الملفات الداخلة ضمن مهمة اللجنة موافقا للمواصفات والضوابط القانونية أم لا؟ وهل كان ذلك التسيير ضارا بمصلحة الدولة الموريتانية أم لا؟
وتشمل مهمة اللجنة التحقيقي في سبعة ملفات هي “صندوق العائدات النفطية، وعقارات الدولة التي تم بيعها في نواكشوط، ونشاط شركات الصيد العاملة، وتسيير هيئة شركة المناجم الخيرية، وصفقة الإنارة العامة بالطاقة الشمسية، وصفقة تشغيل رصيف الحاويات بميناء الصداقة المستقل، وتصفية شركتي سونمكس للإيراد والتصدير وصيانة الطرق”.
وحسب مصادر مقربة من هذا الملف المعقد، فإن التهيئة لمحاكمة الرئيس السابق ستنطلق غدا الإثنين، حيث سيبدأ البرلمان مناقشة قانون محكمة العدل السامية المختصة في محاكمة الرؤساء والتي وقع خلل في تشكيلتها بعد إلغاء غرفة مجلس الشيوخ التي يدخل بعض أعضائها ضمن تشكيلة المحكمة.
وينتظر أن يصادق البرلمان في جلسة علنية مقررة يوم 13 يوليو الجاري على تعديل في قانون المحكمة يجعلها مشكلة من غرفة واحدة.
وسيكون يوم الثلاثاء موعدا لمثول الرئيس السابق أمام لجنة التحقيق، لمساءلته عن عديد القضايا التي تتعلق بتسييره للبلاد خلال العشرية الأخيرة.
وستحيل لجنة التحقيق البرلمانية تقريرها النهائي إلى مجلس الرؤساء، يوم الخامس عشر يوليو الجاري.
واستمعت اللجنة حتى الآن لعدد هام من كبار المسؤولين الذين تولوا مسؤوليات خلال عشرية نظام ولد عبد العزيز من بينهم ثمانية وزراء، وجميع رؤساء حكومات النظام السابق.
ونقلت صحيفة “الصدى” الموريتانية المستقلة عن مسؤولين في اللجنة ارتياحهم التام لعدم تدخل السلطة التنفيذية في أعمال اللجنة أو التأثير عليها في أي اتجاه، حيث تمكنت اللجنة من أداء عملها في أحسن الظروف بدون أي ضغوط أو تدخلات أو توجيهات من السلطات التنفيذية خاصة من مؤسسة الرئاسة.
وسجلت مصادر اللجنة ارتياحا لتعاطي جميع المستجوبين معها، حيث لم تسجل اللجنة امتناع أي مسؤول عن الحضور لجلساتها، باستثناء الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز الذي أرسلت له اللجنة رسالة رسمية قبل فترة، ولكنه اعتذر لهم عن عدم تمكنه من الحضور بسبب تواجده خارج العاصمة في منتجع خاص، وطلب منهم أن يتركوا له الرسالة الرسمية عند بوابة بيته في العاصمة نواكشوط.
وقد طلبت اللجنة من رئيس البرلمان، حسب المصدر ذاته، أن يضع تحت تصرفها سيارة كي توصل له الرسالة في مقر إقامته خارج العاصمة في بنشاب، وفي تلك الأثناء تقرر توسيع أعمال اللجنة للتحقيق في ملفات إضافية، فانشغلت اللجنة عن استدعاء ولد عبد العزيز بتقصي أسرار وخفايا الملفات الجديدة، والاستماع للضالعين المباشرين فيها، وقررت تأجيل استدعاء الرئيس السابق.
وأكدت المصادر “أنه سيكون لزاما على الرئيس السابق تلبية دعوة اللجنة للمثول أمامها والاستماع لإفاداته، وبخاصة أن الكثير من الملفات كان المسؤولون عنها يحملونه المسؤولية كاملة عما شابها من فساد، مؤكدين أنه كان يعطي تعليماته الصارمة بتنفيذ وجهة نظره وأوامره بدون مراجعة.
ونقلت “الصدى” عن مصدر مطلع من داخل اللجنة قوله “إن سيناريوهات اللجنة الخاصة باستدعاء ولد عبد العزيز ستكون إما بقبوله الدعوة بروح رياضية، وحضور لمقر اللجنة وإفادته بشهاداته، أو برفضه الاستدعاء أو بتقديمه لشروط”.
وتتوقع مصادر مقربة من هذا الشأن أن يرمي تقرير اللجنة بشخصيات وازنة وراء القضبان، ومن أقوى الاحتمالات أن يكون الرئيس السابق ولد عبد العزيز في طليعتهم، نظرا لإدلاء عدد من وزرائه بمعلومات خطيرة تتهمه بالفساد وسوء استخدام السلطة.
وتفيد المصادر أن بعض جلسات التحقيق كانت صعبة، وشهدت تشنجا وارتباكا لبعض المستجوبين، لدرجة أن أحد رؤساء الحكومات السابقة صرخ في وجه اللجنة قائلا: “ما ذا تريدون منا؟ هل تريدون تدميرنا ورمينا في السجون، وتحملينا أوزار وأخطاء وكوارث ولد عبد العزيز؟ هل تبحثون عن كبش فداء لولد عبد العزيز؟ هل هذه هي مهمتكم؟”. ليرد عليه أحد أعضاء اللجنة: “معالي الوزير نحن نريد فقط الاستماع لإفادتكم حول بعض المعلومات التي كانت ضمن ملفات تسييركم”. فيرد الوزير المستجوب صارخا: “اذهبوا ‘لى ولد عبد العزيز. إنه مرتاح البال في منتجعه، فهو المسؤول عن كل ما تتحدثون عنه”.
والشيء المؤكد أن شهري يوليو الجاري وأغسطس المقبل سيكونان ساخنين على مستوى الساحة السياسية الموريتانية، حيث ستنهي لجنة التحقيق البرلمانية أعمالها، وستقر الجمعية الوطنية قانون إعادة تشكيل محكمة العدل السامية، وسينهي الرئيس الغزواني أولى سنوات مأموريته الخمس؛ فهل ستكون هذه التطورات بداية لتغييرات جديدة تعصف ببقية أعوان الرئيس السابق؟ أم أن الرئيس الغزواني سيواصل تسييره للشأن العام بطريقته الهادئة التي اتبعها منذ وصوله للحكم؟
عبد الله مولود
نواكشوط- “القدس العربي"